جمعة سليمان.. صياد الفرات الأعزل

 

 

 

من الصعب أن تتحدث عن فن التصوير الضوئي دون أن تقف عند قدرة عالية للفنان الضوئي في الإحساس بالمكان الذي يصوره، فكيف إذا كان الفنان صياداً “فراتياً” خبيراً بطبيعة “الفرات” وتراثه؟!

 

الفنان “جمعة سليمان” حدثنا عن تجربته الفنية، حيث بدأ بالقول: «في سنة 1965 ذهبنا مع والدي لمشاهدة فيضان نهر الفرات في نيسان من ذاك العام وكنت حينها ابن سبع سنوات، وكان منسوب الماء مرتفعاً جداً حتى إنه وصل إلى ممر المشاة في الجسر المعلق، حينها وبينما كنا نتأمل عظمة هذا الفيضان الكبير، أخذ والدي يقص لنا كيف كان من المساهمين في بناء أساسات هذا الجسر أثناء بنائه في العشرينيات من القرن الماضي، وهي من الحجارة السوداء من منطقة “حلبية” التي تحضر بواسطة “الطُوف”- وهو وسلية من وسائل النقل كانت مستخدمة في وادي الفرات في الملاحة النهرية لحمل البضائع، وما يحتاجه الناس بشكل عام-، وقد شكلت هذه الزيارة الخاصة للنهر بداية تكوين ذاكرتي البصرية.

 

تكررت بعدها زياراتي للفرات سواء مع الوالد أو بمعزل عنه، وكان هذا النهر وما ينتابه من تبدلات على مدار العام هو قبلة أنظار “الديريين” الذين كانت تربطهم مع النهر علاقة عضوية، إذ كنا نحس ونحن نجلس تحت ظلال أشجار “توته” و”غربه” -الغَرَب: أو الحور الفراتي هو من الأشجار التي تعيش على ضفاف الفرات-، وكأننا في حضن هذا النهر».

 

ولم يكتف “السليمان” بالمتابعة الحسية للطبيعة الفراتية، إنما حاول إبقاء بعض اللقطات الخاصة كشاهد على روعة المكان لذا سارع إلى اقتناء كاميرا تصوير ضوئي في سن مبكرة، إذ يخبرنا حول ذلك بالقول: «نظراً لسحر الطبيعة الفراتية وما فيها من مشاهدات غاية بالجمال، تولدت لدي الرغبة إلى اقتناء كاميرا لتصوير المميز من اللقطات، وكانت أول كاميرا اقتنيها في حياتي من نوع “ديانا” عام 1970، وهي كاميرا بسيطة بإمكاناتها الفنية.

 

بقيت هذه الكاميرا لدي حتى بداية الثمانينيات حيث اقتنيت كاميرا أخرى ملونة، كما بدأت هذه الهواية تتبلور لدي بشكل فعلي، إذ كان لأصدقائي من الفنانين دور في تطوير ثقافتي البصرية، وأخص بالذكر الفنان التشكيلي “أسعد فرزات” حيث كنا نذهب بجولات للرسم في المنطقة التي تعرف حالياً “بالمنتزه” المجاور للجسر المعلق وكانت المنطقة حينها عبارة عن طبيعة بكر لم تعبث بها يد الإنسان، حيث نبدأ بمراقبة المناظر الطبيعية سوية فيرسم هو ما يرسم والتقط ما أحسه مميز، نوعي من الصور».

 

ثم جاءت المرحلة الجامعية لتشكل بدورها نقطة انعطاف جديدة داعمة لثقافة “السليمان” البصرية، وذلك لوجود كلية الفنون الجميلة في جامعة “دمشق” والتي تشكل نقطة استقطاب لكل محبي الفن، إذ يتذكر الفنان هذه المرحلة قائلاً: «عندما كنت ادرس في قسم الجغرافية في جامعة دمشق تواصلت مع أصدقائي في كلية الفنون الجميلة، حيث استفدت من الحوار المتواصل مع عدد كبير من الفنانين من كل سورية سواء في الجلسات الخاصة أو أثناء تنفيذ الأنشطة والمعارض سواء بالكلية أو بصالة “الرواق”، وتعرفت على مصورين على مستوى سورية مثل الفنان الضوئي المعروف “هيثم الكواكبي” وغيره من الفنانين».

 

كما كان لحب “السليمان” للسفر والرحلات دور كبير في اصطياده لصور مميزة ونادرة، إذ أكد لنا هذه الفكرة من خلال حديثه: «أحب السفر والتجوال، إذ إنني قد زرت كل المحافظات السورية، وغني عن التعريف ما تتميز به الطبيعة من غنى وجمال في قطرنا، لذا عمدت على توثيق كل ما هو نادر وجميل من خلال كم هائل من الصور يصل الآن لعدة آلاف».

 

ومن أصدقاء الفنان التقينا بالفنان التشكيلي “صفوان فرزات” والذي جمعته مع “جمعة سليمان” صداقة تمتد من مرحلة الطفولة، لذا فهو عايش تجربته الفنية بكل مراحلها، فتفضل قائلاً: «”جمعة سليمان” صديق عزيز تربطني علاقة حميمية معه منذ الصبا، وما شدني إليه فنياً وجعلني أواظب على تشجيعه هو وجود مساحة فنية لديه تستحق أن ترى النور، إضافة لتمتعه بمرونة الحوار مما ساعده أن يتطور سواء كإنسان أو كفنان.

 

كما أنه صديق لكل إخوتي وليس لي فقط إذ نعتبره أحد أفراد العائلة، ولعب قربه منا كأسرة خرجت العديد من الفنانين المعروفين “كعلي” و”اسعد” و”فريز” و”عدنان فرزات” دور مهم في تطوير تجربته الفنية بشكل عام».

 

كتبها : هاني آصف الشويخ آذار 2012 

شاهد أيضاً

الديريون و ((هذاك المرض)) .. قصة كره أزلية

#هذاك_المرض بقلم: أحمد العطرة بين الديريين ومرض السرطان قصة كراهية غير طبيعية لدرجة أنهم ألغوا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *