مدينة دير الزور ما قبل العهد العثماني ، وما وجد من أنقاض تحت الدير العتيق

بقلم عبد العزيز الأحمد بك

 

● تحدث الكثير من المؤرخين و الرحالة و الجغرافيين القدماء و المستكشفين و المنقبين الأثريين ، بأن مدينة دير الزور موجودة منذ عصور طويلة ممتدة لقرون ضاربة عبر الزمن..

○ و بالحديث عن المدينة ما قبل دخول العثمانيين إلى بلاد الشام عام ١٥١٦ م ، فيذكر الرحالة الإيطالي كاسبارو بالبي في رحلته لمنطقة الفرات عام ١٥٧٩ م ، أن الدير كانت مدينة عامرة و موجودة ما قبل الدخول العثماني إليها و كانت تدعى باسم {{ مدينة ميناء السلسلة }} ..

○ و يذكر المدينة ياقوت الحموي في كتابه [[ معجم البلدان ]] الذي انتهى من تأليفه عام ١٢٢٤ م ، بأن دير الرمان مدينة كبيرة ذات أسواق و هي محط لطريق القوافل ما بين العراق و الشام و تقع ما بين الرقة و الخابور

○ و يذكر الجغرافي و المؤرخ الشهير – ملك حماة أبو الفداء – المتوفى عام ١٣٣١ م ، في كتابه [[ المختصر في أخبار البشر ]] ، و الشهير بكتاب تاريخ أبو الفداء ، أن البساتين غرقت من حول مدينة الرحبة ووصل نهر الفرات اليها بعد انكسار سد (( دير بصير )) شمال الرحبة ، و ذِكر الدير هنا أرجعه إلى عام ٧٢٩ م ، حيث كان اسم دير الزور وقتها دير بصير..

○ و يذكر عبد القادر عياش في كتابه حضارة وادي الفرات أن الدير كانت تدعى في العهد الأموي باسم دير الحتليف ، ويذكر عباس طبال في دراسته أن الدير كانت تدعى بنفس الحقبة باسم الديريين مستشهداً بأبيات شعرية تعود للشاعر جرير ، كما ذكر أنها تدعى أيضاً ديار تغلب ، ومع كل الاحترام والتقدير لجهود الباحثين الكبيرين العيَّاش و الطبَّال رحمهما الله تعالى ، إلا أنني لا أستطيع إعتماد تلك التسميات ما لم أجد مصادرها في كتب التاريخ ، ولعلني أجد المصادر في وقت قريب..

○ و نقلاً عن المستكشف الأثري البارون الألماني ماكس فون أوبنهايم ، فإن الجغرافي و الفلكي الشهير جداً (( بطليموس )) ذكر أن مدينة {{ ببرتا }} كانت تقع على الفرات الأوسط ، ويحدد الجغرافي (( كيبرت )) موقع مدينة ببرتا في موقع مدينة دير الزور وذلك في (( أطلس آنتيكوس )) ، وتعود حقبة بطليموس إلى القرن الثاني الميلادي..

○ و يذكر القنصل و المستكشف و الرحالة الفرنسي لوي جاك روسو بأن مدينة ثابسوس هي نفسها مدينة دير الزور و أن قلعة الافادبي كانت مقابلة لها (( بمناطق قريتي الحسينية و حطلة )) ، و ذلك بحسب ما أكده العلماء الجغرافيين الذين سبقوه ، حيث إن ثابسوس قد عبر الفرات منها الاسكندر المقدوني في طريق عودته من مصر بجيشه ليحارب أعدائه في أربيل بشمال العراق.. أي أن الدير سبقت بوجودها العصر الهلنستي..

○ و تذكر مجلة بحثية أمريكية أن التنقيبات الأثرية في المدينة تفيد بوجودها قبل آلاف السنين ، وأنها كانت حاضرة مزدهرة – على الأقل – منذ العصر السلوقي الهيلنستي ، ورابط المجلة الأمريكية موجود في موسوعة ويكيبيديا في المقال الخاص بدير الزور..

○ و تؤكد شهادات العديد من الرحالة الأوربيين في القرون الخمس الماضية بأن مدينة دير الزور بحسب آثارها تعود إلى عصور ما قبل الميلاد..

● و أما عن أنقاض دير العتيق ما بعد هدمه عام ١٩٦٨ م ، وهو أساس المدينة و نواتها و أول حي فيها و الذي كان يقع ما بين شارع المتحف القديم و ينتهي عن قصر البلدية القديم.. و ما بين سوق الصياغ و شارع المية ( الفرات ) ، فننقل لكم شهادات موثقة لمجموعة من كبار المؤرخين و المثقفين المعاصرين لتلك الأحداث :

○ يذكر الأستاذ المؤرخ عباس طبال رحمه وهو من مواليد عام ١٩٣٦ م ، أنه بعد هدم دير العتيق وجد تحته آثار لخمس مدن فوق بعضها البعض ، و يذكر من اللُقى الأثرية الموجودة

[[ وجدت كنيسة أو دير مهدَّم قِيل عنها أنها مسجد ووجد بجانبها ما يشبه المحراب عليه صليبان أحدهما عليه مُجَسَّد السيد المسيح ، و وجدت ثلاثة أوان تشبه القدور من البرونز حول فتحتها شكل شبيه بالشمس كما وجدت جرتان في أحدهما دنانير ذهبية والأخرى فيها عملة فاطمية من الفضة ، و وجد معبد بيزنطي ظهر في أنقاض دير العتيق أثناء حفر أساسات فندق رغدان ، كما وجد بقايا وكسر أواني فخارية عند حفر أساسات بناء مشفى العبود ، ووجدت تيجان للأبواب منقوشٌ عليها عناقيد العنب مع كلمات باللغة العربية وذلك يعود إلى فترة السنة السابعة أو الثامنة الهجرية ]]

○ وقد أكد الباحث الأستاذ أحمد شوحان – رحمه الله تعالى- هذه المعلومة و سمَّى ذلك المسجد الذي وجد تحت الأنقاض بمسجد (( وُريقات الكرمة )) أي العنب.. و ذكر عدد من اللقى الأثرية ، و الأستاذ أحمد شوحان خطب الجمعة عدة مرات في جامع الملا علي شرق دير العتيق ، قبل أن يهدم ، وهو من المعاصرين الكبار له..

○ و تذكر وثيقة عثمانية من آرشيف الأوقاف في استانبول الجامع العمري و تفيد بأنه بُني في المدينة في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب ، وأنه تهدم وأعيد بنائه عدة مرات على مر العصور ، وقد أوصى السلطان عبد الحميد الثاني شخصياً حسب الوثيقة بإعادة تجديده و ترميمه و إنشاء مدرسة للعلوم الشرعية بجواره و الاعتناء به قدر الإمكان.. و ذلك في ٩ رجب عام ١٢٨٨ هجري الموافق ٢٤ أيلول ١٨٧١ م

و هذه المعلومة على ذمة الدولة العثمانية ، و الوثيقة موجودة مع ترجمتها في كتاب لواء الزور في الوثائق العثمانية الجزء الأول – للأستاذ الباحث أحمد السلامة – صفحة ٢٦٥ و ٢٦٦

○ أما الشاعر و الباحث التاريخي الأستاذ توفيق القنبر – رحمه الله تعالى- فيذكر لمجلة العمران عام ١٩٧١ م قائلاً:

عندما شق الطريق النهري المحاذي لشاطئ الفرات عثر على بقايا جامع بعمق ليس بقليل من تلة الدير العتيق و في مستوى سهل المدينة ، وعند إزالة الأنقاض وفتح ذلك الشارع ، أُظهر أن هذا التل لم يكن بجميع أجزائه طبيعيا

○ و يذكر الشاعر محمد الفراتي محتجاً على أحدهم ، حينما وُجد بقايا بيت للعبادة تحت أنقاض دير العتيق في القسم الشرقي منه بجوار جامع الملا علي ، قيل عنه أنه كنيس لليهود ورد عليهم فريق آخر بأنه مسجد بسبب وجود محراب فيه فقال رحمه الله:

تقول هذا الكنيس لليهود .. و ما وحَّد الله فيه مسلمٌ أبدا

هب أنه معبدٌ هلَّا احتفظت به ؟! كيما نرى أثراً تاريخه أبدا

○ ويذكر الباحث الأستاذ عبد القادر عياش – رحمه الله تعالى – قائلاً :

[[ إن محراباً من الحجر والجص المزخرف بالكتابة الكوفية يرجع الى أول العهد العباسي وُجد بجوار البلدية ]]

● و بعد كل هذا أقول :

إنه لمن الخطأ الشديد تصنيف مدينة دير الزور على أنها مدينة مبنية في العصر العثماني ، و يتحتم على كل منصفٍ متتبع بالشأن التاريخي ، ومهتم بوادي الفرات ، إعطاء هذه المدينة حقها المفقود و الذي تم تغييبه عن عمد أو عن اهمال أو جهل.. ولكم الحكم

 

 أقدم لوحة لمدينة دير الزور مرسومة في ١٥ إلى ١٧ أيار عام ١٨٣٦ م

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *