البيت الديري.. في القصائد والعتابا والهدهدة والأغاني

إن كان الشعر الشعبي هو اللون الأدبي الأهم في التعبير عن دواخل الإنسان الفراتي وهواجسه، فإن البيت الفراتي بجدران “الحري والحجر” هو من أهم المفردات التي كان على الشعر أن يلم بها وتتكرر فيه، فتلك الجدران كانت تشارك من يسكنها كل ما يمر به من حالات حسية فهي تقاسمه لحظات الفرح كما تقاسمه لحظات الحزن.

 

وعن مكانة البيت وذكره في معظم ألوان الشعر الفراتي يقول أحد المثقفين: «ورد ذكر البيت في جميع ألوان الشعر الفراتي فالدار تذكر في الفخر وتصبح رمزاً للكرم مثلاً، وتذكر في نعي الميت عند غياب أهلها، كما تذكر في شعر “الهدهدة” عند إنامة الصغير، كما تذكر في الغزل لأن الدار مثوى من أحبهم الشاعر وهام بهم، ومن ذلك ما جاء في شعر “النعي” وهو الشعر الذي يقال للميت عند دفنه أو ذكره، فيتوجه الشاعر إليها بالخطاب مستفسراً عن الحال الذي ألمّ بها سائلاً عن أهلها:

 

“يهل البيت هويانه عراويه / طول العمر ما عاد يبنيه

 

يا بيتهم مجبي وشين / جفاهه البلى من طـلة الـبـين

 

يهل دار وين أهلج ما جوج /راحوا وخلوني وخلوج”.

 

وفي غناء “اللالا”:

 

“يالقاعد بصدر البيت عليتني وعليتك/ لأصبر على حكم الله إن جان ما خذيتك

 

يالقاعد بصدر البيت طولك رمح ياسايب/ خذيت عقلي مني يامجدوع الذوايب”.

 

وفي “الموليا”:

 

“مريت على بيتهم وإن الحمام ينوح/ هبهب نسام الهوا هيض علي جروح”.

 

وفي شعر “الهدهدة” وهو الشعر الذي يقال للطفل بنبرة خاصة والغاية منه إنامة الطفل:

 

“بنوا عرازيل وآني ما حجل لي دار/ ومن قلة المال مايعبر علينا جار

 

يادار وين الذي بعـمارتك يسعون/ أهل الدواوين بضيوف لفوا يسعون

 

جيت لدارهم لن اللوا وينــا / مغلقـة ما بـها غــيـر النساوينا”.

 

في المعادة: وهو الشعر الذي يقال عند وفاة شخص ما أو دفنه، وهنا تأخذ الدار وصف صاحبها فهي دار كرم ونخوة إلا أن العين الشريرة أصابتها فحلت بها الفجائع:

 

“شلنا وجيت أسايلج عالولف يادار/ حلالي بيت أبو محمد حلالي

 

كثيـر الروش يارخو الحـبالي/ تناوقت سودا الحـــثيرة بيتـهم

 

كبــــت مخاثرهم وطفت نارهـم”».

 

وعن وروده في شعر العتابا يقول أحد المثقفين: «تعد “العتابا” من أبرز ألوان الشعر الفراتي وأقربها إلى قلوب أبناء المنطقة ومنها شعر “عبد الله الفاضل” حيث إن له الكثير من القصائد التي تعبر عن حنينه إلى منازل أهله وفخره بها وبمن سكنها:

 

“هلي عز الرحيل وعز منزل/ ودوم إلهم على الدربين منزل

 

تهيمني رسوم الدار بيهم / وهذول لجنت أجيد عداي بيهم

 

ثلث حاجات مذكورات بيهم / المروة والمراجل والســـخا

 

جيت الدار خلي عام الـول / بجيت ودمع عـيني عامـلـول

 

يلو تـدري بحالي عمي يول /بجيت ولو دلـيـلـك من صـفـا”.

 

فغياب أهل الدار عنها جعلها مثوى للبوم والغربان وطرح التساؤل حول أسباب غيابهم بحيث لم يجد الشاعر ما يخفف من مصيبته سوى الشكوى لعيدان “الغرب” وهو الشجر المرتبط ببيوت الفرات وشواطئه:

 

“جيت لدارهم عند الغروباي/ لقيت البوم ينغط والغروباي

 

شكى طرفي لعودان الغروباي/ تقـول الدار بــأهلى رجــا

 

علامج توحشين الخدم يادار/ هلج كانوا خزاين مصر يادار

 

أشوف الفلك بالمقلوب يندار/ البومة صايـدة والحـــر غاب

 

أنا لأهدر هدير النحل بالدار/ ودمعي دور الطاحون بالدار

 

وحياتك ياقمر لا تضوي بهل دار/ جفني ماطبق وإنتم غياب”».

بقلم لمياء سليمان لموقع إي سيريا

 

شاهد أيضاً

(ألوان بلا عنوان).. حمام السوق بقلم سمير الحاج

قبل العيد بيوم أو يومين في فترة ما قبل السبعينات من القرن الماضي يتجهز الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *