جلسة في ظل إبداع.. فواز قادري

وأنت تغادر لا تنس قراءة أناشيد ميونخ المؤجلة كي تتزود بروح عذبة كروح منشدها الشاعر المبدع فواز قادري .. الذي تخطى حواجز الصمت ونظم الشعر كمن ينحت في صخر الغربة.. حنينه لفرات كان حبيبه ضيفنا اليوم مميز ويعرف التعامل مع القلوب إذ يحمل كلمة سر الدخول إلى قلوب جميع من يقرأ شعره لم يسمع به الكثير من أبناء دير الزور.. وذلك لأنه وقع في مصيدة تهميش الدير والديريين .. ولكنّ نجمه سطع في سماء الغربة فأصدر رائعته “أناشيد ميونخ المؤجلة.

 

1ــ  طفولتك هي أحد أهم الروافد الثقافية والحياتية التي أغنت انتاجك الشعري وأثرت في وعيك الإنساني والثقافي ..هل لك أن تحدثنا عن ذلك.

 

 الطفولة حبل السّرة السرّي مع الحياة، النبع الأخرس الذي يمشي معك دون أن تحسّ، تتفاجأ في المنعطفات بتأثيره على طعم حياتك، تضع يدك في يده حتى تبقى جميلاً ومعافى الروح وحتى تتأكّد أنك على قيد العيش.

 

هذه العلاقة تصبح أكثر رهافة وجمالاً عندما تكون على علاقة حميميّة مع الإبداع.

هذا بالمفهوم العام، وعلى صعيد تجربتي الشخصية الملتبسة والتي قليلاً ما تتكرر، رغم تشابهها مع تجارب الآخرين، من رعب الأبجدية الغريبة على طفل بسن العاشرة وانتقاله إلى الشعر، من التعرّف على ثعلبيّة الحياة والشقاء إلى الشقاوة والتمرّد، من اكتشافات الفطرة والتجارب، إلى تعلّم الحرف المراوغ خارج المدرسة، من العمل الذي يرهق روح الصغير، إلى المعنى الموارب، من حياة لا تمنح إلّا القليل من المسرّات كان يخلقها الصغير من العدم، كساحر ماهر، في الوقت الذي كان كل ما يحيط به يدفعه إلى الانكماش والتقوقع.. راح الولد يتسّع ويتعلّم، ولكن بالمقابل، ما خسره ربح الأثمن منه، أتيح له في هذه المعمعة والحرمان، التعرف على فنانين وأدباء وشعراء وسياسيين مهمّين في هذه المدين النائية والمهملة، من خلال نادي الفنون وخارج نادي الفنون، تعرف على أصدقاء معلّمه في العمل “أحمد كرماني” زهير الفراتي وآخرين، وخارج النادي، تعرف على خالد خضيري الشاعر وطالب الآداب الجامعي، وناجي حطاب ومكتبته العامرة بالكتب، أصدقاء طفولته: بهير عاني، مؤيّد، إسماعيل الصالح، عبد الحي عريب، وسواهم، من هنا كان مدخله إلى الشعر والثقافة، ومن هنا عرف أن الرأس والعيون للمعرفة والحب وليس للبكاء.

 

 ٢ــ ماهي العوامل التي دفعتك لتختار الشعر وبالتحديد قصيدة النثر كأداة للتعبير والتغيير على الصعيدين الإنساني والجمالي..؟

 

الانتقال من شكل شعري إلى آخر عادة لا يكون خياراً فردياً مفاجئاً

الخيار لم يكن سهلاً، ولكنّي كنت ميّالاً إلى الحرّيّة من خلال قراءاتي المتنوّعة خارج المناهج المدرسية ذات الأفق المحدود، قرأت  الكثير من الشعر الجاهلي إلى الشعر العالمي المترجم، هذا التنوّع الثري جاء متلازماً مع تعلّمي للقراءة، واكتشافي لجماليات الشعر وتأثيره على روح الفتى التوّاقة إلى الجمال والحب.

الانتقال من شكل شعري إلى آخر عادة لا يكون خياراً فردياً مفاجئاً، (إلّا في الطفرات) على أهمّية العامل الذاتي الحاسم والخلّاق، بل يكون نتيجة لتراكم معرفي وجمالي، وتأثيرات متعددة تخلخل جمود المفاهيم إلى أن تصل لحظة الذروة فيحصل تغيّر جذري، التأثيرات كانت كثيرة؛ رغم وصولها المتأخّر

إلى “دير الزور” التصدّعات في بنية القصيدة إضافة إلى ما حصل من تطوّر على مفهوم الشعر وتجاوز قصيدة الشطرين إلى “قصيدة التفعيلة” طوفان كان لا بدّ أن يخلخل هذه قصيدة المطمئنة والمستوية على عرشها لقرون. لحسن الحظ، هذا ترافق مع وجود الكثير من المواهب المميّزة، وأسماء كانت ذات تأثير في مسيرة وكتابة قصيدة نثر تحاول الخروج من نمطيّة المنجز وسطوة بعض الأسماء الكبيرة، استمرّت هذه المواهب في البحث وكتابة منجزها الشخصي من قصيدة نثر غير نمطيّة: درغام سفان، يوسف عبود، بشير عاني، فواز قادري، وكان فاروق الحميد قد سبق الجميع بكتابة قصيدة النثر رغم مراوحته عند المنجز منها، البعض من هذه الأسماء لم يقطع علاقته مع الشعر الموزون، والبعض لم يكتب قصيدة النثر رغم موهبته، ورغم أنه جزء أساسي من الحراك الشعري في المدينة: تميم صائب، إبراهيم اللجي، أسماعيل الخلف وآخرين لا أذكر أسماءهم. وهناك جيل لاحق كان يحاول أن يطوّر تجربته، مثل إسماعيل الرفاعي الفنان والشاعر الجميل، والشعراء الجيدين محمد حداد، عبد الناصر حداد، فؤاد الأحمد، إبراهيم الجبين، رياض النوري، وقيس صقر‘ عقبة نظام الدين، سميرة بدران، هنادي كدو. للأسف غيابي الطويل لم يتح لي معرف غير من ذكرت، مع اعتذاري من الذي لم أذكرهن وأذكرهم. للأسف الجيل القديم من شعراء المدينة لم يتجاوز الفهم التقليدي للشعر.. العامودي أو التفعيلة التي تجرّ بتثاقل أوزانها خلفها!

 

٣ ــ من المعروف أنك كنت من أوائل من كتبوا قصيدة النثر في دير الزور ولقد عانيت مع بعض مجايليك من الشعراء الشباب الكثير لتكريس هذا الشكل الشعري إبداعاً ونقداً.. هل لك أن تحدثنا عن تلك المرحلة

 

لا شك كنا محظوظين بتواجدنا معاً، مواهب شعرية كبيرة كتبت قصيدة النثر في دير الزور، شعراء كتبوا قصيدة نثر مميّزة، ولكنّهم لم ينالوا القليل من حقهم

والأسئلة التي طرحتها المرحلة علينا، أسئلة إبداعية كثيرة،

 هذا ما حفّزنا إلى عدم الوقوع في مصيدة التشابه وتكرار منجز شعراء قصيدة النثر في سورية أو خارجها.

لا شك أننا عانينا من شعراء المدينة الذين لم يعترفوا بشعريّة قصيدة النثر، كانوا متمترسين عند مفاهيم تجاوزها التطوّر الذي حصل على مفهوم الشعر المكتوب بالعربية، ناهيك عن الشعر العالمي الذي قفز إلى فضاء آخر، منذ أكثر من مئة عام.

كتبتُ قصيدة نثر حزينة بفرح، كانت لها أجراس وكرنفالات لا تنتهي، قصيدة حسناء تجرّك من قلبك إلى فداحة العشق.

للأسفـ، الأجمل الذي انكتب في هذه المرحلة، تعرقلت طباعته وضاع نتيجة غيابي الطويل!

 

 

 4 ــ انتقلت للعيش في ألمانيا منذ أكثر من عشرين سنة.. ماذا تعني هذه المرحلة لفواز قادري على صعيد التجربة الشعرية

 

سورية  مرحلة مهمة وتعني لي الكثير.. هي حياتي التي كوّنت فواز قادري، حيث الولادة والبدايات وهويّة الشاعر التي تشكّل منها الكثير، التجربة والسياسة وصياغة الروح وهيمنة المكان.

وهنا في ألمانيا القسم المهم الذي رسّخ وعمّق التجربة

هناك كتبتُ الشعر بوقت مبكر.. اخترتُ قصيدة النثر كونها الأكثر قدرة واستيعاباً لتطوّرات الحياة، وأكثر استجابة لذبذبات روحي الصاغبة وصارت خياري الإبداعي مبكراً

نشاطي في سورية كان معقولاً رغم التضييق والمتابعة الأمنية الدائمة، أقمت العديد من الأمسيات في الكثير من المدن.

طبعت كتابين نتيجة التضييق الشديد على الكتّاب المعارضين الغير مصفّقين. المخطوطات الأخرى نامت في الأدراج، ولم أستطع نشرها إلى أن خرجت من البلد مضطّراً بسبب الوضع الأمني ومصادرة الحريات.

هنا اتسع الأفق وصارت القصيدة مرنة والكلمات أكثر طواعية،

حدثت طفرة عل بنية قصيدة النثر عندي، وحصلت نقلة كبيرة بتجربتي لم يتح لي الوقت لقراءتها كما يجب، في غياب النقد لجيلنا المسكين وتفشّي خسائر الشعر بالمجاملات القاتلة!

 

٥ – البعض يرى أنك تأثرت بالشاعر الأمريكي والت ويتمان من خلال ديوانه الشهير “أوراق العشب”.. إلى أي مدى يصح هذا القول ..وهل من مؤثرات أخرى..؟

 

هذا صحيح بمعنى ما، تأثري كان في مرحلة البدايات، الشاعر الأمريكي مارس تأثيراً على لغتي بعوالمه ومناخاته وسلاستها وبناء قصيدته، أي شاعر ثري بما لا يشبه الآخرين، يفتح لي سماواته بخفقة جناح ولمعة برق، ولكني لن أتوقّف عنده طويلاً، أتوغّل في كل تجربة مميزة بشهيّة عاشق أتأمّل ما يثيرني، أدخل وأبحث وأنا حذر من أن يلتصق شيء منه في تجربتي، أدخل وأخرج دون أن أنسى شيئاً مني، ودون أن يلتصق عطره على جلدي.

 

٦-كشاعر.. هو الآن في أوج عطائه الشعري.. كيف تنظر لهذه المسيرة الحافلة.. وماهي الآفاق الجديدة التي تنشد الوصول إليها…؟

 

ما زلتُ على قلق الإبداع، أكتب القصيدة وأنا ممتلئ بها، عشق دون أن يدخل شريك بيننا إلّا من ينهمر علينا بفائض الحب، دائما هناك ما هو جديد في القصيدة، لم أعد ألقي عليها شباكي ولا أحفر لها الشراك، لا أتربّص به ولا أدعوها كما كنت أفعل من قبل، بكل بساطة أعيشها الآن، أتنفسها وأزفر مهرجاناً من الكلمات.. هكذا نصير أنا والقصيدة في رحم واحد، قابلين في كل وقت للولادة من جديد، نتجدد بقدر ما نحتاج لنكون أجمل!

 

 

وعلى هامش اللقاء أطلب منك تعريفاً صغيراً بنفسك ونتاجاتك

الأدبية وصور لك.

 

تعريف

فواز قادري

نشرت في العديد من المجلات والجرائد المعروفة

وفي الكثير من المواقع الإلكترونية..

حصلتُ على جائزة حامد بدرخان للشعراء السوريين في الخارج.

جائزة حصل عليها عدد من الشعراء السوريين

منذر مصري

علي كنعان

فواز قادري 

فرج بيرقدار 

 

 

 

 

الكتب المنشورة:

 

  1. وعول الدم
  2. بصمات جديدة لأصابع المطر

طبعا في سورية

 

  1. لا يكفي الذي يكفي. دار شمس.. مصر
  2. نهر بضفة واحدة.. دار التلاقي. مصر
  3. لم تأت الطيور كما وعدتكِ. دار الغاوون.. لبنان
  4. في الهواء الطلق. الغاوون لبنان
  5. قيامة الدم السوري. دار نون الأمارات
  6. أزهار القيامة. دار الحضارة. مصر
  7. كتاب النشور. الحضارة. مصر
  8. مزامير العشق والثورة. دار ألف ليلة وليلة. مصر
  9. شرفات. دار أوراق مصر
  10. أناشيد ميونيخ المؤجّلة
  11. تفتّح قرنفل في ليل شعرها، مختارات شعرية إلى الألمانية.

 

 

شاهد أيضاً

لقاء متفوقة.. الطالبة كاذي أيهم الرداوي

الاسم والشهرة كاذي أيهم الرداوي   المواليد 2007   المدرسة ثانوية المتفوقين   لمن تهدين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *