الشاعر توفيق عبد الله قنبر

 

توفيق قنبر

( 1327 – 1392 هـ)

( 1909 – 1972 م)

كثير من أبناء دير الزور لايعرفون عنه شيئاً مع أنه فجّر بقصائده ثورة ضد المحتل الفرنسي في أوائل القرن الماضي

من أوائل شعراء “دير الزور” الذين كتبوا الشعر باللغة العربية الفصيحة بعد سيادة العامية على هذا النوع من الفن، يذكره من يهتم بالأدب ببلاغته وحسه المرهف، ويذكره من يهتم بالتاريخ النضالي لأبناء المنطقة بمواقفه الوطنية والتي دفع الكثير من سنين حياته تشرداً ونفياً مقابلها، إنه شاعر “دير الزور” “توفيق قنبر”.

ولد الشاعر الفراتي “توفيق قنبر” في أواخر الفترة العثمانية عام 1909 وكان من مؤسسي ما سمي بنادي الجراح الرياضي عام 1930م، الذي كان وسيلة للتعبير عن المواقف الوطنية، وكانت أحداث 1932 قمة عطاءات النادي التي تجسدت كوجدان وسلوك في حياة الكثيرين، كما أنها كانت نقطة مصيرية في حياة ومستقبل الشاعر “توفيق قنبر” فقد حكم عليه الفرنسيون بالإعدام بعد تلك المباراة الرياضية بين “الديريين” والفرنيسيين والتي انتهت بمعارك بينهما، أججتها الخطبة التي ألقاها الشاعر”توفيق قنبر” بالجماهير الوطنية فانفجرت شبه ثورة تلتها اضرابات ومظاهرات، وتمكن الشاعر من مغادرة الوطن بمساعدة الأهالي وعشائر الفرات الثائرة عند الحدود العراقية السورية والذين أوصلوه إلى القطر العراقي الذي كان محتلاً من قبل الإنكليز.

وفي عام 1933 م خفف الحكم من الإعدام إلى الحبس مدة خمس سنوات مع دفع غرامة مالية قدرها ثلاثة آلاف فرنك فرنسي ثم صدر عفو شامل عام 1937 م، وفي العراق توجه الشاعر إلى الصحافة اليومية فعمل في صحيفة “الفجر البغدادية” بزاوية يومية يندد فيها بالاستعمار مما أثار نقمة الإنكليز عليه فأعيد قسراً إلى سورية عام 1941 م».

وحول عودته إلى “دير الزور” التي لم تدم طويلاً 

بعد عودة الشاعر إلى” دير الزور” اضطر إلى الرحيل إلى “الرقة” مجدداً ليعمل مدرساً لمادة اللغة العربية في إعدادية “المأمون” ثم عاد إلى “دير الزور” عام 1957 م ليعمل مدرساً في ثانوية “الفرات”، ثم أميناً للمكتبة الوطنية بعد رحيل الشاعر “محمد الفراتي” إلى “دمشق” ثم أميناً لمكتبة المركز الثقافي حتى وفاته في 1972م.

وكتب معجم البابطين للشعراء العرب في القرن التاسع عشر والعشرين لمحة عن حياته جاء فيها:

توفيق بن عبد الله قنبر.

ولد في مدينة دير الزور (شرقي سورية) وفيها توفي.

ساقته أحداث زمانه إلى الحياة في العراق حينًا، والمنفى في الهند حيناً آخر.

تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمسقط رأسه، ثم اضطر إلى الهرب إلى العراق بعد حادث ضربه لحكم رياضي (فرنسي) عقب إحدى المباريات (1932)، وكان أحد المهيجين بخطبه النارية.

اشتغل مدرساً للغة الفرنسية بمدارس بغداد، كما كتب مقالات صحفية هاجم فيها السلطة البريطانية في العراق، ترتب عليها أن خرج إلى الهند منفياً، ثم سمح له بالعودة إلى دير الزور (1941).

الإنتاج الشعري:

– له ديوان «تأملات» أعده للطباعة والنشر ولدا المترجم له بمقدمة من الشاعر فاضل سفان، طبع في مدينة دير الزور عام 2000، وتحتفظ أسرة المترجم له بقصائد أخرى باقية، تعمل على نشرها في ديوان آخر.

 

الأعمال الأخرى:

– ألف مسرحيتين، شارك في تمثيلهما على مسارح مدينته (دير الزور): مسرحية «الحيّ والميت»، ومسرحية «الغريب الراعي» – والهدف الانتقادي (السياسي الاجتماعي) واضح في العنوانين، كما نشر عدداً من المقالات في صحف بغدادية مختلفة، و له مؤلفات علمية منشورة، في صدارتها: «جمع وتحقيق ديوان الصنوبري»،

«تاريخ الرقتين»، «تاريخ دير الزور القديم»، «أعلام الرقة»، «الوصف في الشعر العربي» (مخطوط).

شعره يتخذ من شعر القدماء قدوة، فتبدو فيه أصداء المتنبي، أو البحتري، أو المعري، دون أن يدخل في دائرة المحاكاة أو التقليد، فذات الشاعر حاضرة في تفاعله مع أحداث زمانه، ولغة عصره، وقدرته على صياغة السهل الممتنع. يقول كاتب مقدمة ديوانه: «إن شعره وأدبه يمثل تحولات قرن كامل في إرهاصاته وتطلعاته، وقد سبق

زمانه في رؤيته الفكرية والإيحائية». إن عناوين قصائده تطرح أسئلة، كما تحمل إجابات ترسم تطلعاته، كما تعبر عن واقعه.

 

عناوين القصائد:

رغبات خالدة ونفسٌ حائرة

بين السيف والخطب

الفرات والحضارة

*******

 

رغبات خالدة ونفسٌ حائرة

يـا خـالقَ الكـون إبـداعـاً بقـــــــدرته      

ومـرسلَ النُّورِ فــــــــــي الأفلاك دوّارا

وبَارئَ النَّسْمِ مـن ألطـاف حكـــــــــــمتِهِ      

ومـوجـدَ العقـل مِبـداعـاً ومِفكــــــــارا

وجـاعـلَ اللـيل للأقـمـار آيـتهــــــــا      

وفـالقَ الفجـرِ فـي الأسدافِ أنـــــــوارا

طرحتَ نفسـاً عـلى الغبراء كــــــــــادحةً      

قـد حُمِّلـتْ مـن شقـاء العـيش أوقــــــارا

خلَقْتهـا مـن بحـار الكـــــــــــدِّ دائبةً      

بـيـن اللـيـالـيَ والأيـام مِحضـــــــارا

سـرٌّ خـفـيٌّ له فـي النفس هـيـمـــــــــنةٌ      

مـا انفكَّ يُركبُهـا للهـول تــــــــــيّارا

فـالنفسُ وَسْطَ خِضَمِّ الكــــــــــــون معضلةٌ      

قـد حـار فـي أمـرهـا الإنسـانُ أدهـــارا

إنْ رادَ نـاحـيةً ألقتْهُ ثـانــــــــــــيةً      

فـي كلِّ مـجهـولةِ الأكـنـاهِ محتـــــــارا

يسعى وحـيـداً بـهدي العقـل مبتغـيــــــاً      

ممـا حـواهُ إهـابُ الكـون أســـــــــرارا

يُمسـي ويصـبح مِقـداحـاً خـــــــــــواطرَهُ      

عـلَّ اقتداحـاً يضـيء النهجَ إن ســـــــارا

لـيس اختـراعُ بنـي الـدنـيـا عجـائبَهـــم      

ومـا بنَوْا مـن صروح الـمـجـد آثــــــارا

إلا الضرورةَ فـي شـتّى مـنـازعهـــــــــا      

وإن غزوا فُلكَ الأقـمـارِ أطـيـــــــــارا

ويحَ الـوجـودِ فكـم تُغري لــــــــــذائذه      

وكـم تُكلّفـنـا اللـذاتُ أعـمــــــــــارا

سـوقُ الـحـيـاةِ فـمـا أغلى بضـــــــاعتَهُ      

وارْخِصْ بأعـمـارنـا فـي السـوق أسعــــارا

تفـنَى النفـوسُ ولا تفـنى رغائبُهــــــــا      

وكـم رَجَتْ مـن وراء الـمـوت أوطـــــــارا

 

بين السيف والخطب

 

أرجـو مـن الشِّعـر مـا أرجـو فــــــوائدَهُ      

مـن الـمحــــــــــاريثِ والأغراس والقُضُبِ

هـذي الضروراتُ فـي مـيـدان معــــــــركةٍ      

هـي الـوجـودُ حـيـاةُ مـوقـدِ الـــــــدأَب

لـم يـولـدِ الشعـرُ مـن أصلابِ ســــــادرةٍ      

ولاتـرعـرعَ بـيـن اللَّهــــــــــو والطَّرب

لا لهـوُه اللهـــــــــــوُ تخديراً ومَجهلةً      

لكـنَّه حــــــــــــــــافزٌ مستأربُ السبب

فـي سـاحة الخطب مـولـودٌ ومـاعـــــــرفتْ

خلائقُ العزمِ خـوفَ الجـبنِ والهـــــــــرب

أنغامُه مـن طراز الـحـال نــــــــــابعةٌ     

لكل حـادثةٍ لـحنٌ مـــــــــــــــن الأرب

جـاءتْ بـه حـاجةُ الإنسـان مُفتقــــــــراً      

إلى السلاح مُذِلاّ جـــــــــــــولةَ الكُرَب

فـي وحدة النفس حـيث العقـلُ مـــــــصطرعٌ     

أنشـودةُ الأنس فـي ظَلـمـاءِ مــــــــرتقب

خـيرُ الأنـاشـيـدِ أهدتْهـا بسـيـطتُنـــــا      

إلى السمـاء فأعـلـتْ قُدرةَ الـــــــــتُرُب

وللسلاح ظروفٌ لايفـوهُ بـهــــــــــــــا      

والشِّعـرُ أسلـحةٌ فـي السِّلــــــــم والنُّوَب

بـوقُ الإفـاقةِ مـن نـوم العقـول عـمــــىً      

ومـوقـظُ العزمِ مـن إحسـاس مُحتـــــــــرِب

آمـادُهُ النفسُ مـن ظلـمٍ ونـــــــــــائبةٍ      

حـيثُ الـدواءُ عـديـمُ النَّفع والـــــــحدب

ولا تقـومُ مقـامَ الشعـر أسلـــــــــــحةٌ      

ولا القـريضُ مقـامَ الصـــــــــارم النَّدِبِ

كلٌّ له فـي مـجـال الـذَّودِ نـاحـــــــــيةٌ      

ولا تـنـاوُبَ بـيـن الســـــــــيفِ والخطب

قـد يحـمـلُ الشعـرُ مـثلَ الســـيف إن حَمَلا      

مـا لـيس حِمْلهـمـا فـي حـــــــومة الغَلَب

 

الفرات والحضارة

تبنـي الـحضـارات حـول الـمـاء هـيكلهــا      

وتستـريض لهـا بـالـمـاء صحــــــــــراءُ

يفجِّر الـمـاء طـاقـاتِ الـحـيــــــاة إذا      

رعـاه شعبٌ دؤوب السعــــــــــــــي بنَّاء

ويُفلق الصخر مطـواعًا ويجعـــــــــــــله      

مـنـابتًا فـوقهـا للـدوح شجــــــــــراء

يُحـيل قـاحـلة الأرجـاء نـــــــــــاضرةً      

فـي كل أفْقٍ لهـا فـي العـيـــــــن أرواء

إن الـحـيـاة مـن الأمـواه مـنشؤهــــــا      

لـولا الـمـيـاه لـمـا قـد كـان أحـيــاء

فكل حـيٍّ ربـيب الـمـاء قــــــــــــاطبةً      

فحـيثـمـا قـد جـرى فـالأرض معطـــــــاء

تـمـوج فـيـهـا حـيـاةٌ مـن مظاهـرهـــــا      

إن النشـاط عـلى الأحـيـاء سـيـمــــــاء

يكـافَح الفقـرُ بـالأعـمـال مـثـمــــــرةً      

ولـيس كـالفقـر يـدنـي الـمـــــوتَ أدواء

لا يشـتكـي الفقـر شعبٌ فـي مـــــــرابعه      

يجـري الفراتُ وتُروى مـنه مَيْثــــــــــاء

إذا الطبـيعة أعطتك الـمـيـاه فقـــــــد      

أعطتك جـوهـرهـا، والجـوهـرُ الـمــــــاء

فكـم جـرى هدَرًا مــــــــــاء الفرات ولا      

مـنه ارتـوت رغم ذاك القــــــــرب غبراء

هـذا الفراتُ لقـد كـانــــــــــتْ شَواطِئُهُ      

خَضراءَ يُوغلُهـا فـي الســــــــــيرِ إرواء

وشَّتْ جَداولهُ السهلـيـنَ تَوشـــــــــــــيةً      

فـيـهـا مـن السحـــــــرِ والإجلالِ إغراء

قـد حَاكَ مـن فَيضهِ مـا حـاكَ مـــــــن حُللٍ

كأنمـا حَاكهـا للفــــــــــــــــنِّ وَشَّاء

فلا تَرى تُربةَ السهلـيــــــــــــن عَاريةً      

فقـد كَستهـا مـن الأخشــــــــــاءِ أَردَاء

شاهد أيضاً

الشاعر والأديب أحمد عبد الغفور الراوي.. لؤلؤة مكنونة

كثيرة هي الدرر المكنونة التي لم يتح لها أو لم تشأ أن تظهر على الساحة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *