يوميات العم أبو سامي (4)

يوميات العم أبو سامي 

بقلم الأستاذ عبد المجيد اسماعيل

 

كانت توجد بنهر الفرات جزر نهرية ( الحوايج )..وبلهجتنا الديرية نسميها الحويقة …وهي تشكلت بوسط الفرات نتيجة الفيضان وتجمع الطمي والرمال والحصى النهرية وبقايا الاشجار ونتيجة خصب تربتها واحاطة المياه من جوانبها ظهرت بها نباتات واشجار بكثافة وتحولت الى قطعة خضراء وسط النهر حتى لو انك شاهدتها من الجو لوجدتها مثل ورقة شجر خضراء اللون وسط النهر …نبتت فيها اشجار لاتظهر الا على نهر الفرات مثل الحور الفراتي والغَرب وهو نوع يشبه الصفصاف لايظهر الا على ضفاف الفرات وايضا الطرفاء والزل وقصب البردي وعرق السوس والزيزفون والباذنجان البري ..وكان يتواجد بها حيوانات مفترسة مثل الضبع والذئب والواوي والشيب هو من فصيلة القطط البرية المتوحشة وهو ارشق واخطر من الذئب والبعض يسميه النمر الفراتي وفيها الخنازير البرية .والارانب ….كما انها كانت مستعمرات للطيور منها المستوطن والمهاجر الذي ياتي للحوايج حسب الفصول مثل الزرازير التي كانت تاتي ببداية كانون الاول هربا من برد شتاء روسيا واوربا …كنا نشاهد المئات من اعشاش الطيور بين الاشجار ..وهناك ايضا طيور الحمام البري والدرغل والقطا والشرشوحة (البط الاسود) كذلك الغراب الاسود والخضرة والعقعق وطيور البط البري والاوز وحج لكلك والعصافير والبلابل والكثير الكثير من الطيور الجميلة والغريبة ….

كنا نمتلك طرادة وجفت صيد ونتفق مع اصحابنا للذهاب الى الحوايج بشكل فجائي ومجرد ان يقترح احد اصحابنا شو رأيكم نروح للحويجة …مباشرة لانحتاج الا فقط نجهز سكر وملح وطحين وبهارات وشبك الصيد والجفت ومصباح القاز وطبعا العود نقضي الايام سهرات غناء وصيد حيث نذهب الى الحويجة المقابلة مايسمى سلم البغيلية …كانت كثيفة باشجارها حيث من الصعب علينا المسير بينها وخاصة ليلا لكثافة اشجارها وخطورة حيواناتها …حتى انه كان يوجد بها بقر له اصحابه لكنه مع الزمن توحش وصار خطرا قد يهاجم الانسان وينطحه وقد يعرضه للموت …لكن كانت متعة الصيد ولذة العيش مع الطبيعة بكل ابعادها شيء يجعلنا نغامر بكل شيء من اجلها…كنا نصطاد من البر ومن النهر والخضرة متوفرة على اطراف بساتين الفرات ناخذ مانريد ..حياة بسيطة ومريحة وعفوية ….

مرة وصلنا متاخرين وغربت الشمس وأظلمت الدنيا وكنا متعبين فاستلقينا بداخل السيباط حيث بنيناه سابقا ..وتركنا عدتنا بداخل الطرادة …فقررنا ان ننام وبالصباح نجهز المكان والعدة …وفي الظلام كان هناك شيء يتحرك مقابل السيباط …كان الجفت بجانبنا ولكن لم يكن عندنا الا فشكة واحدة لان الفشك كان تحت الاغراض بداخل الطرادة والمصيبة كانت الفشكة مصدية ونريد ان ندخلها بالسبطانة لاتدخل والخيال يتحرك امامنا فاضظرينا الى ادخالها بالدق مع خطورة الوضع وقام ابن عمي بالتوجيه على الخيال وسدد واطلق وحدث انفجار وشرار بحيث ان ابن عمي سقط للخلف من شدة الانفجار فبسرعة اشعلنا مصباح القاز فاذا بابن عمي الدم يسيل من جبينه حيث طارت من السبطانة الغطاء النحاس واصاب جبينه فجرحه لكن لم يكن خطرا المهم خرجنا للخارج على ضوء المصباح ولم نجد شيء فعدنا الى مداواته وتضميد جرحه ..ليلتها لم ننم وفي الصباح بحثنا فوجدنا اثار دماء تتبعنا اثرها على الرمال فوجدنا ذئب ملقى على الشاطيء اصابته الطلقة من حلقه وخرجت من ظهره …

كنا نشاهد جماعة الحطابة وهم يقومون بتطويف الحطب الذي يحتطبوه من الحوايج حيث يصفون سيقان الغرب والحور الفراتي بجانب بعض مشبوكة باغصان الغَرب التي تربطها كحبال ويضعون اكثر من صف فوق بعضها بحدود ارتفاع الخمسين سنتيمتر وفوقها يضعون الصير وهو اشبه بالحصير المنسوج من اغصان الطرفاء ثم يتجهون بها الى مدينة الدير ويكون مكان رسوها عند بساتين عبد الجواد وهي منطقة حصوية حيث يقومون بتنزيلها على الشاطيء ومن ثم بيعها بالطن حيث اذكر ان قيمة الطن الواحد بخمسة عشر ليرة …هذه السيقان (الجوايز)كانت تستعمل للتدفئة بعد تقطيعها او ببناء اسقف البيوت …وكانت اغلب اسقف دير العتيق منها وتسمى باللهجة الديرية جوايز …حتى انني اذكر حبابتي والدة ابوي عندما انتقلنا الى منطقة الرشدية وتم بناء بييتنا سقفه من الباطون مع الحديد حيث بناه شخص ارمني اسمه يوسف جاء من حلب لانه لم يكن احد بدير الزور يعرف صنعة الباطون والحديد ….حبابتي ظلت لاتصعد على السطح وتقول لوالدي لن اصعد حتى تضع تحت السقف جوايز .. ختى لو كل غرفة ثلاث جوايز لاني ماني مرتاحة من هاي السقوف …..

شاهد أيضاً

(ألوان بلا عنوان).. حمام السوق بقلم سمير الحاج

قبل العيد بيوم أو يومين في فترة ما قبل السبعينات من القرن الماضي يتجهز الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *