العشارة – ترقا وحديث في تاريخها

مدينة العشارة مدينة وناحية سورية تابعة لمنطقة الميادين في محافظة دير الزور. وتقع على نهر الفرات في الضفة الغربية من النهر (الضفة الشامية) وتبعد حوالي 70كم عن الحدود العراقية السورية، ويعيش سكانها منذ القدم على الزراعة، إلا أنهم مؤخراً توجهوا للصناعة، والتجارة أيضا بحكم وقوعها بين قرى متعددة مما أدى إلى أن تصبح مدينة كبيرة بعد أن كانت مجرد قرية على نهر الفرات، ويقدر عدد سكان الناحية في عام 2004 حوالي 96,001 نسمة. سكانها من العرب ولا تعيش فيها أعراق أخرى مثل بقية المناطق السورية، والدين السائد هناك هو الدين الإسلامي على المذهب السني يبلغ عرض نهر الفرات في هذه المنطقة بين 400م إلى 500م

وفي العشارة مدينة أثرية هامة تقع فوق تل ترابي أثري ينحدر بشدة على السهل الفيضي لنهر الفرات، وتبعد 60كم جنوب شرق مدينة دير الزور 15 كم جنوب شرق مدينة الميادين.

والعشارة مدينة ترقا القديمة ذكرت في كثير من الوثائق الإبلوية والبابلية وأرشيف ماري.

أجرى فيها العالم الشهير تورو دانجان عام 1923م سبراً نشر نتائجه في مجلة syria. وبقيت أطلال ترقا دون مساس حتى استأنفت أعمال التنقيب بعثة أمريكية من جامعة لوس أنجلس برئاسة جورجيو بوتشيلاتي تنقب فيها منذ عام عام 1974م. ثم تولتها بعد ذلك بعثة فرنسية .

 

كانت مقاطعة هامة في الألف الثاني ق.م. تابعة لمملكة ماري واشتهر من حكامها آنذاك كبري دجن الذي أشاد العديد من معابدها، واستقرت فيها قبيلة عمورية تدعى خانا، ثم أصبحت مملكة مستقلة بعد تهديم ماري من قبل حمورابي وأصبحت صلاتها قوية مع بلاد الرافدين والمدن السورية الأخرى لم ينتهي الوجود العموري الذي ظهر في مملكة خانة العمورية ترقا (العشارة) التي بقيت على صلات مع ملوك يمحاض ( حلب ) وعلى العلاقات التجارية بينها أي (خانة العمورية) وبينهم أي يمحاض (حلب).

 

لذلك لا غرابة إذا قيل أن يمحاض وسيط بين ماري على الفرات وأغاريت على ساحل البحر. وأن يمحاض وسط بين خانة العمورية على الفرات وأوغاريت على الساحل السوري فما قيل عن ماري يمكن أن يقال عن ترقا (خانة) كونها قد أكملت الطريق والصلات التجارية التي كانت قائمة بينها وبين المماليك العمورية. وعلى وجه الخصوص يمحاض (حلب).

 

ومن المعروف أن ترقا كانت ذات أهمية بالغة في الألفين الثاني والأول ق.م. والجدير ذكره أنها حتى زمن اكتشاف أرشيف ماري كانت ترقا موقعاً يخرج منه أكبر عدد من الرقم الطينية التي أفادت في معرفة ثلاثة عشر ملكاً من ملوك مملكة خانا. ومعظم الرقم الطينية عثر عليها في معبد (نيني كراك).

 

لم تفقد (مملكة خانة العمورية ) (ترقا) العشارة أهميتها بعد زوال مملكة ماري على يد حمورابي وإنما برزت أهميتها من خلال صلاتها مع الممالك الآشورية التي كانت على الخابور واولها الصور (صوريوم) ثم دوركالتيمو (تل الشيخ حمد) ثم تل عجاجة (عربان) مشاديكاني فقد كانت (ترقا) المركز التجاري الهام الذي تنقل منه البضائع القادمة من حلب عبر الفرات وعبر تدمر من خلال سيطرة التدمريين على بادية الشام وسلوكهم طرق التجارة الموصلة إلى الفرات ومنه إلى الخليج العربي، ومن خلال صلاتهم مع (قطنة) تل المشرفة (حمص) ودمشق فنميزها من المدن والعواصم.

 

من خلال قراءة لتاريخ إيبلا و الإطلاع على الرقيمات التي اكتشفت بها ونتائجها فمن المعروف أن عدد الرقميات هو /17000/ رقم طيني مكتوبة باللغة الأكادية واللغة الإبلائية واللغة العربية القديمة كما أشار الفونسو أركي قاريء الخطوط بها وأن أغلب الرقيمات يتحدث وبإسهاب عن المبادلات التجارية بين ايبلا وماري وايبلا وترقا مملكة خانا العمورية وإبلا ومملكة حاتو وعوزانا الحثية وممالك الآشورين في بلاد الرافدين وبلاد الشام علماً أن ماتمت قراءته لايوازي حوالي 40% من الرقميات الموجودة والتي تم الكشف عنها من قبل البعثة الايطالية التي مارست عملها بدء من عام 1964 بقيادة الباحث باولو ماتيه.

 

نتائج الحفريات والتنقيب الذي تم ويتم في ترقا مملكة خانة العمورية ، لم يعطي الصورة الصحيحة عن دور هذه المملكة التي خلفت ماري في علاقاتها مع مملكة يمحاض حلب في نهاية الألف الثانية ق.م لذلك وجب الكشف عن نتائج الحفريات وطبع نتائج الدراسات الموجودة في متحف ديرالزور لتعريف العالم بترقا (العشارة) والتي أسهب البروفسور جورجيو بوتشيلاتي وزوجته مادلين بوتشيلاتي في الحديث عن ترقا ومكتشفاته بها تم العثور في موقع تل العشارة والمسمى ( ترقا ) حسب دائرة آثار دير الزورعلى أهم المكتشفات الأثرية المتمثلة برقم مسمارية تعود إلى عهد الملك الآموري ياديخ آبو وطبعات من اختام أسطوانية تتعلق بشخص يدعى بوزوروم والذي يعتبر أحد المتنفذين بالمدينة في تلك الفترة وقد جاءت من هذه المدينة أول لوحة كتابية مسمارية من أصل سوري وهي عبارة عن نص ذو محتوى عقاري يذكر مدينة ترقا . كما عثر فيها على العديد من المكتشفات الأثرية الهامة، منها؛ تمثال للملك الآشوري توكولتي نينورتا الثاني (888- 884 ق. م) موجود في متحف حلب.

 

وأن أعمال التنقيب تركزت على المنطقة المرتفعة من تل العشارة والمسمى القطاع ( c ) الذي يعد الحي السكني للمدينة بالإضافة إلى القطاع ( f ) الذي يعد الركن الإداري منها وسيتم العمل بهذا الموسم لاستكمال أعمال الكشف التي تمت في المواسم السابقة وخصوصاً في منطقة معبد( نيني كراك ) .‏ إضافة إلى سور المدينة الذي يعد أضخم سور معروف في سورية و يرجع تاريخه إلى مطلع الألف الثالث قبل الميلاد وستستمر أعمال البعثة في هذا الموقع .‏

 

كما ويذكر أن البعثة الأثرية السورية الفرنسية تقوم حالياً بالتنقيب في تل العشارة بموقع ( ترقا) ويترأس الجانب السوري الأستاذ ياسر الشوحان مدير الآثار والمتاحف بدير الزور أما الجانب الفرنسي فيترأسه البروفسور اوليڤييه رووه من جامعة ستراسبورگ وقد أجرى في هذا الموقع العالم الشهير تورو دانجان في عام 1920م أبحاث تاريخية كثيرة.

 

كما باشر العمل بالموقع العالم الأثري جورجيو بوشيولاتي عام 1975م .‏ بعدها توالت أعمال التنقيب البعثة الفرنسية عام 1986م, ولاتزال الأعمال جارية في الموقع بعد إشراك الجانب السوري في أعمال الحفريات0

 

 

ترقا

كانت تابعة لدولة لاقي الآرامية وقد عثر فيها على مسلة للملك الاشوري نيكولتي نينورنا الثاني 883-859ق.م نقش عليها نص قصير يتعلق بانتصاره على لاقي وقد ذكرت مدينة ترقا وتكتب بالالف الطويلة (ترقا) في كثير من الوثائق البابلية وقد حفرت فيها بعثة فرنسية بادارة العاملين جان ودورمي عام 1923م وبقيت اطلالها دون مساس حتى أعمال التنقيب في الموقع عام 1974 وتشير التحريات الاثرية ان مدينة ترقا كانت ذات اهمية بالغة في الالفين الثاني والأول قبل الميلاد.

 

لم تعرف المدينة السكنى قبل عام 3000 ق.م. الا انه وعلى بعد قليل من ترقا وفي موقع القورية تم العثور على مخلفات اثرية تعود الى الالف الرابعة ق.م وفي عصر اوروك وربما يكون الاستيطان الاول تم في هذا الموقع ثم امتد واتسع ليشمل السكن في ترقا ومنذ عام 3000 ق.م بدأت المدينة تحصن ذاتها وتبني سوراً ضخماً مشيداً باللبن المجفف والذي بلغ عرضه20 متراً واستمر استعمال هذا السور في فترة السلالات الاولى والثانية 2500 ق.م. وبقي مستعملاً ومجدداً حتى الالف الثانية ق.م مما يجعل اعتباره من اضخم الاثار المكتشفة في سورية في عصور ماقبل الميلاد وعندما زحف الملك سارغون وحفيده على المنطقة باتجاه داجان اصبحت المدينة تكنى بمدينة الاله داجان وعندما اجتاحت القبائل العمورية المنطقة كانت ماري تسيطر على المنطقة وتؤسس لنفسها مملكة قوية واصبحت ترقا واقعة تحت سيطرتها المباشرة. وفي الموقع من خلال الحفريات عثر على ختم يذكر اسم الملك الاشوري شمش حدد الذي كان مركزه تل ليزن الحالي والذي استطاع بفترة زمنية ان يسيطر على ماري ويعين ولده يسمخ حدد والياً على المنطقة وهذا دليل على وقوع ترقا لفترة تحت سيطرة الملوك الاشوريين كذلك عثر في الموقع على رسالة بعث بها الملك زمري-ليم المعاصر للملك حمورابي والرقيم المسماري الذي عثر عليه هتزفلد خلال رحلة للموقع يبين أن الملك الاشوري شمش قد اقترض اموالاً ليصرفها على بناء معبد الاله الكبير داجان في ترقا.

 

القبائل المحيطة

ومن القبائل العمورية التي سكنت المنطقة ابان حكم ماري قبيلة خانا ونسبة لهذه العشيرة اصبحت المنطقة قبل سقوط ماري على يد حمورابي تدعى مملكة خانا ومركزها ترقا، هذه المملكة كانت تقارب باتساعها مملكة ماري واصبح ملوكها يطلق عليهم ملوك خانا وكانت مملكة خانا تشمل منطقة الفرات الاوسط وكذلك الخابور الاوسط والجدير بالذكر ان اول رقيم مسماري يكتشف في سورية والذي نشرعام 1897 يتضمن اسم مملكة خانا. وفي زمن الملك البابلي سمسو قام ملك ترقا بالتمرد على بابل ويدعى يادخ وهو ثالث ملك من ملوك ترقا والذي سبقه في حكمها الملك يابه سمو لكن تمرده باء بالفشل وعندما اصاب الضعف السلالة البابلية في اواخر القرن الثامن عشر قبل الميلاد برزت ترقا كقوة في المنطقة واخذت تلعب الدور الذي كانت عليه مملكة ماري من قبل واصبحت احدى الممالك القوية في المشرق مع قدوم سلالة الكاشيين التي احتلت بلاد الرافدين حتى ان ملوك ترقا كانوا يسمون اسماء ملوك الكاشيين كما تم بناء معبد نينكراك في ترقا وقد تعاقب كل الملوك الذين حكموا في ترقا الا ان الرقم المسمارية والاختام التي عثر عليها اوضحت اسماء خمسة ملوك آخرين.

 

الفترة الزمنية

إن الفترة الممتدة من 1600-1000 ق.م. تعتبر فترة مظلمة في تاريخ الشرق القديم وكذلك لم تظهر الحفريات في طبقاتها في الموقع على شواهد تلك الفترة سوى بعض القبور ولربما تكون مخلفات واثار هذه الفترة في موقع اخر من هذه المدينة إلا أن المصادر التاريخية تعود لتلقي الضوء على الفترات اللاحقة الممتدة من 1000-700ق.م ومن خلال حوليات الملوك الاشوريين الذين يذكرون زحفهم على منطقة الفرات ووصولهم الى سيرتو وهي الاسم الجديد لـ ترقا القديمة وفي هذه الفترة الزمنية قدم للمنطقة الاراميون وسكنوا فيها واخذت تعرف باسم منطقة لاقي وقد اضطر الاراميون الى دفع الجزية للملوك الاشوريين ونجد اثار الاراميين واضحة على النصب البازلتي الذي اكتشف في ترقا والذي يدل على اسلوب النحت الارامي الذي نقارنه بآثار تل حلف وما نحت الملك الاشوري نيتورتا الثاني على هذا النصب الا دلالة واضحة لوقوع هذه المنطقة في القرن التاسع ق.م للسلطة الاشورية.

 

لم نجد في ترقا أثاراً تدل على السكن في العهود اليونانية والرومانية ويبدو ان الموقع هجر في اواخر القرن الثامن ق.م ولم يشهد الاستيطان سوى في الدولة العربية الاسلامية وبالعصر الأيوبي حيث تم العثور على الفخار الاسلامي وبعض البيوت البسيطة وعلى الافران التي كان يوضع فيها الفخار.

 

ترقا، حوالي 1770 ق.م.

 

لوح مسماري من زمري-ليم، ملك ماري، يتعلق ببناء مبرد للماء في ترقا، حوالي سنة 1780 ق.م.، في اللوڤر.

 

 

المصدر: ويكيبيديا 

شاهد أيضاً

“قهاوي” الدير.. لكل قهوة روّادها واختصاصها

تنتشر في “دير الزور” عدد من المقاهي الشعبية أخذت أسماء كثيرة مثل “الجرداق” و”غبيني” و”الحمام” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *