الاستهزاء بالتراث والتراثيين

بقلم الأستاذ يونس سند

لا يلام الانسان الجاهل عديم الثقافة عندما يتخذ بعض المواقف في كثير من القضايا لأن وعيه لا يكشف له الصورة كاملة وحتى لو كشفت لا يستطيع ان يستشف منها مآلات الامور وعواقبها بالشكل الصحيح .

كنت اعرف المرحوم عبدالقادر عياش بشخصيته وجمال هندامه ومنظره ولم اكن ادرك في تلك الفترة ما كان يفعله واتذكر مرة زارنا بالبيت بعد أن سمع ان المرحومة والدتي تعرف وتحفظ بعض التراثيات الديرية فجاء ليتأكد من بعض الاشعار التي كانت والدتي تحفظها .

بعدها عرفت ما يقوم به من جمع للتراث الديري وما يبذله من جهد في توثيق الحياة الديرية ومفرداتها وهو عمل ل ايقوم به الا من كان على درجة عالية من الوعي والفهم والنظرة المستقبلية الثاقبة .

وعندما اطلعت بعد ذلك على ما كتبه ونشره ادركت عظم ما قام به .

وادرك الآن ابناء المدينة قيمة ما فعله وتركه للأجيال اللاحقة .

نعود للعنوان.. في الفترة التي كان يجمع بها التراث كان البعض من أبناء المدينة يهزأ بما يقوم به.. واذكر كلمة لاحد الجهلة وهو يصفه بانه ابو الغرابيل بسبب حفظه في متحفه الشخصي لعدد من الغرابيل التراثية وكأنها سبة او ناقصة لا سمح الله .

 وبالمناسبة قام رحمه الله بإهداء متحفه الشخصي لمتحف المدينة للتراث الشعبي .

وبالنسبة لي انا لست باحثا” تراثيا” ولا أدعي ذلك ولكن بعد حصول الاحداث الاخيرة.. وتفرق اهل مدينتنا في اصقاع العالم حاولت تذكيرهم بلهجتهم الديرية الجميلة وربطهم بوطنهم فصرت اكتب ولازلت بعض الكلمات والمقولات الديرية مما سبب لي ذلك تعبا” وانتقادا” مريرا” وخاصة ممن يحيطون بي لكني لم اعبه بذلك بل زادني اصرارا” على متابعة الأمر .

وقبلها كنت كبقية الشباب نتابع الاخبار وخاصة الرياضية وكنا نجد صعوبة في الحصول على الجرائد والمجلات الرياضية …وبالأخص ما يتعلق بانتصارات نادي الفتوة ..هذه الجرائد والمجلات  التاريخية كنت احتفظ بها وصار عندي منها  ارشيف كبير ..لكن بعضهم كان يهزأ من ذلك ويقولون فلان ابو الجرائد  حتى وصل الامر بي لإتلاف الكثير منها ورميه وبقي منها القليل حرصت عليه لكن دمار بيتي قضى عليها كلها .

المؤلم بالموضوع ان من يهزأ ليسوا جهلة او اميين …المؤلم انهم ممن يدعون الثقافة ..

الامم التي ليس لها تاريخ ليس لها مستقبل ..ومن لم يعتز بتراثه لن يعتز بحاضره ومستقبله .

لاحظوا كم ينسر ويفرح الكثيرون عندما ينشر احدهم صورا” للدير العتيق وحاراته واسواقه وجوامعه ..

والآن اصبحت كثير من عوالم الدير تراثا” بعد ان تدمرت واحرقت ونهبت وصارت صورها ذكريات لاغنى عنها ويفرح ويحزن الناس عندما يشاهدون صورها وعوالمها .

الامم كلها تحافظ على تراثها وتعزه وتترك الابنية القديمة والشوارع كما هي حتى يطلع ويتمتع بجمالها الاجيال اللاحقة وتصبح معالم سياحية يأتيها الناس من كل انحاء العالم .

وعندما افاق الناس بعد فترة على كارثة تدمير الدير العتيق احسوا بقيمة مافقدوه .

وكم حزن ابناء الدير عندما دُمّرَ الجسر المعلق احد اهم معالم المدينة وتراثها .

نقول اخيرا” إن المحافظة على التراث عمل حضاري ويدل على رقي ورفعة الامة التي تقوم به .

تراثنا هو ماضينا وهو اساس مستقبلنا .

 

 

شاهد أيضاً

(ألوان بلا عنوان).. حمام السوق بقلم سمير الحاج

قبل العيد بيوم أو يومين في فترة ما قبل السبعينات من القرن الماضي يتجهز الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *