رحلة الحج من دير الزور على الجمال

لم يسبق لأحد أن قام بتوثيق رحلات الحج القديمة بدير الزور، ومع الأسف لم يكتب أحد عن هذه الطقوس رغم أهميتها، شأنها شأن الكثير عن ماضي مدينة دير الزور الذي لم يؤرخ وبدأ الناس يبحثون عن أحد يخبرهم حقيقة هذا الأمر أو عدمه.

(صور توضيحية ليست لديرالزور)

ويقول عباس مهجع إن مدينة دير الزور تعاني من شح كبير في مجال الجمع التراثي التاريخي لكل ما يخص تاريخها، مضيفاً أن التاريخ الموثق مع كل ما فيه من حقيقة إلا أن التزوير يشوبه في بعض الأحيان.

يقول الدكتور سعيد المرزوق جول رحلة والدهم إلى الحج.. إنه الحاج عبد الحميد المرزوق قد ذهب للحج على زمن قوافل الجمال، وذلك في سنة 1932 أو 1933.

وأوضح أن تحضيرات رحلة الحج تبدأ قبل موعد الحج بشهر ونصف تقريبا، ومن أهم تجهيزات الحاج هو الكفن، وتجهيز كفن الحاج هو من أساسيات التجهيزات فالمخاطر كثيرة و الدرب بعيد والظروف الصحية و المعاناة قديما، صعبة جداً، واللباس الشخصي كاملاً ابتداء من لباس الإحرام، بالإضافة إلى تجهيز أطعمة الترحال البعيد وكان يجب أن تتوافر فيها شروط وأهمها ألا تفسد على مدى الشهور التي تستغرقها رحلة الحج، وأهمها (الكليجة) و(القسماط) وهو نوع كعك كان مستخدما في تلك الفترة، وهذه المأكولات تقيتهم وتغذيهم ولاسيما أنها تحتوي على مواد غذائية وسكريات.

كان الحج في تلك الفترة يحتاج إلى جواز سفر، وقال الدكتور سعيد عن ذلك إن والده رحمه الله كان جوازه قديماً ومحفوظاً بعلبة معدنية صغيرة خاصة به.

لم يكن الحجاج في تلك الفترة من فئة الكبار بالسن، بل على العكس تماماً كان من الواجب أن يكونوا شباباً قادرين على تحمل مشقة السير، وكان معظم الحجيج أرواحهم تتراوح بين الثلاثين والخمسين وهي ليست قاعدة طبعاً وإنما لها استثناءات.

يتوجه الحجيج من دير الزور إلى العراق أولاً.. لتبدأ الرحلة مع (المحمَل العراقي) وكان الانتقال يتم عبر الأطواف النهرية عبر نهر الفرات – وكنا قد تحدثنا قبل هذه المرة في موقع هنا دير الزور عن (الطوف) النهري-  إلى  أن يصل الحجيج إلى عانا وراوة في العراق حيث يبدا الاجتماع والتحضير للمسير إلى بيت الله الحرام، حيث يقوم الحاج بشراء أو استئجار الجمل أو الناقة من هناك، وتتجهز القافلة بمجموعة “مطوّفين”، و دلّالين يعرفون الطريق جيدا ، و لهم خبرتهم في الطرق الصحراوية المؤدية الى بيت الله الحرام، ويعرفون مواضع المياه و الآبار، و بعضهم يعرف أماكن الجبوب المخزِنة للماء تحت الأرض ، و ذلك بحسب خبرتهم بالأرض و البادية بشكل عام .

كان المسير ليلاً والاستراحة طوال النهار وفق ماذكر الدكتور سعيد مرزوك وشقيقه للأخ عباس مهجع، وكانوا يهتدون بالنجوم ويرشدون القافلة للوجهة بواسطتها، مضيفاً أن مدة المسير من دير الزور إلى مكة المكرمة ذهاباً وإياباً كانت تبلغ أربعة أشهر.

القائمون على قافلة الحجيج (مطوفين – مرافقين – دلالين – طباخين ) لهم جمالهم الخاصة ويقومون بشراء السمن و الخراف و الرز و البرغل، و ذلك للطبخ على الطريق، بحيث يذبحون من الذبائح كلما عبروا مسافة .

وترافق القافلة جمال خاصة بنقل وحمل الماء فقط، لأن أصعب ما كان الحجاج يواجهونه ويعانون منه، هو فقد الماء، خصوصا بعد دخولهم الصحراء العربية، ولاسيما مع طول الطريق وصعوبة السير فيه، ويذكر الحجاج في رحلاتهم أنهم كثيراً ما انقطعوا من الماء ما يهدد حياتهم بخطر الموت عطشاَ.

طريق العودة يكون بعكس الخطوات وبنفس الطريق والطريقة وأجرة المطوفين و الطباخين و المرافقين للقافلة ، يأخذونها بالليرة الذهبية،  و لم يتذكر الدكتور سعيد تفصيلا كم ليرة ذهبية كانت الأجرة.

عند وصول الحاج الى بلده و داره بخير و سلام، تقام الولائم و تذبح الذبائح فرحاً بوصوله بالسلامة ، و هو من يعزم الناس حينها لبيته، والجمل او الناقة الخاصة بالحاج، عند عودته من الحج إما أن يبيعها إذا كان بحاجة أو أن يذبحها ويوزع لحمها في سبيل الله على الفقراء المحتاجين .

ومن هنا جاء المثل الديري ( جزا ناقة الحج الذبح)

 

ملاحظة: الصور تعبيرية وليست لمحافظة دير الزور

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *