صالح الحمود.. ومسيرته الطويلة في صناعة دلال القهوة

بقلم سعد خليفة

إن فنجان القهوة الذي قد لا يزيد على بضع رشفات من شراب مر المذاق قد يكون سبباً في صفح أو صلح أو لإنهاء خصومات أو لفض منازعات أو لتجاوز عن ثأر أو للأخذ بالثأر

وهذا إن دل.. فإنه يدل على أن مشروب القهوة عند العرب له رمزية ومعانٍ كثيرة حتى يقال إن فنجان القهوة أنواع

((فنجان الضيف والكيف والسيف))

أما الشيء الذي تقدم به القهوة العربية هي (الدلة والفنجان) 

 

أما الدلة فأهل بلاد الشام المباركة هم أول من صنع الدلال وهم أول من أطلقوا عليها اسم الدلة وقد جاءت من الدلوة حيث كانوا يطلقون على دلو الماء دلوة ثم انتقلت صنعة الدلال مع اسمها الى العراق ثم الجزيرة العربية

ومدينة دير الزور من المدن ذات الصبغة العشائرية تلك العشائر التي ما زالت محافظة على التراث والعادات والتقاليد بالإضافة إلى أنهم  أهل جود و كرم،  فمن الطبيعي أن تجد فيها من يمارس مهنة صناعة الدلال ومن أهم وأقدم هؤلاء الصناع

هو صالح محمد الحمود والمعروف بـ (صالح النحاس)

 

ولد عام 1890 م وشارك في الحرب العالمية الأولى في جبهة البلقان في أوربا وعاد نهاية 1918م سليماً معافى

وعند عودته كان لفرار الأرمن ولجوئهم لمدينة دير الزور الأثر الطيب على هذه المدينة حيث كان فيهم الكثير من أصحاب المهن وكان للسيد صالح نصيب في أن يتعلم مهنة طرق النحاس وصناعة الأدوات النحاسية بكافة أنواعها وأشكالها على يد أحدهم إلى أن اختص في صناعة دلال القهوة

 

وقد كان أخاه عبد الله شرف.. السند والعون له في افتتاح ورشة ضمن منزل في الحميدية

فقد مارس السيد صالح رحمه الله صناعة طقم دلال القهوة المرة والذي هو عدة قطع يتم ضمنها (الطبخ ثم الترقيد ثم التصفية ثم تقديم القهوة)

 

حيث يتألف الطقم من عدة قطع إما من ٦ أو ٩ قطع وأكبرها يسمى الكمكوم والذي يجب أن تكون سعته تساوي بقية القطع وأصغرها يسمى مصب (دلة)

أما طريقة صنع طقم الدﻻل: تُقَص قطعة نحاسية بـ شكل دائرة لها جزء بـ شكل منقار الديك ستكون الـ بلبولة التي يُسكب منها القهوة

هذه القطعة تُحَمى على النار ثم تُطرَق 15مرحلة كل مرحلة لها سندان يختلف عن الذي قبله فعندها تأخذ شكل الدَلة ثم يُضاف لها الـ حامل(اليدة)  ثم الغِطاء بعدها الختم

حيث كان له ختم دائري (عمل صالح)يضعه على الجانب الأيسر العلوي تحت الغطاء

كذلك كان لديه خَلطة خاصة لـ تلحيم الأواني النحاسية وتُسَمى تلك العملية رَثِي

 

اختص السيد صالح رحمه الله بـ تصنيع طقم الـ دﻻل الـ كامل لذلك كان زبائنه من عَلِية اهل المدينة(الوجهاء) وشيوخ العشائر

حيث كانت القهوة المرة تُقَدم في كافة المناسبات الأفراح والأتراح لذلك على كل وجيه اوشيخ أن يحوي طقم دﻻل

ذاعت شهرته حيث كانت أطقم الدﻻل التي يصنعها تذهب داخل سوريا وخارجها في العراق والاردن والسعودية

بقي يعمل حتى بداية الستينيات حيث وجدت أواني الـ ألمنيوم (خليط من النحاس والرصاص) لذلك تراجعت مهنته

توفي السيد صالح الحمود عام 1973م وقد حاز على لقب صالح النحاس بعد أن ذاع صيته داخل دير الزور وخارجها

عمل معه أحد أوﻻده واسمه ( مخلف) وحين تراجعت المهنة اشتغل  في المنطقة الصناعية لـ خبرته في طرق المعدن ثم تعديله

و من ثم ليعود مرة أخرى لمهنته ومهنة أبيه في الثمانينيات  لـ تصنيع دﻻل القهوة المرة ولكن بـ شكل محدود

 

وأهم ما ميز السيد صالح رحمه الله

أولاً سعة ورشته حيث كان لديه اثنان من الكوران (موقد نار) واحدة للقطع الصغيرة والثانية للقطع الكبيرة وهذا انعكس ايجاباً على انتاج الدلال بمقاسات متعددة

أما الأمر الثاني هو من أميز من صنع الكمكوم على مستوى سوريا بأحجامه والذي قد يتسع إلى أكثر من عشرين لتر

الأمر الثالث الاهتمام بجودة المصنوع فلا يصنع دلالاً فردية التي يكون بيعها أسرع و ربحها أوفر بل استمر على نهج واحد في صناعة الطقم الكامل من دلال القهوة والتي كان لها زبائنها من داخل وخارج سوريا

شاهد أيضاً

(ألوان بلا عنوان).. حمام السوق بقلم سمير الحاج

قبل العيد بيوم أو يومين في فترة ما قبل السبعينات من القرن الماضي يتجهز الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *