دير العتيق.. أحداث الهدم مازالت تروى ليومنا هذا

تمتاز طريقة بناء بيوت “دير العتيق” بقيمتها الفنية والاجتماعية والاقتصادية، فضيق المكان جعل السكان يلتصقون ببعضهم بعضاً ما يزيد من الألفة والمودة فيما بينهم كأسرة واحدة.

 

إحدى مهندسات دير الزور قالت عن بناء الدير العتيق: «كان بناء بيوت دير العتيق دقيقاً جداً فالبيت صغير في حجمه ومساحته، كثير النوافذ وكثير الفتحات على الشارع وقلما تجد في البيت باحة، والغرف متداخل بعضها ببعض حيث تصعد من إحدى الغرف من خلال سلم إلى غرفة صغيرة تسمى “السهوة”، والغرف في البيوت لا تزيد على ثلاثة، لكنها من الممكن أن تكون أربعة للموسرين وهم قلة، ولكل غرفة عدد من النوافذ في الأعلى ليخرج الدخان منها وخاصة الديوان وغرفة المؤونة والتي هي أيضاً تستخدم كمطبخ، وكان هناك مكان مخصص للماشية والأحصنة وفي بعضها قن للدجاج وآخر للحمام على السطح».

 

وتضيف: «ومن يصعد إلى السطح يتمكن من أن يتنقل من بيت لآخر دون صعوبة لأنها متصلة ببعضها بعضاً ومتقاربة البناء والارتفاع، وهذا التقارب كان هدفه تخفيف تكلفة البناء على الأهالي، وأيضا حماية أنفسهم من أي اعتداء ما زاد الروابط الاجتماعية بين الأهالي، وكانت الشوارع ضيقة وملتوية كثيراً لا يزيد عرضها على متر أو مترين ونصف، وكانوا يستعملون الذراع لقياس الطول أو الخطوة، واغلب أزقة دير العتيق إذا وقفت بأولها لا ترى أكثر من مسافة عشرة أمتار عدا الشارع الرئيسي الذي يمتد من شرقي البلدة إلى غربها وطوله نحو خمسمئة متر فهو كثير الانحناءات، كما يوجد على الأسطح فتحات كان أهل دير العتيق يستعملونها في أوقات الحرب فمنها يضربون عدوهم بالرماح والأسهم والنشاب والحجارة».

 

وعن مواد البناء قالت: «كان يستعمل في بناء البيوت الحجر الرخام الأبيض أو حجر “الهداد” وهو تراب رخو متجمد، وكذلك كان يستعمل الجص الأسود “كملاط ” للبناء وهو التراب الأبيض المحروق بروث الحيوانات والخرق».

 

وعن موقع بيوت دير العتيق بالمدينة يحدثنا الأستاذ “إسماعيل العثمان”: «كانت بيوت دير العتيق تقع على تل اصطناعي مواجه لشاطئ النهر مباشرة وتمتد من شارع الجسرين “الجسر العتيق” إلى “ساحة الحدادة” ثم يتجه غرباً من شارع النهر “سوق الصاغة” حتى يصل إلى قصر البلدية “الإدارة المحلية” حيث يبلغ طوله من الشرق إلى الغرب نحو 500 متر وعرضه حوالي 70 متراً تلتصق بيوته الشرقية والشمالية بنهر الفرات وهو مطل على الجزيرة النهرية والتي تسمى “الحويقة”».

 

وعن زوال بيوت دير العتيق يشرح لنا الباحث “كمال الجاسر”: «في عام 1968 وفي عهد محافظ دير الزور السيد “اسعد صقر” أزيلت بيوت دير العتيق، وقد بنت الدولة لمن اخرج من هذه البيوت مساكن صحية في منطقة القصور الشمالية الغربية وهي تحمل اسم منطقة دير العتيق تخليداً له، وقامت الدولة بإقامة الأبنية الضخمة الواسعة بمكان تلك الأزقة الضيقة والبيوت المتراكمة، وهذه الأبنية هي “المجمع الحكومي”، و”القصر العدلي”، و”المجمع الاستهلاكي”، و”المركز الثقافي” مسرح الفراتي وفيها تمثاله، و”نقابة المعلمين”، و”نقابة المهندسين”، وبقيت زاوية دير العتيق الشرقية المطلة على الجسر العتيق على وضعها الحالي».

 

وتابع: «واذكر كيف كنا أنا وإخوتي وأبناء الجيران نتبارز في القفز من بيت لبيت في دير العتيق، فالبيوت متلاصقة وكثيراً ما كنا ننسى أنفسنا ونحن نتراكض فوق الأسطح لنصل إلى آخر بيت في دير العتيق، وكنا جميعاً نعرف بعضنا بعضاً».

بقلم رامي خطاط

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *