حضارة الأكّاديين والبابليين والحوتيين.. في الجزيرة السورية

رابعاً- حضارة الأكَّـادييِّن:

إنَّ كلمة أكَّاد يُقصد بها السَّاميُّون شعوب بابل وأشور، وهم من أقدم الأقوام السَّاميَّة الَّتي استقرَّت في دلتا الرَّافدين (2350-2159 ق. م.) بمدينة أكد شمال بلاد بابل على الجانب الأيسر من نهر الفرات، عاشوا منذ أقدم العهود مع السَّومرييِّن، وآلت إليــهم السُّلطــة في (2350 ق. م) بقيادة زعيمهم سرجون الأوَّل، والَّذي أسس مملكة أكَّاد بعد أنْ استطاعَ أنْ يفرض سيادته على جميع مدن العراق، وكان يطلق عليه (شروكين) أي الملك الصَّادق. ( ويُقال إنِّ أمَّه كانت من نساء المعبد ولماَّ ولدته وضعته في سلَّة وألقت به في مياه الفرات وعَثَرَ عليه بستانيٌّ وربَّاه. استهوت الطِّفل الآلهة عشتار فشملته بعطفها وحبِّها) ثمَّ بسط نفوذه على بلاد بابل وشمال بلاد ما بين النَّهرين وعيلام وسوريا وفلسطين والأناضول وامتدَّ إلى الخليج العربي، حتَّى دانت له كلُّ المنطقة.

وحـلَّت اللُّـغة الأكَّـاديَّة والَّتي كان يتحدَّث بها البابليُّـــون والآشــــوريُّون محل السُّومريَّة. وظلَّ حكم الأكَّادييِّن حتَّى أســـقطه الحوتيون عام 2218 ق.م  [1]

الإمبراطورية الأكَّاديَّة في زمن سرجون الأكَّادي

خامساً- حضارةُ الحوتيِّين:

وهم قبائل من التِّلال الشَّرقيَّة دخلوا من جبال زاغروس إلى المنطقة ودمَّروا أكَّاد عن بكرة أبيها، ونصف ملوكهم في الحقبة الأخيرة أخذوا أسماء عربيَّة أكَّاديَّة وذابوا ذوباناً كاملاً في المجتمع العربي الأكَّاديِّ، واستمرَّ حكمهم لخمسين عاماً، بدءاً من عام 2218 ق.م، وظهر بعدهم العهد الثَّالث لمدينة أور (السُّومريُّون) وحكم معظم بــــلاد ما بين النَّهرين، ثمَّ جاء العيـلاميُّون ودمَّروا أور عام 2000 ق.م، وسيــطروا على معظم المـــدن القـديمة ولم يطوروا شيئاً حتَّى جاء البابليُّون.

سادساً- حضارةُ البابليِّين:

البابليُّون هم السُّكَّان الَّذين سكنوا بلاد ما بين النَّهرين الجنوبيَّة، وبابل بالأكَّاديَّة تعني (بوابة الإله) والبابليُّون من الشُّعوب السَّاميَّة الأُصلاء في المشرق العربي والَّتي توزَّعت بين الجزيرة العربيَّة وبلاد ما بين النَّهرين وسوريَّة.

يبدأ تاريخهم ببداية الألف الثَّاني ق.م وهو تاريخ ظهور مدينة بابل، ويستمرُّ حتَّى سقوط المدينة بيد الفرس الأخمينيين في عام 539ق.م.

قامت الحضارة البابلية الأولى بعد طرد الغزاة (الحوتيُّون البرابرة) القادمون من القوقاز. بعد أن خرَّبوا كلَّ معالم الحضارة الأكَّاديَّة. وكان عصرهم عصراً أسوداً سجَّله تاريخ وادي الرَّافدين. وكان أشهر ملوكهم “حمورابي “الَّذي وصل إلى الحكم واستمرَّ فيه خلال الأعوام (1792-1750ق.م) وهو الملك السَّادس من ملوك الدَّولة البابليَّة، وكانت شريعة حمورابي وقوانينه هي المعلم الظَّاهر للبابلييِّن، إضافة للملك “نبوخذ نصر” والَّذي يُعتبر أعظم ملوك بابل وكان حكمه بين عامي (605 ـ 562 قبل الميلاد)، قضاها في تحويل بابل إلى أعظم المدن التَّاريخيَّة، ومن أعظم إنجازاته حدائق بابل المعلَّقة إحدى عجائب العالم القديم السَّبعة.

ولغة البابليين هي من اللُّغات (السَّاميَّة)، كما اصطلح المستشرقون على تسمية لغات شـعوب منـطقة جنـوب غــربي آسيا (العــرب والآراميُّون والكنعانيُّون والأكَّاديُّون). واللُّغة البابليَّة ومعها اللُّغة الآشوريَّة فرعان من اللُّغة الأكَّديَّة الَّتي سادت في بلاد ما بين النَّهرين قبل ظهور المملكة البابليَّة القديمة والمملكة الآشوريَّة القديمة، إلى أن حلَّت محلَّها اللُّغة الآراميَّة الشَّقيقة. أمَّا كتابتها فكانت بالخطِّ المسماريِّ المقطعيِّ الَّذي طوَّرته ليخدم أغراضها المختلفة.

ويقول الدُّكتور أحمد داوود:( أثبتت التَّحقيقات اللُّغوية للمحفوظات الأثريَّة المكتشفة أنَّ السُّوريَّة أو ’’السِّريانيَّة’’ هي لغة جميع سُكَّان الرُّقعة الَّتي شملتها دولة ’’ شاروكينو ’’ الأكَّاديّ منذ الألف الرَّابع قبل الميلاد والَّتي كانت تضمُّ الرُّقعة الممتدَّة من البحر الأعلى ’’ البحر الأسود’’ إلى البحر الأسفل ’’ بحر العرب ’’ومن وادي السِّند شرقاً إلى جزيرة قبرص واليونان وكريت غرباً، وإنَّ مادعي بالأكَّاديَّة والبابليَّة والآشوريَّة ليست إلَّا تسميات من قبل المؤرِّخين المحدثين أنفسهم تبعاً لانتقال عاصمة الدَّولة من ’’ أكَّادا ’ إلى ’’ بابل’’ إلى’’ آشور’’) [2].

ويقول الطَّبري واليعقوبي ” إنَّ السِّريانيَّة لغة قبل الطَّوفان وإنَّ لسان آدم وأبناء نوح هي السِّريانيَّة  [3]    وجاء عن ابن العبري (ومن أئمتنا باسيليوس وافريم يزعمان إنَّ من آدم… كانت لغة النَّاس واحدة وهي السِّريانيَّة، وبها كلَّم الله آدم.

وتنقســم إلى ثـلاث لغــات، أفصحها الآراميَّة، وهي لـــغة أهل الرَّها وحرَّان والشَّام الخارجية، وبعدها الفلسطينية، وهي لغة أهل دمشق وجبل لبنان وباقي الشَّام الدَّاخليَّة، واسموها الكلدانيَّة النَّبطيَّة، وهي لغة أهل جبال أثور وسواد العراق…….

يقول يعقوب الرَّهاوي: إنَّ اللُّغة لم تزل عبريَّة إلى أن تبلبلت الألسن ببابل)[4].

وبلغت الحضارة البابليَّة من الشهرة في التَّاريخ ما جعلها تغدو عنواناً للحضارة الشَّرقيَّة القديمة، وممثلة لأرقى حضارات جنوب غربي آسيا. وتوالى بعد حمورابي عدد من الملوك الَّذين لم يكن لهم صيت ذائع أو أثر بارز في تاريخ المملكة حتَّى سقطت على يد الحثيين، والَّذين انسحبوا منها وجاء بعدهم الكاشيُّون وأستمرَّ الكاشيُّون في حكم البابليِّين نحو خمسة قرون، فعاصروا الآشوريِّين، حكَّام الشِّمال الرَّافدي، وفرضوا نفوذهم عليهم ردحاً من الزَّمن. كما عاصر الحثيُّون والحوريُّون -الميتانيين، والدَّولة المصريَّة الحديثة، وكانت الدَّولة البابليَّة الحديثة آخر دول بلاد ما بين النَّهرين الوطنيَّة في تاريخ المشرق العــربي القــديم، وكان عصرها ما بين أعوام (626-539ق.م) من أزهى عصورها السِّياسيَّة والحضاريَّة. وإنْ انتهى أثر بابل في التَّاريخ القديم في عام 539ق.م، وانتهى دور آشور في عام 612ق.م، وإنَّ زوال أثرهما السِّياسيِّ لم يستتبعه زوال تأثيرهما الحضاريِّ في الشَّرق والغرب معاً.

وتقع آثار بابل حالياً على مقربة من مدينة الحِلَّة في وسط العراق.

[1]- “موسوعة حضارة العالم “.

[2]- تاريخ ســورية الحضاري القــديم / ص 2 26 .

[3]- “مجلة آرام العدد الخامس. عام 1993م” .

[4]- مختصر الدُّول ص11.

 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *