دلّة مزعل

للقهوة تاريخ وثيق الصلة بسلوكنا اليومي وحياتنا الاجتماعية ولها رمزيتها الخاصة والشعبية عند العرب ودلالتها على الكرم والشهامة والأصالة رغم ربطها قديما ببعض الأساطير والقصص الطريفة والخاطئة.

وارتبط اكتشاف القهوة وانتشارها في العالم العربي بصناعة الدلة الشهيرة باختلاف أشكالها ومسمياتها حسب كل بلد، وهي أداة رئيسية في إعداد القهوة وصبها وباتت جزءا أساسيا في تراثنا وحياتنا اليومية جيلا بعد جيل.

وقال باحثون في التراث إن القهوة كانت تعد بأوانٍ من الفخار إلى أن توصلوا إلى صنع “دلال” القهوة من النحاس واختلف في تفسير معاني كلمة “دلة” فهناك من يقول إن مصدرها من التغنج والدلال، لكن أقرب تفسير لمعنى كلمة دلة هو أنها جاءت من الدلو إذ كان أهل الشام يطلقون على دلو الماء لفظ (الدلوة).

وذكروا أن أول من قام بصنع (دلة) القهوة هم أهل الشام في سوريا ومنها انتشرت صناعة الدلال إلى العراق وبقية الدول العربية حتى أصبح وجود الدلة وشرب القهوة من عادات العرب ومن تقاليد إكرام الضيف لا سيما في الجزيرة العربية.

وعن تاريخ الدلة بمدينة دير الزور فقد تميز في صناعتها مزعل النحاس والذي لمع اسمه في عالم المهن والحرف اليدوية حيث مارس مهنة صناعة الدلال في دير الزور ويقال بأنه كان صائغ ذهب بالأصل وأخذ إنتاجه شكلاً مستقلاً ومختلفاً، تميز عن الدلال المعروفة، حيث أنه يقوم بقص قطعة واحدة من النحاس ويعمل على طرقها بحرفية عالية، إلى أن تلفَّ شيئا فشيئا وتأخذ شكل الدلة المعروف دون أي عملية لحام.

وتعتبر “دلة مزعل” من أندر وأغلى دلال القهوة العربية وعلى دلته نقش على شكل ختم مكتوب عليها ( عمل مزعل ) وقد تابع أبناءه الصنعة من بعده لكن التلميذ لم يتفوق على الأستاذ؛ لعدة أسباب منها عدم تركيزهم عليها بشكل أساسي في أن تكون مصدر رزق لهم حيث كانوا يمارسون أعمالا أخرى.

ويعتمد في تصنيع الدلال على النحاس الأحمر حصرا، وهو من أجود أنواع النحاس ويمنحنا في ذات الوقت مرونة في العمل، حيث تخضع عملية جمع الدلة عادة إلى نحو/40/عملية جمع يليها عملية تجمير في كل مرة، حتى نصل إلى مرحلة خصر الدلة، ثم تأتي عملية “الدعبلة” أو اللف والسحق ثم الجلي بمواد خاصة للتخلص من الشوائب، لتبدأ بعدها عملية تطريق الدلة، وصناعة وتركيب الغطاء العلوي للدلة، والذي يتألف من قطعتين (الصحن والغطاء الفوقي).

ويتفاخر الديريون أو العرب بشكل عام باقتناء الدلال الأصلية ولاسيما “دلال مزعل” وتباع اليوم بأثمان باهظة، ولكنْ وبعد انطلاق الثورة في سوريا تعرّضت معظم المنازل للسرقة والتعفيش، ما جعل معظم مقتني هذه النوادر من التحف اليدوية يفقدونها.

شاهد أيضاً

عجائب الديريات في بيت المونة

كانت “المونة” فيما مضى ركن أساسي في البيت الديري حيث يخصص غرفة كاملة للمونة تسمى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *