الجَزِيرةُ السُّورِيَّه مِنَ الغَزْوِ المَغُوليِّ وَعصر المماليك حتَّى نِهَايَه الدَّوْلَهِ العُثْمَانِيَّةِ

 

الغَزْوُ المَغُولِيِّ

شهدت الجبهة الإسلاميَّة وبعد وفاة صلاح الدِّين الأيُّوبيِّ التَّفكُّك واشتدَّ الصِّراع بين الأمراء الأيُّوبيِّين والزِّنكيِّين والسَّلاجقة وهذا مادعى الأمراء إلى استقدام أعدادٍ من النَّاس عُرِفوا بالمماليك لمناصرتهم، وأدَّى ذلك إلى أنَّ كلَّ أمير أصبح لديه القوَّة الَّتي تمكنه من الاحتفاظ بإمارته، وأثبت هؤلاء المماليك كفاءتهم العسكريَّة وتدخَّلوا بشؤون الأمراء الأيوبيِّين وأسَّسوا دولة المماليك، وفي تلك الأثناء كان المغول يحقِّقون الانتصارات على الدَّولة الخوارزميَّة المسلمة والَّتي لم يدعمها العبَّاسيُّون في التَّصدي للمغول، وهذا الخطأ الاستراتيجيُّ  الَّذي سبَّب بزوال دولتهم العبَّاسيَّة بالوقوف بوجه طموحات جنكيز خـان وأحفـاده الهادفة للسـيطرة على بــلاد المسلمين، وسيطر هولاكــو بجيشه المغوليِّ على بغداد وعيَّن عليها الخائن مؤيد الدِّين العلقميَّ الَّذي كان وزيراً لدى الخليفة المستعصم بالله وتعامل مع المغول للدُّخول إلى بغداد واستباحتها وقتل علمائها ورجالاتها وحرق جوامعها ومكتبتها والَّتي كانت أعظم مكتبه على وجه الأرض والَّتي انشأها الخليفة العبَّاسيِّ هارون الرَّشيد، واستمرَّ ذلك لمدَّة أربعين يوماً، وعومل الخليفة المستعصم بالله المعاملة السَّيئة من هولاكو بحيث أنَّه حرَّم عليه الطَّعام، فلمَّا أحسَّ الخليفة بالجوع طلب طعاماً فقدَّم له هولاكو طبقاً مملوءاً بالذَّهب وأمره أنْ يأكل، وقال الخليفة كيف آكل الذَّهب؟…فردَّ عليه هولاكو : إذا كنت تعرف أنَّ الذَّهب لا يؤكل فلماذا احتفظت به ولم توزِّعه على جنودك حتَّى يصونوا لك ملكك الموروث من هجمات هذا الجيش المغير؟ ولِمَ  لم تحوِّل الأبواب الحديديَّة إلى سهام وتسرع إلى شاطئ نهر جيحون لتحول دون عبوري؟ فأجابه الخليفة هكــذا كان تقدير الله، فقال هـولاكو وما سوف يجري عليك إنَّما هو كذلك تقدير الله، وقُتِل الخليفة العبَّاسيِّ المستعصم بالله شـرَّ قِتْلةٍ ودون أن يراق دمه،  ودفن ولم يعرف له مكان دفن[1].

وكتب أحدُ الشُّعراء عن ذلك :

     يافـرقـــــــة الإســـــــــلام نوحـــــــوا      أسفاً على ماحـــــــلَّ بالمستعصــــــم

     دست الوزارة كان قبل زمانه      لابن الفرات فصار لابن العلقمي

واستولى هولاكو على مناطق العراق وإقليم الجزيرة وبلاد الشَّام خلال أعوام ( 656-658ه / 1258-1260م)  وانهوا الحكم الأيُّوبيَّ بتلك المناطق، وجوبهـــــــوا من العـــــــــــرب والمماليك وأوقفـــــــوا تقدُّمهم في معركــة عين جــــــالوت ( 1260م ) بقيادة سيف الــــدِّين قطـــــز والَّـذي دخـــل دمشـــــق، وبعــــد أن كان المغــــول قد دمَّروا حلب وحمص وأحرقوهما، ويذهب ابن العمري في “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار” الَذي حقَّقته المستشرقة الألمانية دوريتا كرافولسكي، إلى وصف المعارك بالشَّرسة الَّتي خاضتها طيء عند قبر الصَّحابيِّ الجليل خالد بن الوليد ضد المغول والَّتي انتصرت فيها عليهم في معركة حمص الكبرى.

واستعاد المماليك بقيَّة بلاد الشَّام وأعاليها على الفرات بعد أن دحر ركن الدِّين بيبرس “المغول” ووحِدتْ مصر والشَّام بدولة واحدة بزعامة قطز وأعاد ملوك الأيُّوبيِّين إلى عروشهم ملوكا تابعين لسلطانه، ومن ثمَّ قُتِلَ قطز على يد ركن الدِّين بيبرس بعد أن دبَّ الخلاف بينهم على نيابة حلب وإيقاظاً للخلافات بينهم قبل قدوم المغول وأعتلي بيبرس زعامة البلاد[2].

واستــــطاع المماليك استعادة بــــلاد الشَّام، وقسَّــــموها إلى ســــتِّ نياباتٍ، ثــــــلاثٍ منها في سوريا الحاليَّة هي دمشق وحلب وحماه.

 

– الدَّوْلَهُ العُثْمَانِيَّهُ وَالجَزِيرَةُ السُّورِيَّةُ  –

أسَّس الدَّولة العثمانيَّة “عثمان بن لارطغرل” والَّذي أمضى حياته في الجهاد في ســبيل لله، وبــعد وفاته تولى ابنــه ” أورخان” الحــكم الَّذي ســار على نـــهج والده بالفتوحات والحكم،  وكان هدفه تحقيق بشارة رسول الله r بفتح القسطنطينيَّة  عاصمة الدَّولة البيزنطيَّة، واستطاع أنْ يحرر قلاع متعدِّدة بطريق القسطنطينيَّة، كما قام بتأسيس الجيش الإسلاميِّ، وأدخل الانكشاريَّة فيه، واتُّهِمَ من المؤرِّخين الأجانب، أنَّه قام بتأسيس هذا الجيش من ضريبة الغلمان، وهي وفق ما بيَّنوا بأخذه خُمْسِ العائلة  أي من كلِّ خمسة أطفال من العائلة يُؤخذ واحد وهذا افتراء عليه كون عقيدته الإسلام ولا يُوجد بالإسلام مثل هذا الشَّرع، وقال علي الصَّــلابي ( إنَّ السُّلطان أورخان لم ينتزع غلاماً نصرانيّاً واحداً من بيت أبيه، ولم يكره غلاماً نصرانيّاً واحداً على اعتناق الإسلام،  وإنَّ كلَّ ما زعمه “بروكلمان وجب وجبيبونز” كذب واختلاق ينبغي أنْ تُزال آثاره من كتب تاريخنا الإسلاميِّ.إنَّ مقتضيات الأمانة العلميَّة والأخوَّة الإسلاميَّة تضع في عنق كلِّ مسلم غيور وخاصَّة العلماء والمثقَّفين والمفكِّرين والمؤرِّخين والمدَرِّسين والباحثين والإعلاميِّين أمانة نسف هذه الفرية ودحض هذه الشُّبهة الَّتي ألصقت بالعثمانيِّين وأصبحت كأنَّها حقيقة لا تُقبل النِّقاش والمراجعة والحوار….)[3].

ووطدَّ أورخان أركان دولته، وبناها من الدَّاخل، وفتح تراقيا وأصبحت قاعدة عثمانيَّة في أوربَّا، والَّتي انطلقت منها الحملات الأولى للفتوحات العثمانيَّة في أوربَّا، وأرسل القبائل المسلمة إلى أوربَّا للدَّعوة للإسلام، وجاء بعده السُّلطان مراد الأوَّل عام (1360م) واستولى على أدرنه وأصبحت عاصمة للدَّولة العثمانيَّة، وجاء بعده السُّلطان بايزيد الأوَّل عام ( 1389م ) واستطاع هذا السُّلطان من الاستيلاء على بلغاريا، وعند محاصرته القسطنطينيَّة ظهر له خطر تيمورلنك أدَّى لانصرافه عنها.

أمَّا تيمورلنك والَّذي جلس على كرسي خراسان فقد كان مسلماً يميل إلى اتِّباع الطَّريقة النَّقشبنديَّة ” بالرَّغم من أنَّه وفي عصره أُفتِي بِكُفرِه، وقال ابن العماد  في شذرات الذَّهب:  وكان يقدِّم قواعد جنكيز خان ويجعلها أصلاً،  ولذلك أفتى جمع جم بكفره مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة ” فاستطاع أنْ يتوسَّع بجيوشه واحتلَّ القسم الأكبر من العالم الإسلاميِّ ومنها أعالي الفرات ودجله، وحاصر قلعة ماردين ولم يستطيع الدُّخول إليها فتحــوَّل عنها غاضباً حانقـــاً إلى السَّهل الخصيب وأعمل في ســـكِّانه السَّيف، وأطلــــق في ربوعه يــــد الخــــراب ودمـَّــر كــلَّ الجــزيــــرة وأحـــــال مـدنــــها العامـــــرة وقــــــراهــا الخصبـــة إلى بـــــادية قـفـــــرٍ خاليــــة مــــن كلِّ ذي حيــــاة واحتلَّ حلب عام ( 1400م ) وحمص وحماه ودمشق عام (1401م ) وكانت تلك المناطق تحت حكم بايزيد والَّذي تقدَّم لملاقاته، ووقع بايزيد في الأسر، ومن ثمَّ وفاته وأحرق تيمورلنك المسجد الأمويّ،ِ وسبا العمال والحرفيِّين إلى عاصمته سمرقند وبلغ عدد القتلى الَّذين سقطوا على أيدي جنود تيمورلنك في قلعة حلب وحدها عشرون ألفًا، وفي حريق المسجد الأموي والأحياء المحيطة به والَّذي أشعله تيمورلنك عنوة ثلاثين ألفًا. وبعد أن توفي تيمورلنك ( 1404م ) دبَّ الشِّقاق بين حلفائه وأخذ أتباعه ينجلون عن بلاد الشَّرق، ومن ثمَّ جاء محمَّد الأوَّل عام ( 1413م ) واستطاع لمَّ شتات الدَّولة العثمانيَّة، والَّذي أحبَّه الشَّعب العثمانيَّ، ولقب بالجلبي ومعناه الشَّهامة والرُّجولة، واعترف المؤرِّخون الشَّرقيُّون واليونانيُّون بإنسانيته. وجاء بعده ابنه مراد الثَّاني عام (1421م) والَّذي امتلك صفات أبيه وكان محباً للجهاد وخاض معركة مع الملك المجري وتمكَّن من قتله نتيجة مبارزه معه وجاء بعده ابنه محمَّد الفاتح عام (1451م ) والَّذي استطاع فتح القسطنطينيَّة، وبعد محاولات كثيرة عام ( 1453م) وجاء من بعده ابنه بايزيد الثَّاني.

وكانت المنافسات والأطماع بين الدَّولتين الفارسيَّة والعثمانيَّة والَّذي استمرَّ بينهما لأكثر من قرنٍ،  وكانت بقاع الجزيرة ساحات لهذا العراك الطَّويل إلى سنة ( 1516م) وفيها ظفر الأتراك بالفرس، وتمَّ لهم الاستيلاء على منطقة الجزيرة  وبقيت  بأيدي الأتراك حتَّى نهاية الحرب العالميَّة الأولى أي أكثر من (400 سنة )، أمَّا في مناطق حلب فقد انهار المماليك فيها أمام العثمانيِّين في معركة مرج دابق عام (1516م )  وفتح الانتصار للعثمانيِّين في هذه المعركة لإخضاع بلاد الشَّام لسيطرتهم، وقُسِّمت  المنطقة وفق الأنظمة الإدارية العثمانيَّة، ولم تلقَ الدُّول العربيَّة الاهتمام المطلوب، وأدَّى ذلك إلى تدهور أوضاع البلاد، وكان سبب ذلك أنَّ السَّلاطين العثمانيِّين كان اهتمامهم بتوسيع نفوذ الدَّولة العثمانيَّة باتِّجاه الدُّول الأوربيَّة، وكان العثمانيُّون يعتمدون في إدارة شؤون الدَّولة على كلِّ المكونات إلَّا أنَّ العرب لم يلقوا الاهتمام من الدَّولة العثمانيَّة إلَّا بعد تراجع نفوذها الجغرافي.

فــدخل سليم الأوَّل دمشق بسهولة وقسَّم ســـوريَّة إلى ولايتين: هما ولايـة سوريَّا، وولاية حلب، ثمَّ استُحْدِثت عام (1520م) ولاية طرابلس الَّتي ضمت في سوريَّا، اللَّاذقيَّة،

وطرطوس وحمص وحماة والسَّلمية، واستحدث العثمانيُّون مطلع القرن السَّابعَ عشرَ  ولاية الرَّقَّة، لتظلَّ التَّقاسيم على حالها حتَّى نهاية القرن التَّاسعَ عشرَ حين أُتبِعَت حمص وحماة لولاية سوريَّا الَّتي فصل عنها سنجقا عكا ونابلس وضُما إلى ولاية بيروت كما استُحدِثت متصرَّفيَّة الزُّور عام ( 1904م ) كهيئة إدارية مرتبطة مباشرة بالباب العالي  بسبب الاضطرابات الَّتي كان يسبِّبها البدو.

وجاء من بعد سليم الأوَّل سليمان القانونيِّ، وسليم الثَّاني، ومراد الثَّالث، وتوالى السَّلاطين على الحكم إلى أنْ وصل السُّلطان عبد الحميد الثَّاني وفي عهده دخلت الدَّولة العثمانيَّة في حرب مع الرُّوس وانهزمت أمامها واستطاعت جمعية الاتِّحاد والتَّرقي أنْ تعزل السُّلطان عبد الحميد عن الحكم، وولوا أخاه محمَّد الخامس ( والَّذي عُرِف باسم محمَّد رشاد ) مكانه حتَّى قُبيل نهاية الحرب العالميَّة الأولى عام ( 1918م ) ثمَّ خلفه أخوه محمَّد السَّادس، واستطاع الانجليز واليهود أن يدفعوا بمصطفى كمال أتاتورك إلى زعامة الدَّولة العثمانيَّة، والَّذي سلخها من عقيدتها الإسلاميَّة.

 

 

السُّلطان العثمانيُّ عبد الحميد الثَّاني

وفي سنة ( 1913م) عقد الوطنيُّون العرب مؤتمراً في باريس، واتَّخذوا مقررات أكَّدوا فيها على رغبة العرب في الاحتفاظ بوحدة الدَّولة العثمانيَّة بشرط أن تعترف الحكومة بحقوقهم، كون العرب أكبر الشُّركاء في الدَّولة، وطالب هؤلاء أن تُحكم الأراضي العربيَّة حكمًا ذاتيًا وفق نظام اللَّامركزية، وقد وعد الاتحاديُّون الزُّعماء العرب الأحرار بقبول مطالبهم، لكنَّ ذلك لم يتحقَّق بفعل نشوب الحرب العالميَّة الأولى.

انطلقت شرارة الحرب الأولى في ( 28 يوليو-تمُّوز/عام 1914م ( عندما كان الأرشيدوق فرانز فردينا ند، ولِّي عهد العرش النِّمساويِّ المجري يقود سيارته في مدينة سراييفو في البوسنة الخاضعة للنمسا، فاغتاله أحد القوميين الصِّرب، فاعتبرت الامبراطوريَّة النِّمساوية المجرية صربيا مسؤولة عن هذا الاغتيال، فتدخلت روسيا لدعم صربيا.

وعـرفت الإمبراطوريـــة الألمانيـــة والإمبراطوريـــة النمســـاوية المجريـــة والدولــــــة العثمانيَّة  العثمانيــة ومملكة بلغاريا بدول المحور، أمَّا المملكــــةالمتـحدةالبريطـــانيةوإيرلندا، فرنسا والإمبراطوريةالرًّوسيَّة فقد عُرِفُوا بدول الحلفاء.

ونتيجة أحداث القتل بين الأرمن والعثمانيِّين عام ( 1895و1909م ) فقد اتَّجه الأرمن نحو الرُّوس ضد الأتراك العثمانيِّين وعبرت مجموعات من المتطوعين الحدود الشَّرقية لتركيا وتغلغلوا في الأناضول، وخرَّبوا البنية التَّحتيَّة فيها وقتلوا السُّكَّان، كما أخذ الأرمن الفارُّون من التَّجنيد في تركيا بتشكيل العصابات المسلَّحة في ديار بكر وسيواس ومرعش وقره حصار، وهاجموا الجيوش التُّركيَّة من الخلف، ونوقشت قضيتهم في اجتماع لمجلس الوزراء التُّركي في ( 15 حزيران عام 1915م ) وصدر بلاغ عقب الاجتماع تضمَّن ما يلي :  ( بما إنَّ الأرمن يأتون بأمور مخالفة للقوانين وينتهزون الفرص لإقلاق الحكومة وقد ظهر عندهم أسلحة وقد قتلوا المسلمين في وان وساعدوا الجيوش الرُّوسيَّة، ولماَّ كانت الحكومة بحال الحرب مع دول انكلترا وفرنسا وروسيَّا فخوفاً من أن يتصدَّى الأرمن لعمل شغب وثورة كعادتهم، فقد قررت الحكومة جمع جميع الأرمن وسوقهم لولايتي الموصل وسوريا وللواء دير الزور على أنْ تـكون أعراضهم وأموالـهم وأنفسـهم في أمان من اعتداء المعتدين وتسـلط المجرمين. وقد أعطيت الأوامــر اللَّازمة لإحضار أســـباب راحتهم ولإسكانهم في تلك البلاد إلى أن تضع الحرب أوزارها)[4].

كما جرت اتِّصالات سريَّة بين البريطانيِّين في مصر وشريف مكَّة حسين بن علي الهاشميِّ، وبعض الزُّعماء العرب، وتمَّ الاتِّفاق بين الفريقين على أن يثور العرب على الأتراك وينضمُّوا إلى الحلفاء مقابل وعد من هؤلاء بمنح العرب الاستقلال وإعادة الخلافة إليهم، وتنفيذاً لهذا الاتِّفاق أعلن شريف مكَّة حسين في يونيو سنة(1916م) الثَّورة العربية على الأتراك، فأخرجهم من الحجاز وأرسل قوَّاته شمالاً بقيادة ولديه فيصل وعبد الله لتشارك القوَّات البريطانيَّة في السَّيطرة على بلاد الشَّام.

كما انسحبت القوَّات التُّركيَّة وحلفاؤها الألمان من سوريَّة بعد الحرب العالميَّة الأولى سنة (1918م) بعد أن دخلت الجيوش البريطانيَّة للأراضي السُّوريَّة من الجنوب ووصلت حتَّى حلب شمالاً بقيادة الجنرال اللَّنبي قادماً من القدس، كما دخلت من الجنوب قوَّات الثَّورة العربيَّة في شتاء العام ذاته، بقيادة حسين. وبقيادة غير مباشرة من الضَّابط البريطانيِّ لورنس العرب. وطردت القوَّات التُّركيَّة من سورية بعد أن جرت آخر معركة لها في سوريَّة قرب حلب في منطقة سُمِّيت فيما بعد قبر الانكليزيِّ.

تُوفي السُّلطان محمَّد الخامس عام ( 1918م ) قبل أشهر من انتهاء الحرب، وخلفه أخوه محمَّد “وحيد الدِّين” السَّادس. وبعد مرور شهر على توقيع هدنة مودروس، دخلت البحريَّة البريطانيَّة والفرنسيَّة والإيطاليَّة ثمَّ الأمريكيَّة إلى القرن الذَّهبيِّ، وأنزلت قواتها في الآستانة. واحتلَّ الفرنسيُّون مرسين وأضنة، والإيطاليُّون أنطاكيَّة وكوشا داسي وقونيَّة، واحتلَّ اليونانيُّون القسم الغربيِّ من الأناضول، بالإضافة إلى تراقيَّا. كان ردُّ الفعل الدَّاخلي التُّركيِّ لاتفاق الهدنة سلبياً، فقد رفض الأتراك الخضوع للاحتلال والقبول بمشاريعه، فقامت ثورة وطنيَّة في جميع أنحاء البلاد احتضنتها الحركة الوطنيَّة بزعامة مصطفى كمال أتاتورك، والَّتي عُرفت باسمه”الحركة الكماليَّة”، لتواجه خضوع الحكومة لرغبات الحلفاء وتعاون السُّلطان محمَّد السَّادس مع المحتلين، ومحاولات اليونان توسيع المناطق الَّتي احتلتها، وازدياد الثَّورات الأرمنيَّة. وفي عام (1920م) فرضت معاهدة سيڤر على السُّلطان، والَّتي مزَّقت أوصال الدَّولة، ورفضتها الحكومة الكماليَّة، ووضعت مخططًا لإنقاذ تركيا بمعزل عن السُّلطان. وتمكَّن أتاتورك من استعادة الأراضي الَّتي احتلتها اليونان، وفرض على الحلفاء توقيع هدنة جديدة، وتنازل محمَّد السَّادس عن العرش عام ( 1922م ) واعتلى عرش السُّلطنة العثمانية، عبد المجيد الثَّاني، وبعد أن أصبح مصطفى كمال سيِّد الموقف، وقَّع معاهدة لوزان مع الحلفاء الَّتي تنازل بمقتضاها عن باقي الأراضي العثمانيَّة غير التُّركيَّة. ثمَّ ألغى الخلافة سنة ( 1924م ) وطرد عبد المجيد من البلاد.

وبهذا سقطت الدَّولة العثمانيَّة فعلياً بعد أن استمرَّت لماَّ يقرب من 600 سنة، وانهارت معها الخلافة الإسلاميَّة بعد أن استمرَّت مايقارب ألف سنة.

                _        _        _

 

[1]- المغول (التَّتار)بين الانتشار والانكسار علي محمد محمد الصَّلابي ص197.

[2]- (تاريخ الأيُّوبيِّين في مصر وبلاد الشَّام وإقليم الجزيرة – محمد سهيل طقوش –

المغول (التَّتار) بين الانتشار والانكسار علي محمد محمد الصَّلابي).

[3]- الدَّولة العثمانية وعوامل النُّهوض –  محمد محمد الصَّلابي ص55.

 

[4]- (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق) ص25 د. علي الوردي.

 

 

 

المعلومات مأخوذة من كتاب الجزيرة السورية بين الحقيقة والوهم 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *