الجَـــــزيــــرة السُّـــــوريَّـــــــة   بـيـــن   الحـقيقـة  و الــوهـــم

 

                                    

 

من خلال متابعة المجريات في محافظة دير الزور عموماً ومايحدث من محاولات لتغيير هويتيها وسلخها من جذورها وأصولها وجدنا أن من واجبنا أن نبحث عن مرجع يثبت مايحاول البعض تغييره أو نسخه من تغيير وتزوير وفي رحلة بحثنا عثرنا على كتاب فيه الكثير من الوقائع والأحداث الموثقة، قام بجمعها ابن دير الزور المحامي ياسر العمر، ورأينا أنه كتاب لابد لأهالي دير الزور قراءته في ظل الظروف التي تمر بها المدينة ومحاولة البعض تغيير هويتها العربية والدينية.

سنقوم بعرض الكتاب على أقسام كي يستطيع الجميع قراءته وننتظر من زوار موقعنا الكرام المزيد من الوثائق أو الكتب التوثيقية المؤرخة عن تاريخ دير الزور.

الكتاب بعنوان (الجزيرة السورية) بين الحقيقة والوهم، يناقش تاريخ المنطقة الممتدة من تدمر إلى دير الزور وصولاً إلى الحسكة ومنها إلى الرقة وصولاً إلى الحدود السورية التركية.

إليكم القسم الأول من الكتاب، وبانتظار ردودكم وتفاعلكم وسنقوم بنشر الأقسام التالية خلال الأيام القادمة.

 

 

 

الجَـــــزيــــرة السُّـــــوريَّـــــــة  

بـيـــن   الحـقيقـة  و الــوهـــم

ديـر الــزُّور – الحسـكة – الرَّقـَّـــة

المحامي ياســـر العمـــر

القِسْمُ الأَوَّلُ

الَبابُ الأَوَّلُ

الأَصْلُ العَرَبِيُّ

مَرَتْ على الأرض عصورٌ وأزمنةٌ، ولعلَّ الأبرز منها عصر الطَّوفان، الَّذي جعل البشرية من بعده ينتمون إلى أصلٍ واحدٍ وهو نبي الله نوح “عليه السَّلام “، والَّذي لبث في قومه 950 سنةً قال تعالى :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)العنكبوت (14)   

وعن ذلك قال محمَّد سليمان الطَّيِّب { أجمع المؤرخون والنَّسَّابون القدماء إنَّ جميع الأمم الموجودة على الأرض بعد الطَّوفان هم ذرية نوح عليه السلام، أمَّا ما كان مع نوح في السَّفينة فقد روي أنَّهم كانوا ثمانين رجلاً من الَّذين آمنوا به ولكنَّهم هُلكوا عن آخرهم ولم يبقَ لهم بقيَّة وهذا شيءٌ لا خلاف عليه بين العلماء, وقيل إنَّ نوحاً عليه السَّلام لماَّ نزل الأرض بنى قرية سمَّاها قرية الثَّمانين على عدد مَن خرجوا من السَّفينة وهي إلى الآن في شمالي العراق بنفس الاسم قُرب الموصل، والسَّفينة بعد الطَّوفان استقرَّت على جبل الجوديِّ قُرب الموصــــــل، وهو جبلٌ عظيمٌ ينبت فيه شجر البلــــوط ومسيرته ثلاثة أيامٍ, ويتابع الطَّيِّب ويقول:ممَّا يدلُّ على أنَّ جميع أهل الأرض من البشرمن ذرِّيَّة نوحٍ لقـوله تعــالى:(وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ)الصافات (77) .[1]

ويتابع الطَّيِّبُ حديثة عن أبناء نوح عليه السَّلام فيقول ” ولنوح عليه السَّلام بنونَ هــــــــــــــــــم:

( الأكبر يافث، والأوسط سام، والأصغر حام ) …. فمن يافث التُّرك ومن في جنسهم من القبجاق والتَّتر والغز أو السَّلاجقة والهياطلة والخلج والشَّركس والخزر والصَّقالبة والصِّين والإفرنج والقوط واليونان …وقد اختلف الرَّأي في الرُّوم هل هم من نسل يافث أمْ من نسل عيصو بن إسحق بن إبراهيم عليهما السَّلام والله أعلم. وأمَّا الابن الأوسط سام ففيه عمود النَّسب أي النُّبوَّة، ونسله أقلُّ عدداً من أخويه يافث وحام ومنه العرب والآشوريُّون والسِّريانيُّون والفُرس والكُرد والكنعانيون والنَّبط والأرمن وغيرهم من الشُّعوب في المنطقة العربيَّة كبني مدين وبني يعقوب ’ إسرائيل ’. أمَّا حام ابن نوح الابن الأصغر فتناسلت منه أمم وشعوب، منها المصريون القدماء ’ القبط ’ والكوش ’ السِّند والهند’ والسُّودان بأنواعها من الزِّنج والحبش والنُّوبة وزويلة …. }

وعن أصل العرب يتابع الطَّيِّب بالقول { أجمع النَّسَّابون إنَّ العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم من ولد سام بن نوح عليه السَّلام ، وبعضهم وضَّح أنَّه من لاوذ ابن سام بن نوح عليه السَّلام، كما ذكر بعض العلماء إنَّ عابر هو النَّبيُّ هود عليه السَّلام والله أعلم، ومن عابر تناسل القحطانيون وهو قحطان بن عابر، ومن عابر أيضا تناسل سيدنا إبراهيم “عليه السَّلام ” في بابل من أرض العراق، والَّذي عبر الفرات للشَّام هرباً من النَّمرود حفاظاً على دينه، ومن إسماعيل بن إبراهيم “عليهما السَّلام } تناسل العرب العدنانيَّة، ومنه بني مدين بن إبراهيم شعب انقرض أو انصهر مع العرب، وكما هو واضح أنَّ الأمة العربيَّة بشقيها العدنانيِّ والقحطانيِّ من جدٍّ واحدٍ  هو ’ عابر ’ …. ويُطلق النَّسَّابة على القحطانيَّة اليمانيَّة. لما أنَّهم نسأوا في بلاد اليمن بعد انتقال أجدادهم من منبعهم في بلاد العراق من أحفاد عابر، وهذا لوفْرَتْ خيرات اليمن وكثرة أمطارها }.[2]

أمَّا أحمد معمور العسيريّ فيقول عن نوح عليه السَّلام (بعث الله إلى هذه الأقوام نوحاً، وكان بين آدم ونوح عشرةُ قرونٍ كلُّهم على دين الحقِّ قال تعالى :  (كان الناس أمة واحدة) البقرة 213    ثمَّ صاروا إلى الفساد….. وبذل كلِّ الأسباب لإقناعهم، فلم يجد إلاَّ الصَّدِّ والكفران، ولم يؤمن معه إلاَّ القليل، قـــــــــــال سبحانـــــــه تعــالى :

(لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ َعظِيم)الأعراف  59

وقال تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا(7) نوح      

فلمَّا يئس منهم دعا عليهم، قالَ اللهِ تعــــــالى:

(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) نوح (26)   .

فلبىَّ الله تعالى دعوته وأمـــره بصنع الفـلك وهي السَّــفينة العظيمة قال تعالى:

(فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)المؤمنون (27)

وحمل معه من آمن به، ومن الحيوانات من كلِّ زوج اثنين. واستمرَّ القــــــوم في الفســـاد والسُّخريــــة منـــه ومن سفينتــــــه، فلمَّـــا انتهى حصل الطَّوفان العظيم وامتلأت الأرض بالمياه، وتحركت السَّفينة شمالاً….   فأهلك الله القوم الكافرين، ثمَّ رستِ السَّفينة على جبل الجوديِّ …فخــرج الرُّكــــاب  واستقرُّوا هناك وبدأت زيادة السُّكان من جديد، ثمَّ تفرَّق أبناء نوح، فهاجر سام وأبناؤه باتِّجاه جزيرة العرب، واتَّجه أبناء حام جنوباً نحو العراق  وما جاورها، وتحرَّك يافث وذرِّيتَّه شرقــــــــــاً وجزء منهم غربــــــــــــاً، وتفرَّق آخـــــــرون في اتِّجــــاهـــــــــــات متباينة). [3]

وذهب آخرون إلى خلاف ذلك وقالوا ” بناء على تلك القصِّة المختلقة الكاذبة الَّتي لا يوجد عليها أي دليل علمي على صحَّتها إلَّا ما جاء في كتاب اليهود التَّوراة، الَّذي لا يمكن بأي حال أنْ يُعتبر كتاب دين سماويِّ ولا كتاب تاريخيِّ موثوق يمكن الاستدلال بما جاء فيه عن تاريخ أنساب الأجناس البشرية بعد الطَّوفان، ردَّ علماء الأجناس والانثروبولوجيا والتَّاريخ والآثار وغيرهم الغربيين أصل جميع أجناس الأرض بعد الطَّوفان إلى أبناء سيدنا نوح عليه السَّلام! وصنفوهم كالآتي: (السَّاميُّون) وهم العرب واليهود وقد رفعوا نسبهم وأصلهم العرقيَّ إلى مَنْ زعمت التَّوراة أنَّه (سام بن نوح). و(الحاميُّون) وهم الزُّنوج والأفارقة وقد رفعوا نسبهم وأصلهم العرقيَّ إلى مَنْ زعمت التَّوراة أنَّه (حام ابن نوح). والأوروبِّيِّين والأجناس الأخرى وقد رفعوا نسبهم وأصلهم العرقيِّ إلى مَنْ زعمت التَّوراة أنَّه (يافث بن نوح).  وذلك التَّقسيم الغربيُّ التَّوراتيُّ لأصل الأجناس البشرية تقسيم غير صحيح، يكذِّبه القرآن الكريم/ وتكذِّبه الحقائق العلميَّة الثَّابتة الَّتي تُكذِّب خرافات التَّوراة العلميَّة وغيرها عن أصل الكون وبداية خلق الإنسان وغيرها…….. ونعجب للمؤرِّخين والكتاب المسلمين الَّذين يوثقون أنساب أسماء القبائل أو الأشخاص نقلاً عن التَّوراة معتبرين أنَّها أنساب صحيحة! وذلك لأنَّنا نفهم من كتاب الله تعالى أنَّ أصل الأجناس البشرية بعد الطُّوفان لا يعود إلى نوح وأبنائه فقط ولكن إلى الجماعة الَّتي آمنت بدعوته من قومه ونجت معه في السَّفينة من الغرق قال تعالى :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ(27)هود

نفهم من الآيات أنَّه اتَّبع سيِّدنا نوح نفر من قومه وليس أبناءه فقط كما ذكرت تلك القصِّة الخرافة في… وفي قوله تعالى:

( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) الإسراء ٣                                       

أي يا سلالة الَّذين أنجيناهم وحَمَلْناهم مع نوح في السَّفينة لا تشركوا بالله في عبادته، وكونوا شـــــاكرين لنعمه، مقتدين بنوح عليه السَّلام؛ إنَّه كان عبدًا شكورًا لله بقلبه ولسانه وجوارحه. وقال ابن كثير(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍۚ) تقديره ياذرِّيَّة من حملنا مع نوح، فيه تهييج وتنبيه على المنَّة، أي ياسلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السَّفينة تشبهوا بأبيكم “[4].

بقايا سفينة نوح عليه السَّلام على جبل الجودي في محافظة شرناق جنوب شرق تركيا بالقرب من الحدود العراقيَّة السُّوريَّة

 

أمَّا تشكل الأعراق والأمم فتمَّ بعدة أسباب، وفي تعريفنا للنَّوعِ البشريِّ أو العرق والأمَّة تظهر لنا الأسباب.

 

يقول غوستاف لوبون: (“ويمكن تعريف العِرق، أو النَّوع البشريِّ، بأنَّه يدلُّ على جماعاتٍ ذات أخلاق مشتركة تنتقل إليها بالوراثة انتقالاً منتظماً… ”

أمَّا الأمةُ عند غوستاف لوبون : هي جماعة من النَّاس الَّذين ينتسبون في الغالب، إلى عروقٍ كثيرةٍ جمع بينهما نظامُ حكمٍ واحدٍ ومصالح واحدة، فإذا صحَّ ما ندعوه الآن بالأمَّة الإنكليزيَّة أو الأمَّة الألمانيَّة أو الأمَّة النِّمسويَّة أو العرق النِّمسويِّ أو العرق الفرنسيِّ، فكلُّ أمِّة من هذه الأمم هي من تباين المحاتد والأصول ونقص الإدغام ما لا يجوز معه أنْ تُطلقَ عليها كلمة ” العرق “، أجل، إنَّ من الجائز أن تنضوي جماعات بشرية كثيرة إلى قوانين واحدةٍ، وأنْ تدينَ هذه الجماعات بديانةٍ واحدةٍ، وأنْ تتكلمَ بلغةٍ واحدةٍ، ولكنَّه لا يتألف منها عرقٌ متجانس إلاَّ بعد أن تستقرَّ فيها أخلاقٌ واحدةٌ وصفاتٌ جثمانيَّةٌ واحدةٌ بفعل البيئة والتَّوالد والوراثة. ويعدون البيئة في الغالب، من العوامل الَّتي تستطيع تحويل صفات العرق وإثباتها، ولكن الوراثة الَّتي تتراكم بها أخلاق العرق وسجاياه وتَرْسُب مع الزَّمن أقوى من البيئة وأعظم أثراً ……وإنَّما تُؤثر البيئات في العروق الحديثة، أي العروق الَّتي تنشأ عن توالد مختلف الأمم ذات الصِّفات المتباينة، فإذا ما فلَّت الوراثةُ الوارثةَ وانحلت بذلك مقومات الماضي القديمة الموروثة بفعل الوراثةِ الجديدة خلا الميدان للبيئة وقامت بعملها. والتَّوالد لكي يكون مؤثِّراً، يجب أن يتكررَ، وألاَّ تتفوت كثيراً نِسب من يتوالدون من أفراد مختلف العروق، وإذا عظُم التَّفاوت في نِسب العناصر المتوالدة كانت الغلبة لصفات العرق الوافر العدد، لا لصفات العرق القليل العدد الذي لا يبقى له أثر من حيث النتيجة “).[5]

كما أنَّ غوستاف لوبون يجعل من الأخلاق والصِّفات النَّفسية عاملاً آخر في تحويل صفات العرق، فيقول في أهمية الأخلاق في تقسيم العروق: لا تصلح اللُّغة والدِّين والجماعات السِّياسيَّة والصِّفات التَّشريحيَّة…لتقسيم العروق وإظهار الفروق الدَّقيقة بين الأمم المتقاربة، كالأمم الأوربية مثلاً…بيد أنَّه تُوجد صفات نفسية، وإنْ شئت فقُل سجايا خُلُقِية ثابتة ثبات الصِّفات التَّشريحيَّة، وإنَّه سيأتي يوم تكون فيه هذه الصِّفات النَّفسيــــة الَّتي أغفلهــــــــا علم أوصــــــــاف الإنســـان الحديث أساســــــــاً لتقسيم العروق.[6]

ولو رجعنا بالزمن إلى سلالة سام، ووصولنا إلى عهد نبي الله إسماعيل لوجدنا  أنَّ إسماعيل عليه السَّلام الَّذي سكن مع قبيلة’’ جرهم العربيَّة’’ وتَعلُمَهُ العربيَّة منهم بعد أن ْكان يتكلم بلغة أبيه الَّتي كانت الآرامية، أو الكلدانية، أو العبرانية والَّذي تزوَّج’’ رعلة ’’ من تلك القبيلة وما جاء من صلبه من نســــل وهم العدنانيون والَّذين سـُــمُّوا بالعرب المستعربة كلُّها وقائعٌ تثبت أنَّ البيئة واللُّغة من العوامل الَّتي تُحوِّلُ صفات العرق.  وكذلك الأمر لو رجعنا للوراء قليلاً ودرسنا سكان سوريَّة مثلاً، لوجدنا أنَّ هناك عوائل كبيرة من الأكراد سكنت دمشق واستمرَّت فيها فترات طويلة وأصبحت تعتبر نفسها من الأقوام العربيَّة.

والعروبة عند الحمد ليست جنساً مغلقاً، ولا هي قوميَّةٌ فيقول ( إنَّ العروبة ليست عرقاً، ولا هي جنسٌ مغلقٌ، أو قوميَّةٌ محدودةٌ، بلْ هي شعورٌ رائع بالانتماء إلى أمةٍ، وهذا الشُّعور ليس وقفاً على جنسٍ معين من البشر، بل يمكن لأيٍّ من النَّاس في العالم الدُّخول إلى الأمَّة العربيَّة، متى أراد، فقط عليه أن يخلصَ الدِّين لله الواحد جلَّ جلاله، ويُصدِّق رسوله ’صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ’ ويُحبَّ العرب وأنْ يتحدَّثَ على أرضهم بلسانِهم ، ليصبح له ما للعرب، وعليه ما عليهم، فالعروبةُ جنسيَّةٌ مفتوحةٌ، غير مغلقة كما هي الحال في القوميَّات الأخرى، لأنَّ العروبةَ بالأساس ليست موضوعاً سياسيّاً ).[7]

وعن تعريف العرب يقول ابن خلدون:  ” إنَّ كلمةَ العرب مشتقَّةٌ من الإعراب وأُخذت من قولهم أعرب الرَّجل عن حاجته: أي أبانها، وسمُّوا عرباً، لأنَّ العرب اشتهروا بالفصاحة والبلاغة وسحر وروعة البيان بين سائر الأمم، وكلُّ جنس عدا العرب فهو أعجمي “.

وقُسِّم العرب إلى أقسامٍ ثلاثةٍ هي (البائدةُ والعاربةُ والمستعربةُ)

وعن هؤلاء الأقسام يقول ” جواد علي “: ( أمَّا البائدة فلم يبقَ لهم من أثرٍ بسبب الكوارث الطَّبيعية، وتشتُّتهم بين القبائل والتحاقهم بالنَّسب والعصبية فيكون نسبهم النَّسب الجديد.  وأمَّا العرب العاربة الأصلاء فهم أبناء قحطان وأسلاف القحطانيين المنافسين للعرب العدنانيين. وأمَّا العرب المستعربة فيقال لهم العدنانيون وهم من صلب’’ إسماعيل بن إبراهيم وامرأته’’ رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي’’ قيل لهم ’’ العرب المستعربة’’ لأنَّهم انضموا إلى العرب العاربة، وأخذوا العربيَّة منهم، ومنهم تعلَّم ’’ إسماعيل ’’ الجدُّ الأكبر للعرب المستعربة العربيَّة، فصار نسلهم من ثمَّ من العرب واندمجوا فيهم. وموطنهم الأوَّل مكَّة على ما يستنبط من كلام الإخباريين، فيها تعلَّم “إسماعيل” العربيَّة، وفيها ولد أولاده، فهي إذن المهد الأوَّل للإسماعيليين “.[8]

وعن العرب العاربة والمستعربة قال ابن خلدون: ” العاربة هم القحطانيون والمستعربة هم العدنانيون “. [9]

وعن منشأ العرب يقول غوستاف لوبون:

(منشأ العرب: عُدَّ العربُ واليهود والفينيقيُّون والعبريُّون والسُّوريُّون والبابليُّون والآشوريُّون، الَّذين استوطنوا جزيرة العرب وآسية الصُّغرى حتَّى الفراتِ، من أصلٍ واحدٍ، ويُطلق على هذا الأصل اسم الأَرومة السَّاميَّة.  وتقوم قرابة هذه الأمم على تجانس لغاتها، واشتراك أبنائها في صفاتٍ جثمانيَّةٍ متماثلة كاسوداد شعورهم وكثاثَةِ لُحاهم وكُمْدَة ألوانهم …وما إلى ذلك. ومن الممكن أنْ نجادلَ في قيمة هذه الصِّفات، ولكننا إذ نخرج بهذا عن الغرض، نرى الاقتصار على اقتباس ما ورد عنها في بعض المتون …… وذلك مع الاعتراف بأنَّ الأمم السَّاميَّة أقامت حضاراتٍ عظيمةً، وأنَّ ثلاثة من الأديان الخمسة أو السِّتَّة الَّتي تسود العالم (وهي اليهودية والنَّصرانية والإسلام) نشأت عن الفرعين السَّاميين: اليهود والعرب.  وكانت القرابةُ بين العرب

واليهود وثيقةُ، ودليل ذلك ما بين لغتي تينك الأمتين وتقاليدهما من التَّشابه). [10]

ويتابع لوبون …. ونرى في سورية، بجانب الأعراب الَّذين يدينون بدين محمَّد “صلَّى الله عليه وسلَّم”، قبائل ذاتَ شعائر وعقائد مختلفة يسهل تميِّيز بعضَها من بعضٍ، لعدم توالدها فيما بينها، وأهمها المتاولة…  فالمتاولة: قبائل عربية جبلية تعيش في اعــتزال، وهم من مســلمي الشِّيعة المتعصبين الَّذين يأبــون تناول الطَّعام مع أي أجنبي، ونــرى من أوصافهم أنَّهم مزيجٌ من المغول والعرب والفرس، مع أنَّ بعضَ الباحــثين يظنُّ أنَّهم منحدرون من بعض القبائل الكــردية.

وَرَدَّ لـــوبون على قــــول بعض الكتاب “إنَّ معظم علماء العرب في بلاد الإسلام ليسوا من أصل عربي”   فقال ” إن تلك البلاد ممَّا ملكه العرب، وإنَّ الدَّم العربي ممَّا جرى في عروق أبنائها، وإنَّ علوم العرب ممَّا كان لها نصيبٌ منه زمناً طويلاً، وإنَّه إذا أُبيح لأحدٍ أنْ يجادلَ في الآثار الَّتي صدرت عن مدارس العرب كان ذلك من قبيل إباحته لنفسه أنْ يجادلَ في مؤلفات علماء فرنسة بحُجَّة أنَّهم من الشُّعوب الكثيرة الَّتي تألف من مجموعها الشَّعب الفِرنسي كال نورمان، والسِّلْت، واكيتان “. [11]

وعن السَّاميَّة والعرب يرى بيير روسي أنَّنا لو تكلمنا عن العرب بدلاً عن السَّاميين المختلقين من أصل خيالي فيقول: (إنَّنا باختصار في جهل مطبق، جهل علمي، متَّفق عليه. وإنَّ الأمر سيكون بسيطاً جداً فيما لو أنَّنا تكلَّمنا بدلاً عن السَّاميين، الأبطال المختلقين من أصل خيالي، لو أنَّنا تكلَّمنا عن العرب، ذلكم الشَّعب الحقيقي والَّذي يمتلك وجوداً اجتماعياً مستمرّاً، وجوداً ثقافياً ولُغويّاً يعطي حياة وتوازناً لهذا البحر المتوسط منذ عدَّة آلاف من السَّنوات. وإنَّ الأبنية الأثريَّة قائمة هناك لكي تشهد وتثبت وتقرِّر أنَّ الحضارة، الَّتي هي حضارتنا، قد ولدت وازدهرت وتفجَّرت في أرض تمتدُّ بين النِّيل ونهر السِّند، بين القوقاز ومضيق باب المندب. وإنَّ أربعةً من الدُّول قد اقتُطِعت من امبراطوريَّة عاشت طويلاً، إنَّها دول المصريين، والسُّوريين الكنعانيين والإغريق الحثيين، والبابليين. إنَّ لغةً واحدةً مكتوبةً ومتخاطب بها قد انتهت إلى فرض نفسها وتغطية هذا المجموع الكبير: إنها اللغة الآرامية والاغريقية تابعتها والملحقة بها الَّتي تقترب كلٌّ منهما من الأخرى بصورة دقيقة، ثمَّ تطورت الآراميَّة منذئذ طبيعياً ودون معارضة، إلى اللُّغة العربية، الَّتي وجدت نفسها منذ ذلك الحين وارثة الماضي المصري والكنعاني والحثي والبابلي، هاهو ذا المعيار الدَّقيق للثَّقافة العربيَّة، أم الثَّقافة الهيلينستية والموحية بها والَّتي صاغت وشكلت عقلها وقوانينها. إنَّ العرب والاغريق يتواصلون ……..).[12]

ويتابع بيير ويقول:  (وهكذا كان زيفاً وضلالاً باسم السَّاميَّة المزعومة، فصل العرب عن المجموع الثَّقافي المصري – الكنعاني – البابلي الَّذي كان قسماً مكملاً، إنَّ ذلك آت من خرافة تعطي للُّغة العبرية مكانة خاصة، وليس ذلك إلَّا فرعاً متأخراً وطقسيّاً للُّغة العربية …).[13]  وبيَّن بيير روسي إنَّ جزيرة العرب مهد السَّاميين فقال: (وهاهي ذي على الأقل نتيجة صادقة شريفة مؤكِّدة ” لقد سجَّل حديثاً أنَّ جزيرة العرب المركزية كانت مهد السَّاميين، لقد كان السَّاميون الَّذين بقوا في جزيرة العرب أجداد الشَّعب العربي، وهؤلاء الَّذين استقرُّوا في الفرات الأدنى وتألَّقوا وانتشروا في آسيا الغربية كانوا الآشوريين… “).[14]                                                                         

كما يقول بيير روسـي ( إنَّ العـــرب والاغريــــق يتواصلون ويتــوالون لإعطائنا ما نسمِّيه ” الحضارة ” الَّتي هي، كما نــرى شـــرقية بمقدار ماهي غربية، وســامية بمقدار ماهي آرامية، على أنَّها واحدة، ولا تتجزأ في جميع أقسامها، سواء أكانت روحيَّةً أم ماديَّةً. وهاهي ذي شواهد تؤيِّد هذه الحقيقة: النُّصوص الثَّلاثة الأصلية لعقيدتنا التَّوحيدية، إنَّها محررة كما يلي: أحدها بالعربيَّة وهو القرآن، والثَّاني والثَّالث بالاغريقيَّة وهما العهد القديم والعهد الجديد …. وعندما صرخ يسوع المسيح على الصَّليب صرخته الكبرى “إلهي، إلهي لماذا شبقتني ؟ ” فإنَّما بالعربيَّة كان يصرخ، وكلُّ عربي يفهم اليوم معنى هذه الصَّرخــة الَّتي تعني ” ياإلـهي لماذا كنت الأوَّل أمامي ؟ “أو بمعنى آخر ” لماذا تركتني خلفك ؟ ” ).[15]

أمَّا العرب السُّوريون فهم الَّذين امتدَّت إمبراطورتيهم لتشمل العالم القديم كلَّه فالأباطرة السُّوريون في روما لم يتنصلوا من عروبتهم “من الامبراطور سبتيمو سفيرو إلى فيليب العربي “.

 

كما إنَّ اللُّغة العربيَّة القديمة كانت لغة الحضارة الوحيدة من أقصى الهند شرقاً وحتَّى الأطلسي غرباً. ولم يكن هناك وجود للُّغة اللَّاتينيَّة.

وجاء في محاضرة للدُّكتور أحمد داود ( … كان هناك (360 ) مقاطعةً كلٌّ منها تتكلَّم لغة …وكانوا يلتقطون الورق عندما يمرُّ السُّوريون. وليس هناك لغةٌ لاتينيَّة لأنَّ التَّاريخ هو الهوية واللُّغة هي نحن، لقد حذفوا اسم سوريَّة والعرب من التَّاريخ القديم كلِّه، نحن الَّذين منحناهم أسماءَهم وعلَّمناهم كيف يكتبونها لأوَّل مرَّة واستعاضوا عنها بمصطلحات الشَّرق والشَّرق الأدنى وجنوب غرب آسيا وآسيا الصُّغرى وشرق المتوسط، أي حذفوا اسم سوريَّة من التَّاريخ، وكلُّ دول العالم اليوم ينظرون إلى التَّاريخ القوميِّ فقط نظرتهم إلى أمنهم القوميِّ ، يكتبونه بأيدي أبنائهم ولو كان كذباً، من أجل أنْ يربُّوا هؤلاء الأبناء على الوحدة، وحدة الهوية والانتماء، أمَّا نحن فإنَّهم يرسمون لنا تاريخنا، ونذهب إليهم ونأتي به، فنحن عطَّلنا العقلَ وأدمنَّا النَّقل).[16]

وكـذلك فإنَّ بني إســرائيل في التَّوراة أليسوا هم بنو يعقوب العربي الآرامي، وهل كان ليعقوبَ أو لإبراهيمَ  أو لآرامَ بن سام أو لسام بن نوح لغةٌ أخرى غير العربية بلهجتها السِّريانيَّة الشَّرقيَّة.

وعن انتشار الإسلام والقرآن يقول غوستاف لوبون  (إنَّ القوَّة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن ما ترك العربَ المغلوبين أحراراً في أديانهم، فإذا حدث أنْ اعتنق بعضُ الأقوامِ النَّصرانيَّةِ الإسلامَ، واتَّخذوا العربيَّةَ لغةً لهم، فذلك لما رأوه من عدل العربِ الغالبين ممَّا لم يروا مثله من سادتهم السَّابقين ، ولما كان عليه الإسلام من السُّهولة الَّتي لم يعرفوها من قبل … ولم ينتشر القرآن، إذن بالسَّيف، بل انتشر بالدَّعوة وحدها، وبالدَّعوة وحدها اعتنقته الشُّعوب الَّتي قَهرَت العرب مؤخراً، كالترك والمغول…أدرك الخلفاء السَّابقون، الَّذين كان عندهم من العبقريَّة السِّياسيَّة ما ندر وجوده في دُعاة الدِّيانات الجديدة، إنَّ النُّظم والأديان ليست مما يُفرضُ قسراً، فعاملوا أهل كلِّ قطر استولوا عليه بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ونظمهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب، إذا ما قيست بما كانوا يدفعون سابقاً في مقابل حفظ الأمن بينهم، فالحقُّ إنَّ الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب ولا ديناً سمحاً مثل دينهم).[17]              كما لا ننسى مقولةَ عالم الآثار الفرنسي اندريه بارو:

(لكلِّ إنسانٍ متحضِّر في هذا العالم وطنان ” وطنه الأمُّ، وسوريا “).

وهذا يُثبت إنَّ الإنسان هو أخو الإنسان وإنَّ إظهارَ الحقيقة يكرسُ الوحدة الإنسانيَّة ويُلغي التَّعصب، وإنَّنا نوجِّه خطابنا هذا إلى الإنسانيَّة جمعاء ليعرفَ الكلُّ إنَّ إظهار حقيقة الوقائع تؤدِّي إلى وحدة الكائن البشري ويبعدهم عن المتاهات الَّتي تقود إلى التَّهلكة.

 

_              _                  _

[1]-   موسوعة القبائل العربية  مجلد الأول ج 1 طبعة ثانية ص 26 مع الحاشية.

[2] –  موسوعة القبائل العربية  مجلد الأول ج 1 طبعة ثانية  ص 27 – 28 .

[3]- موجز التاريخ الإسلامي منذ عهدآدم عليه السلام الى عصرنا الحاضرص15- 16.

[4]  -مفاهيم كذب خرافة ان أبناء نوح اصل البشرية /مصطفى إنشاصي ( محاضره ).

[5]-  حضارة العرب ص 64 .

-[6]  حضارة العرب ص 65 .

 -[7]    المرجع السابق ص  273 .

[8]-   المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” (1/129 فما بعدها).

-[9]   ابن خلدون فيلسوف ومؤرخ عربي من مؤلفاته العبر ومبتدأ الخبر وذكر هذه الروايات

سليمان الطيب في موسوعة القبائل العربية مجلد اول ج 1 ص25.

 

[10]- حضارة العرب  ص 67 و68 .

-[11]  المرجع السابق.

[12]-  التاريخ الحقيقي للعرب ترجمة فريد جحا  ص24 .

-[13]   المرجع السابق ص 30 .

-[14]  التاريخ الحقيقي للعرب ترجمة فريد جحا ص 23 .

[15]-   التاريخ الحقيقي للعرب ترجمة فريد جحا ص 25 و26 .

 

[16]-   من محاضرة د. أحمد داود على مسرح مدينة الشباب بدمشق الشهر الثالث 2017 .

 

[17]-   حضارة العرب.ص9

 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960 

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *