شعري.. وعبد الرزاق الحلاق

 

شعري.. وعبد الرزاق الحلاق

قصة قصيرة بقلم : درغام سفان

 

 

أرسل لي صديقي الأستاذ عبود هزاع هذه الصورة ،يسألني :هل تذكرها..؟


(عبود هو الشاب الطويل الانيق بشاربين…)…كيلا يلتبس عليكم الأمر..!
أجبته بالطبع ياصديقي ..وهل تنسى تلك الأيام التي جمعتنا معا، حينما كنت أهرب من مخابر كليةالطب..إلى رياض كلية الآداب ..كان عبود ..وجمال الجمعة.. خير أخوين ناصحين..حافظين للود ..والوفاء..
وسوف يلفت نظركم بالطبع شعري الطويل الذي نما فوق رأسي ، وغطى بعض وجهي، حتى كاد أن يكون خيمة سوداء، أو حجابا تضعه النساء ..!! وقد تركته..حينما اشتد عودي، وأمنت على نفسي .. مثل زرع بعل… نكاية بأيام خلت ..!!
فقد كان والدي(رحمه الله) شديد الحزم في تربيتنا إلى حد القسوة. التي نلت منها القسط الأكبر ..كوني الولد البكر…وكان يرى، أن طول الشعر علامة على سوء تربية الأهل وتقاعسهم في تربية أولادهم .وكثيرا ماينهرني قائلا: ياول ..هل تريد أن تصبح مثل (صلوح الوسخ)…وكان صلوح هذا ابنا لأحد الجيران، يضرب به المثل في الرثاثة والإهمال …كما كان ” أشعب” يضرب مثالا في التطفل…!!
ولكم عانيت الأمرين عند حلاق العائلة (عبد الرزاق) …الذي كان يحملني وأنا مكره بكلتا يديه، ليجلسني على الكرسي العالي بالنسبة إلى قامتي الضئيلة، فأتكور مثل خروف صغير، سيجزون صوفه ..وقبل ذلك ..سيرقص الحلاق مقصه بيديه قليلا، فيصدر أصواتا رهيبة يقشعر لها بدني ..وماهي إلا هنيهات ،حتى يجهز علي به ..مقلبا رأسي كبطيخة صغيرة بين يديه الضخمتين .فأسلم نفسي له منتظرا نهاية الكابوس،وسوف يلاعبني كيفما شاء ،فمرة تصبح عيناي في السقف،ومرات نحو الأرض ،وقد يطيب له، أن يفتل عنقي النحيل تارة نحو اليمين وتارة الى الشمال ،وقد يشدني من أذني، أو يلكزني في ذقني ،وأنا ساكت ساكن، لاأنبس ببنت شفة… راض بما قسمه الله لي..!ولن يرف لي جفن، إلا حينما يرش علي ماء “البريانتين” صائحا بي بصوته الجهوري.. نعيما ..فيردد من كان حاضرا.. نعيما ..نعيما..وكانت تلك الأصوات لحظتها في سمعي أعذب من تغريد البلابل…!..ولشدة فرحي ،وأنا غير مصدق، أقفز وحدي من الكرسي مثل فرخ صغير غير عابئ بمخاطر السقوط.. فأجد تحتي بساطا أسود فاحما، يتلقاني بكل حنان ..إنه شعري الذي تناثر فتاتا في أرجاء الصالون…وسأغادره إلى الأبد كل مرة ..وفي القلب غصة ..وأية غصة…
ولن أنسى كيف تعرض أبي مرة لحادث، أكرهه على البقاء في المشفى لعدة أسابيع..وحين عاد إلى البيت ،أقبل عليه الناس من أقارب وأصدقاء، يهنئونه بالسلامة..وكنت جذلا بملاطفاتهم لي .وأكثر..بما جلبوه من حلوى لذيذة بهذه المناسبة..
وفي غمرة هذه البهجة .. لم أحس .إلا بشئ هو بين لين وقاس، يصفر في أذني ،ويلسع رقبتي ..ولم يكن ذلك إلا” الكلاش” الديري الطائر العجيب.. وصوت أبي من بعيد.. مزمجرا …
وبين همهمة الضيوف من مشفق علي ومن مهدىء لسورة أبي…هرعت أمي على عجل ..ودست بكفي “نصف ليرة”، وهي تهمس لي بصوتها الحنون.. .ناصحة.. مؤنبة:….كم مرة نبهتك يابني ..ألا تطيل شعرك…اذهب بوجهك إلى الحلاق ….. فلم أكذب خبرا..وخرجت من الدار ، لاألوي على شيء، فرحا بنجاتي….أحث الخطا على عجل إلى شفيعي( عبد الرزاق الحلاق) …ولسان حالي يقول ،كما قال الشاعر القديم…..أنت النعيم لقلبي …والعذاب له…!!

 

توضيح :

وقائع ماذكرت حدثت بحدود عامي  1967 – 1969

عبد الرزاق الحلاق:
صالونه في شارع فرعي ..قرب الشارع العام…وهذا الشارع يتجه للحميدية.. وهو مقابل الكراجات القديمة التي تقع مقابل الحجي ابو اللبن في الشارع العام وهناك اظن صبري الحامد بائع الجبن

شاهد أيضاً

(ألوان بلا عنوان).. حمام السوق بقلم سمير الحاج

قبل العيد بيوم أو يومين في فترة ما قبل السبعينات من القرن الماضي يتجهز الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *