حي العرضي.. النشأة والتطور والمآل

يفتخر أهله بالدور الذي لعبه ويلعبه حيهم في الحركة الاقتصادية في المدينة، إنه حي “العرضي” الذي يعود تاريخ نشوئه إلى نهايات القرن الثامن عشر.

 

عن بدايات نشوء هذا الحي قال الأستاذ “غسان رمضان”: «هذا الحي من أحياء “دير الزور” المميزة- إن لم يكن أميزها- ويرجع تاريخ نشوئه إلى نهايات القرن الثامن عشر وتحديداً إلى عام 1870 حين عين الوالي “عمر باشا أبو منقور” والياً على “دير الزور” وقد قام هذا الوالي بالعديد من المحاولات لتحديث المدينة لكي تكون لائقة بمكانتها الجديدة كمركز للمتصرفية التابعة للباب العالي مباشرةً، وكان هدفه تحويل مدينة “دير الزور” إلى مدينة من المدن الراقية والجميلة آنذاك، وأتى بمهندسٍ ماهر بغية تحقيق هذه الغاية فعمل على وضع مخطط للمدينة، ومن جهته أعطى الوالي “عمر باشا” الأراضي مجاناً لمن يريد بناء منزل خارج أسوار المدينة إذ كان تجمع أهالي “دير الزور” ما يزال وقتها ضمن ماسمي “بالدير العتيق”، وكانت المنازل صغيرة فكانت هذه الفرصة مثالية للتوسع فتخطى أبناء “الدير” أسوار مدينتهم إلى أماكن جديدة تحيط “بالدير”، وهنا بدأ إنشاء حي “العرضي” الذي سمي أول إنشائه حي “علي بيك الكبير” نسبة إلى أحد البيكوات الذين سكنوا “الدير” ومنحوا هذا اللقب».

وحول وصف المنازل أول نشأتها وحتى وقت قريب أضاف بالقول:

 

«كانت المنازل في حي “العرضي” نموذجا لما سمي البيت “الديري العتيق”، إذ إنه يتألف بعد تجاوز باب البيت من صالة مغلقة تتوزع على جانبيها الغرف بشكل متوازٍ ويختلف عدد الغرف تبعاً للوضع المادي لصاحب البيت ثم تغلق الصالة بجدار يتوسطه باب، حين نجد “حوش” أو “أرض ديار” يتوسط “الحوش” حديقة صغيرة مزروعة ببعض الأشجار، وفي الأغلب أكثر من بنى في هذا الحي توسع في البناء وكان أمام كل بيت مساحة محاطة بالجدران تسمى “الحوش” أما واجهة البيت فقد استخدم فيها الحجر الكلسي المنحوت وبه نوافذ تطل على الشارع، وعموماً معظم المنازل في الحي كانت متشابهة من الداخل والخارج، أما شوارع الحي فقد كانت واسعة ومعبدة بالإسفلت وفيها أرصفة».

وعن آثار تلك الحركة العمرانية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي أحدثتها في المدينة تابع قائلاً: «كان من البديهي أن إنشاء حي من هذا النوع والنشاط العمراني الذي صاحبه أن يترك آثاراً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، فعلى المستوى الأول غادر الكثير من أهل “الدير” “ديرهم العتيق” وبدؤوا بالإحساس بالأمان والحماية رغم عدم وجود أسوار تحميهم، أما على المستوى الاقتصادي فقد تم بناء العديد من المنشآت في حي “العرضي” ما أثر في الحالة الاقتصادية في “دير الزور”، فقد بنى الوالي حماماً عربياً وفرناً وتم إنشاء عرصة الحبوب والعديد من الأسواق و”الخانات” التي لعبت دوراً كبيراً في تنشيط التجارة ومنها “خان الجلبي” و”خان بره جيك”، هذا عدا استقدام العديد من أرباب الصنائع من بنائين ونحاتين للصخر ونجارين وخياطين للثياب الإفرنجية وصاغة الفضة والذهب، وغير ذلك من الصناعات والمهن التي أضافت الكثير للحي وللمدينة عموماً».

وحول التطور العمراني في الحي في السنوات الماضية قال ابن المنطقة المهندس “معاذ جعفر”: «حال هذا الحي هو حال كل أحياء “دير الزور” الأخرى من هذه الناحية فإن عجلة التغير لا بد وأن تسير، ورغم أن نسبة كبيرة من المنازل ماتزال تحتفظ بالطراز المعماري القديم، إلا أننا نشاهد تغيراً كبيراً في النظام المعماري في المدينة وخاصةً فيما يتعلق بالأبراج السكنية في واجهته الشمالية لاستغلال أكبر مساحة ممكنة على نهر الفرات وإن كان بشكل افقي».

وحول أهم العائلات التي سكنت هذا الحي قال السيد “سعد الخضر” من أبناء حي “العرضي”: «يتميز هذا الحي بأن النسيج الاجتماعي فيه لم يتغير كثيراً بفعل حركة التغير التي شملت المدينة إذ مايزال معظم أهله يقطنونه، ومن أبرز العائلات التي سكنت الحي “آل ملا حويش”، “آل فتحي”، “آل فرحان الفياض”، “آل سليم” والذين كان لنسائهم دور كبير في تعليم فتيات المحافظة إذ إن الأسرة عموماً كانت تركز على العلم والثقافة».

 

ومن الجدير بالذكر أن لهذا الحي موقعاً مميزاً في المدينة إذ إنه يقع وفق ما حدد الأستاذ “حسين الطه” صاحب مشتل زراعي في الحي: «يقع حي “العرضي” في الجزء الشمالي الشرقي لمركز المدينة، على شكل مربع تقريبا وفق ما خطط له من البداية ويبدأ الحي من الساحة العامة وصولا إلى مقهى “الجندول”، ومن جسر “الكنامات” حتى جامع “السرايا”، ومن الشمال يحده نهر “الفرات” الذي يعتز أهالي الحي بقربه منهم، ومن الجنوب الشارع العام، أما شرقا فحي “الكنامات”، وغربا وسط المدينة».

أما اليوم فأجهشت إحدى النساء التي زارت الحي لترى بيتها قائلة:

جيت لدارهن لنّا اللواوين

ومقفلة ياحسرتي مابها غير النساوين

قلت يادار وين اهلج غدوا

قالت متل التتن بالغلاوين

جيت لدارهن لن الحطب مرجود

قلت يادار وين اهل الكرم والجود

قالت شيلوا وربك الموجود

جيت لدارهن لن الحطب باني

قلت وين لكانوا علينا شفاق وحناني

قالت رحلوا من قبل الأزمان

جيت لدارهن بعد ما رحلوا

شبهتنا دارهم ليلٍ بلا قمر

قلت يادار وين هلچ غدوا

لابل شوقي منهم واشبع نظري

جيت لدارهم لنّ الخشب بالي

سألت الدار وين الصاحب الغالي

ردت عليّ بعالي صوت موالي

قالت خذاهم الموت ماخلالهم تالي

 

بقلم لمياء سليمان لموقع إي سيريا 

شاهد أيضاً

“قهاوي” الدير.. لكل قهوة روّادها واختصاصها

تنتشر في “دير الزور” عدد من المقاهي الشعبية أخذت أسماء كثيرة مثل “الجرداق” و”غبيني” و”الحمام” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *