عبد الجبار ناصيف .. صاحب أول مرسم في دير الزور

 

عبد الجبار ناصيف

الفنان من مواليد “دير الزور” عام 1946،
وهو خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1981
أقام أول معرض فني له في دير الزور عام 1965
شارك في أكثر المعارض الجماعية في دير الزور وخارجها
وأقام عدة معارض فردية وجماعية مع فناني دير الزور او المنطقة الشرقية وفناني سوريا بدمشق والمحافظات السورية الاخرى .
وهو عضو نقابة الفنون الجميلة
وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب
وقد نشط في الكتابة التشكيلية والنقدية في الصحافة السورية . وكتب في الصحافة المحلية المقروءة وفي النقد الفني . وعمل مدرسا للتربية الفنية والزخرفة في ثانويات دير الزور .. وشغل منصب المفتش التربوي للفنون والرسم بمديرية تربية دير الزور لسنوات طويلة ..
واقام العديد من المعارض والفعاليات الفنية التشكيلية للعديد من المهرجانات المدرسية والتربوية وكان فاعلا متفاعلا مع معارض طلابه واصدقاءه ومنها المعرض الفني للفن التشكيلي الأول بدير الزور لطالبات وطلاب مرسمه بدير الزور .. حيث حرص على تقديم الفن الذي يرتقي بالبيئة “الفراتية . عشقه الدائم .. وكان مثال للفنان البار بمدينته والذي رفض مغادرتها حتى رحيله .. عاشق لكل حياتها وناسها واشجارها والوانها وقسوة الحياة فيها . وفي لوحات “ناصيف”..التي تتسم بالبساطة بالتعبير والجمال والدهشة والتفاصيل الجميلة التي تحاكي الطبيعة الفراتية لمدينته دير الزور والانسان ..
ولمرسم “ناصيف”… اهمية كبرى كونه المرسم الوحيد الذي يحترف الفن ويؤمه الكثيرون من عشاق الفن واهله وهو المكان الذي يختصر الأمكنة .. وقد احرق مرسمه بما فيه من لوحات وكتبه ومقالاته وقتل الفنان التشكيلي عبد الجبار ناصيف اثناء محاصرت الجيش لمدينة دير الزور وقصفها بالطائرات ولليوم لايعرف عن مصيره او ملابسات موته الكثير .. الا عبر اخبار من نشطاء على الارض .. صعب التاكد من صحة اخبار غيابه او رحيله او موته . في ظل تكتك اعلامي كبير على مايحدث للمدينة هناك من احداث جسيمة تصيب المدينة والناس الذين هجروها منذ عام تقريبا ولم يبقى منها الا المدافعين عنها من ابناءها وابناء المناطق الريفية المحيطة بالمدينة . مقاومين هذه الهجمة الشرسة لجيش يتمترس في مواقع محددة لايرحم وقد احرق الاخضر واليابس وهدم الجسر المعلق اهم اثر معماري وجمالي بالمدينة . ناهيك عن تم تصفية العديد من الادباء والكتاب وهدم اغلب المجسمات الفنية والتماثيل المنصوبة بالمدينة .

************

قال الفنان “خلف عامر” في رثائه

الأحد11 /9/2011
عاشق للفرشاة حتى الثمالة ، يمزج الألوان من ألوان قوس قزح وطنه ، يخلطها بدمه ليُشكّل منها لوحة فراتية .

طغى اللون الأسود على المزّاجة ، نزفت دمعها دماً ، لرحيل من كان يدرك ويحاكي حساسية الألوان ومعرفة ما يتقارب وما يتنافر منها .

هاهي تعلن اليوم الفرشاة حدادها على عازف ماهر كيف يحملها في وجدانه لتكون أكثر بريقاً ووجاً وقرباً للنفس ، تركض الفرشاة عندما تلتقط عدسة عينه مشهداً بصرياً يدل على جمالية بيئته الفراتية بكل مفرداتها ومكوناتها ، إنها لحظة عناق ما بين خضرة وخرير ماء الفرات .

الأبيض لم يسمح للسواد أن يغطي مساحة المزّاجة كاملة ليؤطرها بالغَرَب والصفصاف والحور والتوت ، بياض عمله وروحه باقية فينا ما بقي الفرات .

اللون الأبيض هو لون روحه الحالمة العاشقة لتراب وطنه جسّد ذلك على شكل حكايا بصرية تشكيلية تحفز الذائقة البصرية لجمال التشكيل وروعته ودقته . لوحات تشكيلية ناطقة

كنت يا أبا حيان في أعمالك واقعياً ، وتسجيلياً وتجريدياً بامتياز كتبت بوحك الداخلي الدفين بالألوان لتستنطق وتحاور المشاهد لوحتك تحاوره وأنت بعيد لكن روحك هي وهج ألوانها ودفئها ليصل المشاهد إلى ما كنت تنشده .

رحل جسدك يا أبا حيان عن دنيانا وبقيت روحك الطيبة وآثارك في الألوان تبث فينا دفء جلساتك .

بعدك يا أبا حيان ستعاني الفرشاة من غربة لونية تركتها لليتم والعذاب ، من لها غيرك ….؟!

********************

وقال “هاني آصف شويخ” في ذكرى رحيله

هاني آصف الشويخ
عبد الجبار ناصيف في عامك الثاني…. ابتسامتك لا تفارقنا

هناك أسباب عديدة تجعل منك أيها الغالي حالة إنسانية فارقة لعل أهمها هي استمرارك بالتدريس حتى بعد رحيلك المادي ، ولعل أهم دروسك لنا أن الخيمياء ليست تحويل المعادن البخسة إلى ذهب، بل هي المقدرة الكبيرة لتحويل ألم وقهر الحياة إلى حالة فرح وعطاء إنساني ليس له حدود.
ها أنت حاضر مع كل الأشياء الجميلة التي نعيشها…. سواء بإحساسنا العميق في الانتماء للبيئة الفراتية، أو بتذوق أشعار النواب المغرقة بالحسية ، أو بزياراتنا المتكررة للفرات للتزود بالحياة من نهر الحياة.
ابتسامتك صارت بوابة شعورية تحيلنا لسبل إنسانية لا حصر لها فهي دعوة صريحة لأن نقدم ونقدم دون مقابل.
وهي تحفيز قوي للعيش على إيقاعات القلب، والتحرر من كل أشكال التشييئ
ابتسامتك تصلح أن تكون فاتحة للتعاطي مع هذه الحياة بحلوها ومرها.

**************

 

الفنان التشكيلي عبد الجبار ناصيف: أنا صاحب أول مرسم في دير الزور والفرات هويتي

أجرى “بشير العاني” لقاء صحفياً معه بتاريخ الأحد/1/3/2009

حين يذكر اسم الفنان التشكيلي عبد الجبار ناصيف يجد المهتمون بالثقافة عموماً أنفسهم أمام تاريخ من التجريب والدأب الفني يمتد لما يقارب الأربعة عقود أمضاها هذا الفنان بين الريشة والألوان في ما يشبه العشق الصوفي، سيما وأن مفردات لوحاته كانت من البيئة الفراتية، التي أحبها وأخلص لها، كيف لا وهو القائل بأن الفرات بأناسه ومكوناته وطباعه غير قابل للمقايضة بأي مكان في هذا العالم.

عبد الجبار ناصيف الذي كان من أوائل الديريين الذين درسوا الفن التشكيلي أكاديمياً، رغم تأخره في الانخراط بالجامعة، كان على موعد مع الفرات التي حاورته في قضايا كثيرة تتعلق بتجربته ورؤيته الفنية وذكرياته دون نسيان التعريج على اللوحة الفراتية عموما.

– حسب معلوماتي أنت من مواليد دير الزور عام 1946، وخريج كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1981 ، بالنظر إلى هذه الأرقام، هل نقول بأنك كنت طالباً كسولاً في الجامعة كي تتخرج متأخراً؟

– يجيب ضاحكاً:

لا.. لم أتأخر في الجامعة أبداً، ولكنني في البداية التحقت بدار المعلمين العامة وحصلت على أهلية التعليم الابتدائي (نظام الأربع سنوات)، ثم درّست سنتين في مدارس دير الزور كمعلم مندوب لتدريس مادة الفنون، بعدها التحقت بالخدمة الإلزامية وبقيت فيها أربع سنوات، وما أن عدت إلى دير الزور حتى تقدمت إلى الثانوية العامة، فقد كان حلم الجمعة يروادني، وقد تحقق لي ذلك، ودخلت كلية الفنون الجميلة، وكانت مدة الدراسة وقتها خمس سنوات.

عندما تخرجت كان خريجوا الفنون الجميلة في دير الزور يعدون على أصابع اليد الواحدة، وهم الفنان فواز بكدش، والفنان راسم الشيخ عطية، والفنان عبد الحي حطاب، والفنان صبحي الرحبي، الذي غادر إلى فرنسا وأقام هناك.

أما الفنانان خالد الفراتي وإسماعيل حسني (والد المخرج هيثم حقي) فكانا قد تخرجا قبل ذلك بوقت طويل وغادرا إلى إيطاليا لإكمال دراستهما في بعثة خارجية على نفقة الحكومة.

لم أتوقف أبداً في الجامعة، على العكس كنت طالباً نشيطاً ومعروفاً، وهناك مواقف كثيرة تشهد بتميزي وبمحبة أساتذتي لي وتقديرهم لموهبتي«.

– علاقتك الأولى مع الفن متى بدأت وكيف؟

كان ذلك مصادفة، في المرحلة الابتدائية، وقد اكتشفني معلم الصف (فايز النوري)، وهو نفسه أصبح فيما بعد سياسياً معروفاً وعضواً في القيادة القطرية.

كان الأستاذ فايز فناناً موهوباً، ويمتلك تقنيات جيدة بمختلف المواد، كان يدهشني، وأنا طفل، إذ كنت أراقبه وهو يرسم في الحقول والبساتين القريبة من المدرسة التي كان يأخذنا إليها في حصص الرسم، شاهدني أرسم فتأمل عملي وقال لي بالحرف الواحد: (أنت رسام موهوب فلا تهجر هذا المجال حتى لو حاول أهلك إقناعك بدراسة فرع آخر)، ثم بدأ يهتم بي، ويطلب مني في الاحتفالات القومية والوطنية الرسم على لوح كبير شخصيات سياسية معروفة في تلك الأيام كجمال عبد الناصر وجول جمال وشكري القوتلي وغيرهم.

أول الأوسمة التي تلقيتها، مكافأة على موهبتي، كانت (طيارة) على رقبتي من الفنان القدير إسماعيل حسني رحمه الله، فقد طلب ذات يوم من الطلاب رسم سجادة أو بساط المنزل، وكان هذا في الصف الأول الإعدادي، أحضرت لوحتي إلى الصف وبدأت بتلوينها، فوقف فوق رأسي يتأمل عملي، ولم أشعر إلا بكفه الثقيلة تنزل على رقبتي بقوة، فصرخت من الألم محتجاً على ضربي، فضحك ضحكة واسعة وقال لي بالحرف الواحد: أنت موهوب يا (عجي)..أحسنت أكمل عملك، والعجي لفظة تقال أحياناً للولد تحبباً أو إطراءً.

أولى ظهور فني لي كان عام 1967، في معرض مشترك، ولم يمر هذا المعرض دون طرفة، وقتها لم أكن معروفاً كفنان في المدينة، وكان المركز الثقافي يعلن عن معرض مشترك لفناني دير الزور، فتقدمت بثلاث لوحات إلى مدير المركز الثقافي آنذاك وهو المرحوم حسين غفرة، الذي وما إن شاهد لوحاتي حتى اعترض عليها وطردني من مكتبه متهماً إياي بسرقتها، ولا دليل لديه سوى أن هذه لوحات ذات مستوى فني عال جداً على فنان غير معروف ولم يسمع أحد باسمه.

حاولت إقناع مدير المركز بأن هذه اللوحات لي وأن اسمي عبد الجبار ناصيف وأني فنان جديد وأنا أتحمل مسؤولية عرضها فلم يقتنع، إلى أن دخل علينا، أثناء سجالنا، الفنان المرحوم صالح الشاهر، فسلم علي بحرارة وكنت صديقاً لشقيقه وليد وأزورهم في البيت ويعرف شغلي جيداً، فزكاني لدى مدير المركز، كما امتدحني كثيراً أمامه كموهبة شابة ينتظرها المستقبل، فقبلت لوحاتي في المعرض ونالت إحداها الجائزة الأولى«.

– مرسمك معرض دائم، وهو أصبح ذا خصوصية بين أوساط المثقفين، حدثنا عنه وعن معارضك التي أقمتها؟

معرضي الأول الشخصي وهو (فردي) كان في الحسكة وأنا طالب في دار المعلمين العامة عام 1966، وقد ضم 28 عملاً بمختلف المواد وأهمها الزيتي، تلاه معرض في طرطوس أثناء الخدمة الإلزامية، ثم المعرض المشترك الذي حدثتك عنه منذ قليل، وكذلك معرض فردي في دير الزور عام 1974، إضافة إلى معارض ومشاركات متنوعة كثيرة جداً كان آخرها أواخر عام 2008 في معرض مهرجان التراث الفراتي.

بعت كثيراً من اللوحات في سورية لأناس أعرفهم ولا أعرفهم، وكذلك تم اقتناء لوحاتي من قبل أشخاص أوروبيين من مختلف الجنسيات زاروا مرسمي واقتنوا منه العديد من الأعمال.

أما المرسم فقد شكل بالنسبة لي منعطفاً هاماً في حياتي الفنية بكل معنى الكلمة، وهو أول مرسم لفنان تشكيلي في المحافظة، هذا المرسم شكل عوالمي الخاصة وساعدني في تحقيق ما أصبو إليه فنياً، وجعلني أكتفي به وبطقوسه المليئة بالعمل والأحلام والأحاسيس والمشاريع.

منذ أواخر عام 1987 ومرسمي يستقبل العشرات من الموهوبين، بعضهم أصبح اليوم لامعاً وفناناً معروفاً وربما عضواً في اتحاد الفنانين، وخلال كل هذه السنوات، كنت أقدم لهؤلاء المتدربين خبرتي الفنية ومعارفي، بما في ذلك المواد أحياناً.

لم أتاجر بالفن، ولم أحول مرسمي إلى مشغل للوظائف الشهرية الخاصة بطلاب المدارس، كما لم أسقط في (الفن التجاري) ككتابة اللافتات أو أعمال المقاولات التي تنشط في المناسبات.

أنا سعيد بهذا المرسم وأشعر أن رسالتي الفنية تتحقق به تماماً.

– تتغنى دائما بالبيئة الفراتية، ما مدى حضورها وانعكاسها على لوحتك؟

– أولاً أعترف أنني فراتي من الوريد إلى الوريد، ولا تغريني أية هوية أخرى، البيئة الفراتية عجيبة ومدهشة، وهي مكونة من إرث حضاري وفني بالغ الروعة والتعقيد، فوادي الفرات كان، وكما هو معروف للجميع، مهد الحضارات الأولى، وأنا شخصياً أعتز بأنني أحد ورثة هذه الحضارات.

تعج لوحاتي جميعها بالطعم الفراتي، وهذا ليس حالي فقط، فكل من عاش على الفرات تأثر به وببيئته إلى حد التماهي، وهذا هو حال حتى الذين جاؤوا إلى المنطقة بشكل عابر أو مؤقت، كالفنان الكبير نذير نبعة الذي عاش سنوات في دير الزور وخرج منها وهو يردد: ذاكرتي مملوءة بالفرات.

وهنا لابد من قول شيء هام، إن تعاطي الفنان مع البيئة الفراتية بمستوياتها وتراثها وعناصرها، لا يعني نقلاً فوتوغرافياً لها، بل عليه أن يدرك أنها مادة غنية لاستثمارات حداثية من وجهة النظر الفنية، وكوني فنان حداثي، فقد قمت بمحاولات ومشاريع فنية هدفها إعادة تشكيل البيئة الفراتية حسب مفاهيم الفن الحديث.

أنطلق كفنان مع الحداثة المبنية على الفكر الفني والدراسة والموهبة قبل كل شيء، وغير المنقطعة عن التراث، فالتراث مصدر مهم لانطلاقة فنية عالمية وشاملة، وإن كانت محلية الطابع، وهذا سر نجاح الكثير من الفنون والآداب الأخرى.

– حدثنا عن تحولات التجربة الفنية لدى الفنان عبد الجبار ناصيف؟

لا يمكن لأي فنان أن يستمر على تفكير أو أسلوب أو تكتيك واحد، وقد تأتي لحظة ما، بسبب حالة مجهولة، تغير بالفنان ما تغير وتقلب أفكاره ومفاهيمه وأساليبه، أنا شخصياً مررت بمختلف التجارب واستخدمت التكتيكات الفنية المختلفة، ونوّعت كثيراً في ألواني، وذلك لأنني أعتقد أن لا قانون للفن إلا الفنان، فالفنان بإحساسه وانفعالاته وما ينعكس داخله من عوالم وحركة وحياة هو القانون الوحيد للفن، وما اللوحة إلا أحد تجليات هذا القانون 0.

– هل اللوحة الفراتية بخير؟

رغم اعتزازي بهذه المنطقة إلا أن اللوحة الفراتية ما زالت مهملة ولم تحد مكانها أبداً في تاريخ الفن، هناك فنانون رائعون لكن المجتمع الديري لا يزال متأخراً في تعاطيه مع اللوحة قياساً إلى الفنون الأخرى كالشعر مثلاً، وهذا يعود إلى أسباب كثيرة تدخل فيها الثقافة وبعض القيم والتقاليد وغياب البيئة الاجتماعية المحفزة.

– ثمة منافس لا يمكن تجاهله، وأعني التكنولوجيا التي بدأت تزاحم الفنان في الرسم والتصميم، ألا تخيفك؟

أنا شخصياً غير مؤمن بالأساليب الدخيلة، أؤمن فقط بأصابع الفنان وريشته وحواسه وطريقة تعامله مع المواد، أؤمن أيضاً بضرورة وجود علاقة خاصة بين الفنان وأدواته تشبه العشق بحيث تصبح هذه الأدوات طيعة طاعة عمياء للفنان، طاعة المحب وليس طاعة المستبد.

ثمة حقيقة يجب أن نعرفها جميعاً: بقدر ما تخلص للفن يخلص الفن لك والعكس، فالفن أكبر من الفنان، بل إن الفنان ليس سوى جزء صغير من الفن، وعظمة الفنان هي في اشتعالات قلبه وأحاسيسه، فهل يستطيع التكنولوجيا، والكمبيوتر مثلاً أن يؤدي هذا الدور، وأن يشتعل كما القلب والأصابع؟

**********

بينما قال صفوان فرزات

صفوان فرزات
الثلاثاء 6-3-2007
يتمثل المشهد الفني في اعمال الفنان عبد الجبار ناصيف بغناه البنائي اولاًَ و اللوني ثانياً و الروحاني ثالثاً ، لقد ادرك الفنان منذ البداية ان هذه النقاط و العوامل هي اساس نجاح العمل الفني وتميزه خصوصاً عندما نطلق هذا الشعار في الاعمال الفنية ذات الطابع الابداعي . عمل الفنان جاداً متحداً مع احاسيسه و عواطفه

على هذا النسيج عبر مسيرته الطويلة مؤلفاً بذلك ( سمفونية ) التشكيلية ضمن رؤية انطباعية لها خصوصيتها في الزمان و المكان ، فمعظم اعماله الابداعية خرجت وليدة احساسه العميق من رحم الفرات و ارضه الغنية بشجر الغرب و الطرفة البيوتات الطينية التي تشكل في الذاكرة عالماً بعينه و احساسيه المرهفة توزع الظل و النور المتساقط بشكل خجول على الجدران و المتغلغل سراً بين الاوراق و المنتشر كقصيدة شعرية جميلة في باحة الدار و على اجزاء من الابواب الخشبية مشاهد مؤثرة تخلق في عين المشاهد و احاسيسه حالات صوفية سرعان ما تتوحد مع الروح مما يبعث على الاحساس بأننا امام معزوفة موسيقية تشدنا بعمق الى كل جزء من اجزاء اللوحة ، اذاً نحن امام لوحات مستنبطة من رحم الاحساس لها فلسفتها و منطقها المتفاعل مع الحياة تبدأ من نقطة اللون الاولى الى نهاية توزعه في مجمل المساحة المشغولة ، اذاً نحن امام اعمال تحكمها معادلة صعبة فالتوازن عملية صعبة و معقدة تحتاج الى الكثير من الخبرة و المعرفة ، و انا لا ابالغ ابداً إذ قلت بأن الفنان عبد الجبار استطاع ان يحقق ذلك بنجاح بل و يطرح نتاجه فاتجاه و اسلوب تأثر به الكثير من فناني دير الزور فعملوا على نفس الاتجاه ألا ان انعدام القدرات الفنية الذاتية لدى بعض الفنانين حالت دون الوصول الى المستوى الفني الذي حققه الفنان ناصيف في اعماله اذاً هناك رؤية شمولية لها موضوعيتها ذات منهجية مدروسة مفعمة بالواقعية الحسية هي التي خلقت الحالة الابداعية و هذه حقيقة كثيراً ما غابت عن ذهن الفنانين الذين تعاملوا مع هذه ( الدرجة ) من طرح للواقعية فترجموها عن الواقع كما هي بل بصورة مشوهة في بعض الاحيان مما افقد اعمالهم الاهمية الفنية من جهة و التراجع عما هو مقبول من جهة اخرى الى درجة الجمود الفكري تماماً فلا حياة في واقعيتهم و لا حتى مجرد ملامسة للاحساس الفني بالشيء ، طبعاً انا لست بصدد الدراسة و المقارنة بين اعمال الفنانين على الاطلاق لان هذا يتطلب بحثاً خاصاً ووقتاً طويلاً ، و لكن كان لابد من الاشارة الى ذلك اذ ان الموضوع قد فرض مثل هذه ( الاشارة ) بحكم الموضوعية فأنا عندما اتحدث عن اعمال الفنان ناصيف لا اتحدث فقط بلغة التحليل لاعماله بل اتحدث عن مرحلة من مراحل مسيرة الفن التشكيلي الذي هو احد اعمدته و لا شك منذ مطلع الستينات من القرن الماضي لكون هذه المسألة تندرج اساساً ضمن سياق و مفهوم الزمن و التاريخ لهذه الحركة ، لذا وجدت نفسي مندفعاً للكتابة عن الفنان من جهة و التنويه عن المرحلة التي بدأ فيها متفاعلاً مع المساحات البيضاء التي كان و ما يزال بشكل متواصل و جاد يفرض سحر ألوانه عليها بشكل دافئ ملتحم بشكل نسيجي مع رؤيته و فلسفته للحياة بكل ما تعطيه الطبيعة من احساس و انسجام مع الروح و الحواس و كذلك مع ( المنطق ) و الشعور العميق بأهمية العمل الفني ( كحالة وجدانية ضرورية للحياة ) و علاقة راسخة تعيش في داخلنا كما لها علاقاتها في الانبعاث الروحي و تحفيز الذاكرة و التغلغل بعمق في مساحات الشعور اذاً هي اعمال رسمت خطوطها الواضحة و الصريحة في ذاكرة الاجيال و كذلك في تاريخ الحركة التشكيلية و مسيرتها في دير الزور لما صاغته و قدمته من جمالية البناء و سحر اللون …

شاهد أيضاً

جمعة سليمان.. صياد الفرات الأعزل

      من الصعب أن تتحدث عن فن التصوير الضوئي دون أن تقف عند …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *