الجَزِيرةُ السُّوريَّه فِي العُصُورِ القَدِيمَةِ

البَابُ الثَّانِي

الجَزِيرةُ السُّوريَّه فِي العُصُورِ القَدِيمَةِ

تَمْهِيدٌ

إذا أردنا أنْ ندرسَ جغرافية وبيئة منطقة ما من الأرض فيجب علينا أنْ نعرف ذلك الإنسان الَّذي سكن هذه المنطقة، لأنَّ البيئة والإنسان مرتبطان ببعضهما ارتباطاً وثيقاً، أمَّا التَّاريخ فهو نتيجةٌ لتفاعل جهود الإنسان ومؤثرات البيئة.

وماخلَّفه الإنسان في الزمان والمكان من آثار فهي تقصُّ لنا تاريخ الأمم والشُّعوب الَّتي سكنت في مناطق الأرض، وكانت تلك الآثار هي بمثابة علامـــــــات تُعرِفُنا على ما تركــــــــــــوه أو خلَّفــــــــــوه من حياتهم وسبل معيشتهم وتاريخهم. وهذا الأمر ينطبق على الإنسان البدائي في بداية البشرية الَّذي ترك لنا أدواته وآلاته الحجريَّة الَّتي مازالت آثارها بيننا حتَّى اليوم، كما ينطبق على الأقوام الَّتي جاءت بعده.

فالأرض كانت مشاعاً ليس لها تقسيمات ولا تسميات، وبوجود الإنسان على هذه الأرض وتكاثُره أصبحت هناك الشُّعوب والقبائل، وبمرور الزَّمن أصبحت هناك التَّقسيمات للأرض وأطلقت التَّسميات عليها، واعتمد ذلك على لغة المخاطبة في البدء، ثمَّ تطوَّر الأمر إلى تاريخ اكتشاف الكتابة. ومن خلال تلك المكتشفات استطاع علماء الآثار والتَّاريخ من تحديد تاريخ الأمم منذ ما قبل العصر الكتابيِّ  بشكل استنباطيِّ معتمدين على الرُّسوم والنُّقوش والتَّماثيل، أما منذ عام 3200 قبل الميلاد تقريباً وهو تاريخ معرفة الكتابة وظهورها لدى أقوام السُّومريين والأكَّادييِّن (وفقاً لرأي الدُّكتور نائل حنون)[1] والَّتي أصبحت هي المفتاح للاتصال بالأقوام الثَّانية ونقل العلوم والمعارف إليها. فتاريخ مصر يبدأ من عام ثلاثة آلاف قبل الميلاد، وتاريخ اليونان عام ثمانمائة قبل الميلاد.

وقُسِم التَّاريخ إلى تاريخ قديم وتاريخ حديث.  والتَّاريخ القديم يبدأ بالأمم القديمة من السُّومريين أو الأكَّادييِّن والمصريين والكلدانيين، وينتهي بالقرن الخامس عشر بعد الميلاد يوم تاريخ سقوط مملكة روما. أمَّا التَّاريخ الحديث فيبدأ بأواخر القرن الخامس عشر ميلادي تاريخ اكتشاف أمريكا والهند واختراع الطباعة.

أمَّا المناطق الَّتي نحن بصدد دراستها والَّتي هي “الجزيرة السُّورية “فهي مرتبطةٌ جغرافياً بمناطق أخرى منذ القديم وشكَّلت معها كياناً واحداً في فترة ما من الزمن سمِّيت “بلاد ما بين النَّهرين” أو الرَّافدين(دجلةوالفرات) أو ميزوبوتامبا، وتشكَّلت في هذا الموقع الجغرافي حضاراتٌ متعدِّدةٌ سادت ثمَّ بادت.

كما إنَّ هذه الرُّقعة من الأرض ارتبطت بالسُّوريين (أصل الحضارات مثلما سمَّاها كثيرٌ من العلماء) وهي جزء من الأرض السُّوريَّة.  وليس من السَّهل الإحاطة بتاريخ منطقة الجزيرة دون أنْ نبحثَ بتاريخ المنطقة ككلٍّ للارتباط العضوي والجغرافي بينهما. وصنَّف الباحثون دراسة هذه المناطق من الدِّراسات المعقَّدة بالرغم من الاكتشافات الأثريَّة الكبيرة في النِّصف الثَّاني من القرن العشرين وذلك لوجود التَّداخل والاختلاف الكبير بين آراء الكُتَّاب والباحثين ولاسيَّما المستشرقين في منشأ وأصل حضارة وسكَّان تلك المناطق، وكُلٌّ ينطلق مما يحمله من خلفيات.

قال الدُّكتور سامي الدَّهان عضو المجمع العلمي العربي بدمشق (لقد حار المؤرِّخُون والعلماء في رسم الحضارة الأولى والحمى الأولى، ولكنْ اتَّفق أكثرُهم على أنَّها بين الرَّافدين، وعلى أنَّها أزهى ما عرف الإنسان خلقاً وابتكاراً. وما بين النَّهرين نُسجت الثَّقافة الإنسانيَّة الأولى بعيونها وأناملها، والمؤرِّخُون تواقون إلى أن يروا ما تحمل من خير للإنسانيَّة، وهذا الشَّوق بين “الأرض والمؤرِّخُون” دفعَ الغربيين إلى هذه الرُّبوع المشرقة بين الرَّافدين، فأقبلوا إليها من كلِّ حدب وصوب ينبشون الأرض ويستلهمون أسرارها، ويرجعون إلى قومهم بما اكتشفوا)[2].

كما قال الدُّكتور أحمد داوود (عبر تلك الأحقاب المديدة الموغلة نشأت في أرض الجزيرة حضاراتٌ، وقامت دولٌ دلَّت على هذه، تلك الآثار المكتشفة في تل حلف، والفخيربَّة، وتل براك، وشاغر بازار، والكثير من المكتشفات. في هذه الأرض القديمة التقت حضاراتُ بين النَّهرين بحضارة البحر المتوسط، وفي هذه البقعة التَّاريخية صالت جيوش سور وأكاد وبابل، وثمَّ صارت بعد ذلك المعترك الَّذي وقف فيه الشَّرق والغرب قروناً طويلة وجهاً لوجه، أيَّام الفرس والرومان)[3].

وجاءت الدِّراسات الَّتي قام بها بيير روسي والَّذي تحدَّث فيها عن نظريَّةٍ هامَّةٍ والَّتي تقول:

] إنَّ جميعَ الحضاراتِ الإنسانيَّةِ بناتُ الحضارةِ العربيَّةِ قبلَ الإسلامِ وبعدَهُ[ [4]  

         _            _              _

 

 

[1]-  حقيقة السُّومريِّين (ملخص عنه في مجلة المدى الثقافي العدد 1265لعام 2008)

 

[2]- تاريخ الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر” لإسكندر داوود./ مقدمة ب

[3]- تاريخ الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر./توطئة المؤلف

[4]- التاريخ الحقيقي للعرب ص258 ترجمة فريد جحا.

 

 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *