محطات فراتية.. بقلم طارق الشيخ

محطات فراتية 

بقلم : الدكتور طارق الشيخ 

حتى عام 1875م ، كانت زراعة الأشجار المثمرة والخضار ، شبه معدومة في محافظة ديرالزور ( السنجق ) ، وتقتصر على مساحات ضئيلة في الحويقة وحول المدينة، للاستعمال الشخصي وليس للبيع.

ويروي كبار السن من الديريين ، انه جاء والي جديد ،مع زوجته إلى ديرالزور .. وبعد أسابيع عاد الوالي من عمله إلى منزله ، فقدمت له زوجته الطعام، من لحم وخبز، وجلست معه لاتاكل.

فقال لها الوالي : لماذا لاتاكلين ؟
فأجابت : لقد مللت من أكل اللحم يوميا” ياباشا واشتهي طعاما” من الخضار .. كوسا ، باذنجان ، بامية ، بندورة .. الخ
ولكن اهل السنجق لاادري لماذا لايزرعونها !!
فصار الوالي يفكر بالامر، ثم أحضر بذورا” من ماردين ، وعرضها على بعض المزارعين ممن يعرفهم ، فزرعوها ، وباعوها وربحوا .. وتوسعت زراعتها بسرعة ، بالحويقة وفي مزارع مجاورة للمدينة ..

وأحب اهل الدير البامية والمحاشي ، ولم تعجبهم الملوخية والكزبرة حتى وقت متاخر في الستينيات ، وكان حسن الأحمد بك يزرع الملوخية في حديقة منزله ويوزعها على اصدقائه القلائل ممن يحبونها .

وكانت إحدى السيدات الدمشقيات المتزوجة في ديرالزور ، تزرع قليلا” من الكزبرة في حديقة منزلها ، وذلك لإضافتها لبعض الاطعمة مثل الملوخية وحراق اصبعوا .

ومما يروى عن الملوخية ان احد أبناء ديرالزور كان ينزعج من رائحتها.. وذات يوم سافر إلى دمشق ، ودخل إلى مطعم قرب ساحة المرجة يطل على نهر بردى قبل غطائه بالباتون .
وحسب العادة مر على طناجر الطعام التي كانت تصف بجانب بعضها ، فرأى طنجرة ملوخية جعلته يمتعض ، فسأل عن سعرها، واشتراها ، وطلب من عامل المطعم ان يحملها له الى نهر بردى ، حيث طلب منه ان يسكبها فيه، ثم عاد للمطعم وطلب صحن بامية .
وتغيرت الأمور الآن وأصبحت الملوخية من طعام اهل الدير .

اما سبب عدم زراعة الأشجار المثمرة والخضار فقد سمعت روايات عديدة ، لكن التفسير المقنع أخبرني به حنا ( ابو جورج ) من قرية ( الصور ) في محافظة ديرالزور . وحنا ابو جورج ارمني، كان في إحدى قوافل السوقيات إلى حلب وهو طفل صغير .. وتوقفت القافلة قرب قرية الصور ، فافلت من يد والدته
ليلا، وضاع، ومضت القافلة فجلس يبكي، ومر به رجل من الصور ، فحن عليه ، وحمله إلى منزله ، وتربى مع أولاده وسكن الصور وافتتح مقهى فيها ..
وكان المقهى نظيفا” وأبو جورج يعرف كيف يرحب بالزبائن ، فأصبح مقهاه معلما” من معالم القرية .
سالت ابو جورج في أواخر الستينيات ، لماذا اهل الصور لايزرعون الأشجار ولا الخضار ؟
فقال: هذه الزراعة ستسبب بلاوي ومشاكل، فالمارة سيقطفون منها ولصوص الليل سيغزونها ، وإذا وضعت حارسا” فإنه إما قاتل او مقتول ..بلاها احسن .
– وعندما نذكر الزراعة والأشجار المثمرة لابد لنا من ذكر شخص له مساهمة كبيرة فيها هو من حماة من عائلة الشمالي ويسميه اهل الدير (حجي المشتل ) عمل في تطوير وتكثير شتلات الثمار ونشرها بالمحافظة

اما شجرة ( الفل ) فقد كان الفضل في نشرها بدير الزور سيدة جاءت من تركيا مع زوجها الموظف وسكنت ديرالزور بعد وفاته يدعوها اهل الدير (بكتورا خانم ) واسمها فيكتوريا اليأس ومنزلها قرب دربة الحمام ولديها أنواع كثيرة  من شجر الفل وتوزع شتلاته مجانا لكل من يطلب .

شاهد أيضاً

(ألوان بلا عنوان).. حمام السوق بقلم سمير الحاج

قبل العيد بيوم أو يومين في فترة ما قبل السبعينات من القرن الماضي يتجهز الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *