المُدُنُ وَالبَلْدَاتُ فِي الحَسَكَةِ (فصل من كتاب)

البَنْدُ الأوَّلُ -القَامُشْلِيُّ:

قيل عن القامشلي الكثير، فمنهم من قال إنَّ كلمة القامشليِّ هي مشتقَّة من اللُّغة التُّركيَّة (قاميش) وتعني بالعربي أم القصب وهي نبتة القصب الَّتي كانت تنبت على ضفاف نهر الجغجغ، وقيل هي تحريف لكلمة كوموشي السِّريانيَّة والَّتي تعني الجواميس لكثرة الجواميس الَّتي كانت تربى في مياه ومستنقعات المنطقة.

أمَّا الدُّكتور محمَّد بهجت القبيسيُّ فقد قال عن القامشليِّ: ((القامشلي: اسم عربي بلهجة يمانية، وهو اسم طبيعي: (قمش) تعني (جمع) أمَّا اللَّاحقة لي: فهي ليست تركيَّة كما يدعي البعض بل هي عربية يمانية بدليل اسم:

أ- أبو عليٍّ الحراليُّ، وهو فقيه لغوي كان في القرن الثّاني عشر الميلادي.

ب- وكذلك اسم آل المهدليِّ: وهي عائلة يمانية حكمت القرن الإفريقي أيضاً في القرن الثّاني عشر الميلادي.

فكلا اللاحقتين كانتا في القرن الثّاني عشر الميلادي بينما دخول الأتراك العثمانيِّين إلى المنطقة العربية كان في القرن السَّادس عشر الميلادي) ١٥١٦م (وكما يقول المثل العامي (جحا أكبر أم ابنه). هذا من ناحية اللَّاحقة، وأمَّا معنى الاسم فهي تعني البلد الجامع ( الَّتي جمَعت الكثير من الأجناس والأديان فيها )، ففيها: المسيحي، والمسلم، واليهودي. وفيها: العربيُّ بكافّة فئاته، والكرديُّ، والتُّركيُّ. وفي الستِّينيَّات من القرن الماضي كانت تُسمى القامشلي باريز سوريا.

وقمش في اللُّغة تعني: (جمع)، وفي علم الدلالة فإن القماش مجموع من خيوط (السُّدى واللُّحمة).

وعودة على اسم القامشليِّ، فقد ظنَّ بعض الأكراد أنَّ قلب الياء إلى واو في قامشلي = قامشلو فستصبح بهذه اللَّاحقة كرديَّة. لكنِّي أودُّ أذكر إنَّ هذه اللَّاحقة /الواو/ هي عربيَّة أشوريَّة /سريانيَّة / تأثر بها الأكراد حين وفادتهم من قبل العرب السِّريان. كما أودُّ أنْ أذكر وخروجاً عن الموضوع أنَّ هناك مدرسة في حلب اسمها /مدرسة بني تغلب للسِّريان الأرثوذوكس وأكثر السِّريان هم من طيء ومن تغلب.)) [1]

وسمِّيت قبلاً قضاء (قيرو) ومحلَّها القديم كان يُطلق عليه اسم (ظهر الخزنة). وقد سمِّيت القامشلي لأنَّها بنيت على مزرعة كانت تدعى بهذا الاسم كانت فيما مضى من الأزمان كروماً وبساتين لأغنياء نصيبين وملَّاكيها ومنهم قائم مقام نصيبين عبد القادر حاج بك والَّذي مازال أحد أحياء القامشلي بإسمه (حي قدور بك ).

ويقول المطران جورج ها فوري رئيس أساقفة أبرشية الحسكة ونصيبين للسِّريان الكاثوليك في الجزيرة والفراتان (القامشلي ونصيبين لا يفصل بينهم إلَّا بضع دقائق سيراً على الأقدام بدءاً من القشلة (الثَّكنة) العسكرية المطلَّة على نصيبين وقد سُمِّيت بداية باسم نصيبين الجديدة غير أن الرَّسائل البريدية تذهب سهواً على مدينة نصيبين فتحدث بلبلة). قبل عام (1925م ) لم تكن القامشلي موجودة، وكلُّ ما كان في موقعها الحالي وجواره تجمعات من البدو الَّذين كانوا يرعون أغنامهم بمحيطها ويستخدمون مياه الجغجغ لإرواء قطعانهم ومن هذه القبائل الحريث برئاسة حسين المقطف، وفي عام (1923م ) تغلغل النُّفوذ السُّوريُّ نحو الشِّمال الشَّرقيِّ, فأحدث قضاء بياندور وهي (( قرية تقع شرقيَّ القامشلي وكان فيها حاميَّة عسكرية بقيادة الكابتن الفرنسيِّ (روكان) والَّذي قامت ثوره ضدَّه في تلك المنطقة عرفت باسم ثورة بياندور وقتل فيها هذا الكابتن، ولم تدم طويلاً وبنفس العام تسرَّبت من وراء الحدود التُّركيَّة عصابات قوَّية منظَّمة وفتكت بالحاميَّة وشتَّت الباقين)).

وفي عام ( 1925م ) خرجت حملة عسكريَّة من الحسكة واستقرَّت في قبور البيض وجعلت مركزها في موقع تلِّ قيرو,وهو قريب من منطقة حلوة وأسَّسوا هناك قضاء أطلقوا عليه قضاء كرو ثمَّ ظهر أنَّ الموقع غير ملائم فنقل إلى موقع القامشليِّ وأحدثت الحكومة قضاء القامشليِّ بدلاً عن قضاء بياندور.

وكانت هذه البقعة بريَّة قفراء، وكان أوَّل بناء في القامشلي هو طاحونة وبيت ( قدور بك) أحد وجهاء وقائمقام مدينة نصيبين ونصبت الحاميَّة الفرنسيَّة خياماً مكان السِّجن الحالي ومن ثمَّ بنو ثكنة سُمِّيت فيما بعد ثكنة الحجَّاج بن يوسف الثَّقفي في الجهة الشِّمالية فوق تلَّة قليلة الارتفاع يعتقد أنَّها كانت مقبرة لموتى العائلات المالكة في نصيبين وكانت تُسمَّى الخزنة. وقدم إليها السِّريان من القُرى المجاورة ومن طور عابدين وماردين وأمد /ديار بكر/ على إثر المجازر الَّتي ارتكبها الأتراك. وقد تجمَّعوا في البداية تحت الخيم بالقرب من الحاميَّة الفرنسيَّة، ومن ثمَّ وجدت بضعة البيوت مبنية من اللِّبن التُّرابي اشتراها أصحابها من الشِّيخ حسين المقطف وسُمِّي فيما بعد ( بحيِّ البشيريَّة ) ثمَّ سكن داؤود حدَّاد غرب نهر الجغجغ وجاء بعده الخطيب ثمَّ آل كوزي وكنجو. وفي عام ( 1929م ) انفصلت القامشلي عن نصيبين وصارت قائمقاميَّة مستقلة.

وكان النَّاس يتعاطون البيع والشِّراء وبعض المهن اليدوية، ومن ثمَّ وضع مخطط المدينة المهندس اليوناني /كارالمبو/ الَّذي قدم مع الألمان لمد سكة حديد قطار الشَّرق السَّريع والَّذي يصل بين برلين وبغداد وبدؤُوا يمدُّون الخطَّ عام (1915 حتَّى 1918م ) ووصلوا إلى مدينة نصيبين وكمَّله الفرنسيُّون إلى تلِّ كوجك وبغداد وكان سكَّان القامشليِّ يذهبون إلى نصيبين في تركيا للرُّكوب في قطار الشَّرق السَّريع إلى أن أصبح للقامشليِّ محطَّة قطار ( 1939م ) سُمِّيت محطَّة ( تل زيوان ).

وخطَّط هذا المهندس شوارع المدينة بشكل مستقيم وعريض على غرار مخطط باريس بفرنسا ثمَّ وزِّعت أراضي البناء مجاناً على السُّكَّان. وكان أوَّل رئيس بلدية في القامشليِّ هو إلياس ترزي باشي عام ( 1928م ) وجاء بعده ميشيل الدُّوم والَّذي كان المترجم المرافق للملازم تيريه قائد القوَّات الفرنسيَّة بهذه المنطقة[2].

وفي عام ( 1926م ) أقيم بناء أوَّل جامع في المدينة وكان في عهد سماحة الشَّيخ أحمد الزَّفتكي وكان هو الفقيه لمحافظة الحسكة، وبنيت فيها الكنائس ومن أهم الكنائس في القامشلي:

1- كنيسةماريعقوب النصيبيني للسريان الأرثوذكس وبنيت عام 1927م.

2- كنيسة القديسين مار بطرس وبولس للسريان الكاثوليك ( 1928م).

3- كنيسة مار يعقوب للكلدان الكاثوليك  (1931م ).

4- الكنيسة الإنجيلية الوطنية  (1934م ).

5- كنيسة الأرمن الكاثوليك ( 1938م ).

6-كنيسة مار افرام الشرقية القديمة للآشوريين الآشوريين (1940م).

7- كنيسة الأرمن الأرثوذوكس ( 1943م ).

وفي عام (1931م ) افتتحت وزارة المعارف ( التَّربية والتَّعليم) مدرسة رسميَّة في القامشلي وتواجد فيها خمسةٌ وعشرون تلميذاً في البدء… كما في عام (1943م ) أصبح للمدرسة فوجاً كشفيّاً بأدوات موسيقيَّة بإدارة الأستاذ محمود حمصي …. وقبيل عام (1940م ) افتتحت مديريَّة التَّربية مدرسة للإناث في القامشلي وكانت المديرة فيها السَّيِّدة فيكتوريا حدَّاد[3].   كما تأسَّـــس الكشـــَّاف السِّرياني  عام (1929م ) عندما كان المعلم في مدرســـة السِّـــريان الأرثوذكس الابتدائيَّة كبرئيل الحائك قد شكَّل نواة للكشَّاف السِّريانيِّ. واستمرَّ هذا الفوج في التَّقدُّم إلى أن وصل عدد أفراده 450 فرداً في أوائل السِّتينات بقيادة أوكـين شمَّاس وســـاهم هذا الفوج في استقبال أحبار الكنائس الأخـــرى أيضاً واســتقبال الرَّئيس شكري القوَّتـــلي عام (1946م ) والعقيد أديب الشِّيشكلي عام    (1953م ) والرَّئيــس القوتلي في زيارته الثَّانية إلى القامشليِّ (1955م ) واستقبال رئيس الجمهورية المتَّحدة ( مصر وسوريَّا ) جمال عبد النَّاصر عام (1959م ).

ثمَّ حدث جمود في الفوج بعد إغلاق نادي الرَّافدين عام (1961م ).كما ابتدأت الأعمــال المسرحيَّة في مدينــــة القامشـليِّ عام ( 1936م ) ومن الكتَّاب المســرحيِّين في القامشــليِّ فتح الله شــاشـاني وإلياس مقدسي وجوزيف نــــانو وجان الكسَّان، وتأسَّس أوَّل نادي رياضي عام (1934م ) وهو نادي الرَّافديـــــن برئاســــــة الدُّكتور عبد النُّــــور شمَّاس. وفي عام ( 1947م ) تأسَّس النَّادي الرِّياضي الكلـــــدانيِّ برئاســــة أنيس حنَّا[4]. وفيما بعد السِّــــتينيَّات شهدت القامشــــليُّ نهضة عمرانيَّـــة وإذ بها بلـــــدة عصــريَّة في أبنيتها الحديثـــة، كما شـــهدت القامشليُّ هجرة بعض سكَّانها إلى فرنسا وأميركا واستراليا وكنـــــدا ولبنان، وفي السِّتينيَّات كانت الهجرة كثيفة إلى السِّويد وألمانيا.

وتقسم مدينة القامشليِّ اليوم إلى تسعة أحياء :

1- حيُّ النَّاصرة واسمه القديم ( حيُّ قدور بك).
2- حيُّ الزَّهراء واسمه القديم ( حيُّ الوسطى).
3- حيُّ الكندي ( واسمه القديم يشمل الأحياء) حيُّ الآشوريِّين-حيُّ الأربويَّة-حيُّ البشيريَّة).4- حيُّ المطران قرياقس واسمه القديم (حيُّ المعلمين).
5- حيُّ المنصور اسمه القديم ( الحيُّ الغربيُّ ).     6- حيُّ اللُّواء.  7- حيُّ المزرعة.  8- حيُّ طيءٍ  9- حيُّ شدوان.

البَنْدُ الثَّاني- المَالِكِــــــــــــيَّة :

كانت تسمَّى ديريك: وفقا للمصادر السِّريانيَّة فإنَّ كلمة ديريك هي سريانيَّة وتعني الدِّير الصَّغير نسبة إلى اسم كنيستها الواقعة شرقي هذه القرية قديماً التَّابعة لأبرشية بازبدي مركزها آزخ كورة الَّتي كانت تابعة للامبراطوريَّة الفارسيَّة قبل الميلاد.

أمَّا الدُّكتور محمَّد بهجت القبيسي فقال:( ديريك: اسم بلدة في شمال شرق سوريَّا،

غيروا اسمها إلى المالكية نسبةً للقائم مقام) المسؤول الإداري عنها بهجت المالكي، وكان محبوباً، حيث ظنُّوا أنَّ هذا الاسم (ديريك) ليس عربياً…. ومع اسم ديريك نجد أسماء: دريكيش، ودركوش، وهو اسم عربي عموري/كنعاني)[5].

وفي المرسوم 346 تاريخ (24/3/1957م ) سُمِّيت ديريك بالمالكيَّة وقيل إنَّ هذه التَّسميَّة جاءت نسبة إلى عدنان المالكي أثناء تعريب أسماء المناطق والقرى.  ويعود بناء ديريك القديم إلى القرن الرَّابع الميلادي، وكانت عين ديوار هي مركز المنطقة خاصة أثناء الحكم العثمانيِّ والاحتلال الفرنسيِّ حتَّى عام ( 1933م ) حيث كانت فيها القائمقاميَّة وكانت تُسمَّى منطقة دجلة.  وبعد إلحاق هذه المنطقة في ربيع (1930م ) بأراضي الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة تحت الانتداب الفرنسيِّ ونزحت مئات العائلات إليها من كلِّ حدب وصوب وسكنت ديريك القديمة وقراها. وفي عام ( 1936م ) تمَّ تحويلها إلى قائمَّقاميَّة وأستبدل اسمها من ديريك إلى (قائمَّقاميَّة الدِّجلة).

وقال الباحث أحمد داوود: (…ضمَّت هذه البقعة إلى سورية سنة ( 1928م ) بعد تخطيط الحدود النِّهائي بينها وبين تركيَّا، وجعلت قضاء كان مركزه في عين ديوار، ثمَّ نقل إلى ديريك وسُمِّي بعد ذلك قضاء الدِّجلة، وأطلقوا عليه مؤخراً اسم المالكيَّة، وقد اصابوا في اختيار هذه اللَّفظة العربية الجميلة بدلاً من ديريك)[6].

وفي عام ( 1938م ) حولها الفرنسيُّون إلى مركز منطقة، ونقل إليها مقرَّ المستشار الفرنسيِّ الَّذي كان قائماً في بلدة (عين ديوار) والَّتي تراجع دورها بعد ذلك وتحوَّلت إلى قرية صغيرة.

وأعيد بناء البلدة بموجب مخطَّطات حديثة وبموجب المخطَّط التَّنظيمي عام (1966م) وصدَّق عليه عام (1967م ) حيث كانت تتربَّع المدينة على مساحة( 55هكتار ).أمَّا اليوم فتتربَّع على مساحة ( 878 هكتار)، وفيها دور للعبادة لكلِّ الطَّوائف والملل وتكثر فيها الجوامع والكنائس. وتحيط بديريك القديمة 16 كنيسة قديمة يعود بناؤها إلى القرن الرَّابـــع الميلادي موزَّعــــة في قــــراها القديمــــة الَّتي تحيــــط بالمدينة القديمـــة من كلِّ الجهات، وأقـــدم هذه الكنائس على الإطــلاق كنيســــة العــــذراء مـــريم والحائــــط الشَّرقي الَّذي يعـود مع الباب والأحجار المرصوصة والأحجار السَّوداء إلى القرن الرَّابع الميلادي. وتبعد المالكية عن مــــركز محافظة الحســـكة ( 185كم )، وعن مركــــز أقرب منطقة القامشلي ( 98 كم ). أبرز معالمها: جسر عين ديوار الرُّومانيِّ الأثريِّ على نهر دجلة الَّذي لم يبقَ منه سوى قنطرة واحدة من قناطره المتعدِّدة، ويوجــــد على قواعــــده منحوتات للأبراج بشكل قوس يرصد فصول السَّنة عن طريق الشَّمس. وتعد منطقة عين ديوار في المالكيَّة من أجمل المناطق في الجزيرة السُّوريَّة.

 


 جسر عين ديوار

البَنْدُ الثَّالِثُ -القَحْطَانِيَّة (قُبُورُ البِيضِ):

تقع إلى الشَّرق من مدينة القامشلي وعلى بعد (30كم ) يخترقها طريق عام القامشليِّ الماليَّة يتفرَّع منها جنوباً طريق معبَّد ماراً بمخفر شرطة طويل حتَّى الخطِّ السِّياسيِّ على الحدود العراقيَّة، وتقع فيها محطَّة فرعيَّة لقطار الشَّرق السَّريع حلب – الموصل وبناء المحطَّة مبني على الطِّراز الفرنسيِّ، وأنشئت في المحطَّة مؤخراً صويمعات لتخزين الحبوب. يطل عليها شمالاً جبل الأزل (إيزلا). تجاور بلدة القحطانية ثلاث سدود هي: مزكفت والجوَّادية وباب الحديد.  في البدء كانت قرية صغيرة دعيت أولاً ( قبور البيض ) ودعاها السِّريان ( قبري حيوري ) وهي ترجمة للتسمية العربيَّة، ودعيت بهذا الاسم لأنَّ أضرحتها الواقعة على قارعة الطَّريق كانت مطليَّة بالكلس الأبيض فكانت بمثابة نقطة علام للمسافرين وعلى مرِّ الزَّمن تميَّزت لدى الجميع بهذا الاسم. ومنذ عهد قريب سمِّيت (القحطانيَّة) تيمناً بقحطان الَّذي يعتبر الجدِّ الأكبر للعرب في صحراء شبه الجزيرة العربيَّة وإليه تُنسب قبائل اليمن.

ظلَّت القحطانيَّة بعد نشوئها عام (1914م ) سوى تجمُّع لبعض الخيام المتحلِّقة حول نهر الجرَّاح والَّتي ما لبثت أن قامت فيها أبنية سكنيَّة مشادة من اللِّبن التُّرابي والخشب. بدأ إعمار القحطانيَّة بمطحنة في الجهة الشِّماليَّة ثمَّ أمَّها بعض البدو ساكني الخيام، وراحوا يتحلَّقون حول نهر الجرَّاح، وفي عام (1926م ) تقاطرت إليها أسر عديدة من السِّريان هاربة من العثمانيِّين في تركيَّا، وبنوا القحطانيَّة وأصبحت صورة مُصغَّرة عن طور عبدين كونها تضمُّ أسر وعائلات من جميع قرى طور عبدين، ويُقال إنَّ أكثر من سبعين عائلة أرمنيَّة سكنتها، وقد حافظت تلك العائلات على عاداتها وتقاليدها وطقوسها المتوارثة عن الآباء والأجداد في طور عبدين.

أمَّا الأسر السِّريانيَّة الَّتي أسهمت في وضع اللَّبنات الأولى في هذه البلدة فهي: حنَّا روتو – ملكي هبه – ملكي حوبو – يعقوب إيليا – حنَّا إيليا – موسى خزي – درويش عمُّ آحو درويش – موسى كورية – عيسى نعامه – القس مراد – مقسي ملكو – سليمان حدَّاد – مورو شمعون – آحو درويش – إبراهيم ملكي – ملكي نازكى -حدو أوسو – كما استقرَّت في القرية عائلات أرمنية وأخرى يزيدية وأسرة آل حاجو الَّتي كانت تعاني من خلاف قديم مع أسرة آل صاروخان.

وبنى السِّريان كنيستها الأولى والصَّغيرة باسم السَّيِّدة العذراء عام (1928م ) وافتتحوا مدرسة ابتدائية خاصَّة باسم مدرسة الجلاء عام ( 1933م ).

وبتاريخ ( 24/4/1962م ) داهمتها الفيضانات عشيَّة عيد الفصح المجيد فكانت أسوأ كارثة عرفتها هذه البلدة العصاميَّة وراح ضحيتها العديد من السُّكَّان الَّذين باغتتهم مياه الفيضان، فغرقوا وجرفتهم السِّيول المتدفِّقة بعيداً عن دورهم كما تهدَّم العديد من البيوت الطِّينيَّة، وسقط بعضها فأدَّى إلى نفوق الماشية الَّتي بداخلها ممَّا أسفر عن خسائر فادحة في الأموال والأرواح، وقعت هذه الحادثة كالصَّاعقة على سكَّان البلدة وتأثَّرت، وما هي إلَّا أيَّام حتَّى سارع الأهالي لإعادة إعمار ما تهدم وبطريقة معماريَّة تبعد عنهم أخطار السِّيول والفيضانات.

البَنْدُ الرَّابِعُ – اليَعْرُبِيَّةُ (تَلُّ كُوجَرِ):

بلدة كبيرة تقع على الحدود السُّوريَّة العراقيَّة, يقابلها على الجانب الآخر بلدة ربيعة العراقيَّة، وأمَّا عن سبب تسميتها بـ “تل كوجر” فهي لفظة أطلقها أهلها على تلِّ قريب منها كان يجتمع بالقرب منه فلاحو الكوجر الأكراد الَّذين كانوا يتوافدون إليها من مناطق السُّويديَّة التَّابعة للمالكيَّة (ديريك) وخاصَّة في فصل الرَّبيع لرعي أغنامهم وبيع منتجاتهم  كانت منطقة مراعي وتجوال للكثير من العشائر العربيَّة والكرديَّة المتنقلة مثل شمَّر وطيء وعنزة والكوجر وغيرهم، ومعظم سكَّانها الأوائل من العمال الَّذين قدموا في عهد الاحتلال الفرنسيِّ لمدِّ الخطِّ الحديديِّ الَّذي يصل حلب بالموصل, ومعظمهم كان من أبناء منطقة ماردين من (الملحميَّة) الَّذين نزحوا إلى الجزيرة السُّوريَّة في بداية الثَّلاثينات وعرفوا بعيال الشَّواويش.

وبعد الانتهاء من بناء الخطِّ الحديديِّ، تمَّ بناء محطَّة للقطارات في البلدة وكانت من المحطات الرَّئيسيَّة في سوريَّة حيث كانت تضمُّ مستودعات ومخازن انضمَّ على أثرها الكثير من العمال الجدد والموظفين وسائقي القطارات، وكانوا من مناطق سوريَّة مختلفة (حلبية – أرمن – سريان – أكراد وتركمان)، بنت لهم فرنسا الَّتي كانت تحتلُّ سوريَّة حينها مجمعاً سكنياً عرف باسم (البراكات)، ومن بين هؤلاء: بيت عجاج ’ أوصمان ميردلي، عيسى يعقوب، بيت الصُّوفي، عبدو قادو، صبري كورو، شفيق بصمجي وغيرهم. وبيَّن الباحث أحمد داوود في كتابه الجزيرة السُّوريَّة عن تل كوجك ( واقعة في أقصى الشِّمال الشَّرقي على الحدود العراقيِّة، هذا الموقع لم يكن قبل خمس عشرة سنة سوى محطَّة لقطار القامشليِّ – الموصل، ولماَّ عادت الحياة الزراعيِّة إلى تلك السُّهول دبَّ فيه النَّشاط والسَّعي فبنيت البيوت وفتحت المتاجر وصار بلدة ذات شأن ومركزاً هامَّا لتصدير الحبوب….وتلُّ كوجك مركز ناحية وفيها دائرة العشائر –الشُّرطة – الأمن العام – الجمرك – دائرة البطرة – البريد والبرق وتبلغ موازنة بلديتها (67000 ليرة سوريَّة ) وفيها مدرستان ابتدائيَّتان للبنين والبنات، وقد تعاون أهل الخير على بناء مسجد فيها سنة ( 1958م ) ويبلغ عدد السُّكَّان نحو ( 1500 ) من أصول مختلفة أكثرهم من الجزيرة وبعضهم من حلب)[7].

البَنْدُ الخَامِسُ- بَلْدَةُ الشَّدَّادِيِّ:

وتقع جنوب مدينة الحسكة بمسافة (60 كم ). على الطَّريق الرَّئيس الواصل بين الحسكة / الزُّور. يمرُّ بجوارها نهر الخابور، يقطنها خليط من القبائل مثل قبيلة الجبور العربيَّة وقبيلة العقيدات والبقارة. كما تُوجد بنسبه كبيرة قبيلة الفليتا كما تُوجد قبيلة المشاهدة بنسبة كبيره أيضاً ولا وجود لأيِّ عرقيات أخرى في الشَّدادي أي أنَّها عربيَّة خالصه. يعمل سـكَّانها بالتِّجارة وقطاع النَّفط في حقول الجبسة للغاز الَّتي تعدُّ من أهم حقول الغاز في سوريَّا. ويعتمد سكَّان الشَّداديِّ في خضرواتهم على المحافظات الأخرى وبعض القرى المجاورة الَّتي تنتج أنواع محدودة من الخضار.

البَنْدُ السَّادِسُ: مَرْكَــــدَةُ: 

بلدة مرقدة تتبع لمحافظة الحسكة،  تبعد مسافة ( 105 كم ) عن مدينة الحسكة و(80 كم ) عن دير الزُّور، تقع على الطَّريق الرَّئيس الواصل بين الحسكة ودير الزُّور، حيث يقسمها الطَّريق إلى قسمين شرقيٌّ وغربيٌّ، تبلغ مساحتها ( 306 هكتارات ) وأغلبية سكَّان البلدة عرب من قبائل من العقيدات والجبور وعشيرة المشاهدة الحسينيَّة.

واشتهر فيها جبل مرقده والَّذي يضمُّ رفات الأرمن وترجع تسميته إلى “الرُّقود” بعد مجزرة الدَّولة العثمانيَّة عام ( 1915م ) بحقِّ الأرمن، ويُوجد في البلدة ضريح “رمزي” في أحد المواقع الَّتي شهدت عملية تصفية للأرمن أثناء نقلهم من جنوب تركيَّا إلى “دير الزُّور”، كما يوجد فيها جبل الحمَّة “حمَّة ماكسين” ومازال الأرمن إلى اليوم يرددون عبارة شهيرة: “لولا دير الزُّور لما بقي أرمني واحد على وجه الأرض”. وفي كلِّ عام يقوم الحجيج الأرمن بزيارة كنيسة شهداء الأرمن “بدير الزُّور” ومن ثمَّ يتوجَّهون إلى “جبل مرقدة” الواقع بين دير الزُّور والحسكة وهو بمثابة مقبرة جماعيَّة يبحثون فيه عن رفات أجدادهم.

صورة لأحدى زيارات الأرمن إلى كنيسة الأرمن بدير الزُّور بينهم نساء أرمنيَّات ديريَّات

وفي مقابلة لموقع الحسكة على شبكة التَّواصل الاجتماعي مع الباحث الدُّكتور “جمال الحاج يوسف” من أبناء “مركدة”، تحدَّث فيها عن البلدة تاريخيّاً قائلاً :  « سُكنت بلدة “مركدة” منذ آلاف السِّنين، وبالتَّحديد في العهد الآشوري، وللتَّوسُّع عن ذلك يجب مراجعة موسوعة الشُّعوب القوقازية، أتى الرُّومان وأقاموا فيها السُّدود وشيَّدوا الأبنية، تعاقبت الحضارات عليها، فسكن فيها الآراميُّون الَّذين أطلقوا عليها تسمية “ماكسين” الَّتي تعني بلغتهم “بيت الضَّرائب”، حيث كان جبل “الحِمَّى” قريباً من نهر “الخابور” ويفصل بينهما ممر ضيِّق، يجب على القوافل الَّتي تمرُّ بها دفع ضريبة المرور، فشكَّل موقعها أهميَّة تجاريَّة كبيرة للقوَّى الحاكمة فيها. استوطنها عرب “تغلب” وزرعوا فيها الزَّيتون لأوَّل مرَّة، وأقاموا فيها معاصر الزَّيتون جاء ذكرها في إحدى قصائد “الأخطل التَّغلبي” حيث قال:     مادام في ماكسين الزَّيت يعتصر[8].

اقتتلت فيها قبيلة تغلب مع قبيلة قيس، فانتصرت “قيس” على “تغلب” في عهد “عبد الملك بن مروان”، وأُسِرت أعدادٌ كبيرة من الرِّجال حينها، كان أشهرهم هو الشَّاعر “القطامي التَّغلبي”، وللتَّوسُّع في هذه الفكرة يمكن الرُّجوع إلى مؤلَّفات “ابن الأثير “.وأضاف الدُّكتور “جمال”: « مرَّ بهذه البلدة جيوش الفاتحين، ومنها جيش “عبد الله بن أبي الغسَّان” وجيش “حسكة بن شدَّاد”، وسمِّيت مدينة “الحسكة” حالياً بهذه التَّسمية نسبة له، وهذا ما يجهله أغلب المؤرِّخين، أصبحت “مركدة” في عهد بني “أمية” من مراكز الخوارج، ومرَّ بها “البحتري” فقال فيها قصيدة أراد من خلالها أن يصلحَ بين أخواله وبين القبائل العربية الأخرى، أمست أرض استقرار في العصر العبَّاسي، ولكن وللأسف كان سكَّانها يوصفون حينها بقلَّة الدِّين، بعدها أُتبعَت إلى الزِّنكيِّين وذلك في العصر المملوكي، وكانت مركز إمداد وتموين للجيوش الَّتي كانت تحارب على جبهات الرُّوم.حكمها “سيف الدِّين غازي” في العهد الأيوبي واستوطنتها عائلات يهوديَّة في القرنين السَّادس والسَّابع الهجريَّين كما جاء في كتاب رحلة “ابن يمين” النُّسخة المعتمدة، بعدها هاجرت إليها قبائل عربيَّة من “نجد” و”الحجاز”، بعد غزوة “تيمور لنك” الَّتي أبادت أهل الجزيرة والفرات إبادة تامَّة، فغيَّرت تلك القبائل العربيَّة المهاجرة اسم البلدة من “ماكسين” إلى “مركدة” نسبة إلى المكان الَّذي هاجروا منه، وتلك البلدة موجودة حتَّى الآن في “نجد”، حكمها الولاة “الأكراد” في العهد العثمانيِّ، ثمَّ جاء عهد الاستقلال ولم ينقَّب عن الآثار الموجودة فيها، مع أنَّها تخبئ في ترابها آثاراً  كثيرة تفوق آثار أكثر من عشرة دول ذات هوية حضاريَّة»   . واختتم الدُّكتور “جمال الحاج يوسف” حديثه القيِّم عن بلدة “مركدة” ببيت شعر للشَّاعر “صالح عبد القدوس” قائلاً:

    بحِمَّة ماكسين إذا التقينا               وقد حمى التَّوؤُّد والزَّئير

ف”حِمَّى ماكسين”هو الجبل الَّذي يحيط بالبلدة، وترمز إلى كلِّ أرضٍ صخريَّة سوداء، ويضاف أنَّه سكن بالقرب منها الشَّاعر”الوليد بن طريف الشَّيبانيُّ”.

البّنْدُ السَّابِعُ ــ تَـْـل تَمِـــــر: قرية سريانيَّة يسكنها السِّريان ومعنى التَّسمية هي ( تلُّ التَّمر). وقيل إنَّ لهذه التَّسمية روايتان الأولى منها نسبة إلى أحد أمراء الامبراطوريَّة العثمانيَّة واسمه “تمر باشا” الَّذي ظلَّ فترة من الزَّمن في المنطقة وبنى منزله فوق تلَّة تلِّ تمر.

أمَّا الــرِّواية الثَّانيـة فتقــول إنَّ تجار الحجاز كانوا يستريحون في هـــذه المنطقة ويبيعــــون التَّمــر فـــوق التَّلَّـــة للتُّــجار القادميــن مــن آســــيا  الَّذيـــن كانــــوا يســــتريحون في هـــــذه المـــنطقة.

تتألف بلدة تلِّ تمر من نحو ثلاثين قرية صغيرة بنيت كلُّها على جانبي نهر الخابور من صندوق جمعية الأمم آنذاك لإسكان الآشوريِّين النَّازحين من العراق وتركيَّا ( بعد قيام تركيَّا العثمانيَّة بمذابح ضد المسيحيِّين أصحاب الأرض. وكان ذلك في العام(1915م) ومذبحة سميل المعروفة والواقعة في العراق الحالي والَّتي دبر مؤامرتها الإنكليز بالاتِّفاق مع الحكومة العراقيَّة من جهة ومع بعض العشائر الكرديَّة من جهة أخرى. وكان ذلك في ( شهر آب 1933م ) ).

يجاورها شمالاً وغرباً منطقة رأس العين، وشرقاً وجنوباً ناحية قرى مركز الحسكة. وتوافد السُّكَّان على هذه البلدة عام ( 1934م ) لموقعها الهام، والسُّكَّان الأصليِّين لا يتجاوز عددهم (1500 شخص ) وأغلب سكَّانها من الآشوريِّين


 صورة المشفى الذي بنته الأمم المتحدة للآشوريين النازحين من العراق

كما يقطن معهم بعض العرب والملحميَّة. وهنالك عدد كبير من القرى التَّابعة لـتلِّ تمر نذكر منها: تلَّ جدايا، تلَّت جمعة، تلَّ الجميليَّة، تلَّ حفيان، تلَّ طويل، تلَّ فويضات جزيرة، تلَّ كيفجي، تلَّ مساس، تلَّ مغاص، الرَّقبة، تلَّ نجمة، تلَّ نصري، خشمة الزَّركان (قبور القراجنة فوقاني) تلَّ تمر، الدَّردارة، تلَّ دمشج، الفكة (منيسف تحتاني، منيسف فوقاني) قبر صغير غربي (قبر كبير غربي) باب الخير غربي، باب الخير شرقي، القاسميَّة، مجيبرة زركان، عين العبد (أبو كبرة) وادي النَّجمة، أم غرقان، تلَّ باز، تلَّ بالوعة، تلَّ بريج، تلَّ رحيل جزيرة، تلَّ رمَّان فوقاني، تلَّ سكرة، تلَّ شاميَّة.

البَنْدُ الثَّامِنُ – رَأْسُ العَيْنِ:
مدينة عريقة بالقدم ردَّد ذكرها المؤرِّخون في عصور مختلفة وسمِّيت رأس العين لوقوعها في رأس ينابيع الخابور، واسمها بالسِّريانيَّة رش عينا.

تحدَّث الادريسي في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق “عن رأس العين قائلاً:” رأس العين مدينة كبيرة فيها مياه نحو من ثلاثمائة عين عليها شباك حديد تحفظ ما يسقط فيها، ومن هذه المياه ينشأ معظم نهر الخابور الَّذي يصب في قرية البصيرة.
أمَّا ياقوت الحمويُّ في كتابه معجم البلدان فقد قال: هي مدينة مشهورة من مدن الجزيرة بين حرَّان ونصيبين ودنيسر، وفي رأس العين عيون كثيرة عجيبة صافية وتجتمع كلُّها في موضع فتشكل نهر الخابور وأشهر هذه العيون أربع: عين الآس وعين الصَّرار وعين الرَّياحيَّة وعين الهاشميَّة.   وكانت رأس العين مدينة ذات سور من حجارة وكان داخل السُّور مزارع وطواحين وبساتين. وفتح العرب رأس العين عام (640م ). ثمَّ استولى عليها الرُّومان سنة (943م). وفي عام ( 1129م ) اســـتولى عليها ما يســـمَّى الحملة الصَّليبيَّة بقيادة جوســلان. ويشير المؤرِّخون السِّـريان كذلك إلى أن رأس العين كانت أبرشية يعقوبية وتعاقب عليها ما بين 793 إلى 1199 أحد عشر أسقفاً.   واجتاح تيمور لنك رأس العين في أواخر القرن الرَّابع ودمر المدينة وقراها. وتوالت على المدينـــة الغزوات والحـــروب فـفتر نشـاطها وهجرها أكثر سكَّانها وصارت إلى جمود وانكماش. اشتهرت بمدرستها السِّريانيَّة الشَّهيرة (مدرسة ريش عينا)، وفي هذه المدينة مازالت الآثار القديمة شاهدة على عراقتها.

ولمدينة رأس العين أهميَّة سياحيَّة، فهي كثيرة الأشجار فيها حدائق ومنتزهات ومقاصف كان بعضها على ضفاف النَّهر. تقع رأس العين في الشِّمال الغربي من الجزيرة السُّوريَّة، ضمن محافظة الحسكة، وتبعد مدينة رأس العين مسافة (85 كم) عن مدينة الحسكة، تجاور الحدود التُّركيَّة وتبلـــغ مساحتها (23 ألف كم مربع). ومنذ عام (1962م ) انتبه النَّاس لظهور فوهة صغيرة يتدفق منها مـــاء أخضر، على بعد ستة كيلو مترات من رأس العين ومنذ ذلك الوقت ظلَّت تلك الفوهة تتســـع وظلَّ تدفق المياه الكبريتيَّة في ازدياد، حتَّى صارت الفوهـــــة بحيرة صغيرة وصار النَّبـــع يعطي (43200 متر مكعب / ساعة )، تبلغ درجة حرارة هذا النَّبع المسمَّى بعين الكبريت  (27 درجة مئوية ) وهو يحدث شلالات أخَّاذة عند مصبِّه، وعين الكبريت ما هي إلا حـفرة دائــــرة كبيرة، يتفجر منها ماء أخضر زاهٍ يدور حول نفسه بقوة عظيمة، حتَّى يبدو وكأنَّــه يغلي قبل أن يفور ويندفع خارج إنائه التُّرابي الأحمر، منطلقاً في مجرى متعرج شديد الانحدار، تتصدره صخور بيضاء، ثمَّ ينتهي في بحيرة صغيرة يتشكل عندها شلال جميل ومتسع، وسرعان ما تمتزج مياه النَّبع الكبريتيَّة بالمجرى العام لنهر الخابور، ويقدر بعضهم عمق هذا النَّبع بمائتي متر وأكثر، وبعضهم يدَّعي أنَّه ليس له قرار، ومن يشــــاهد هذا المنظر تنتـابه حالة من الاندهاش والاعجاب،  أمَّا غزارته فقــــد بلغت ( 458 م مكعب / ثا )، ولهذا فعين الكبريت بالمقارنـــة مع الينابيع الموجودة في سوريَّة تُعتبر مصدراً عملاقاً لمياه معدنيَّة نــادرة الوجود في المنطقة، وهي أيضا من الينابيـــع المعدنية الضخمة في العالم، ميـــاهها دافئة وهي نافعـــة صحِّياً، ومن المعتاد أن يستحم النَّاس بــها عند نهاية المجرى المنحدر من العين، حيث تتشــكل بحيرة صغيرة قليلة العمق، تزدحم بالـــرَّاغبين في العـــــلاج الطِّبي، بواســــطة المــــــياه المعدنيــــــــة.

البَنْدُ التَّاسِعُ – الدِّرْبَاسِيَّةُ:

الدِّرباسيَّة بلدة صغيرة حديثة النَّشأة والبناء فقد كانت بلدة واحدة وبعد وضع سكَّة قطار الشَّرق السَّريع  قسِّمت هذه البلدة إلى قسمين  وأصبح هناك الدِّرباسيَّة السُّوريَّة، أمَّا معنى الاســـم بالسِّــــريانيِّ  فهو طريق آســـيا  نسبة إلى القديس آسيا، وقيل إنَّ التُّجار المسيحيُّون هـــم الَّذين بنـــوها بعد اجتماعهم في نيسان (1931م )  فقـــرُّروا حينها تأسيس الدِّرباسيَّة وبُني فيها (75 محـــلاً تجارياً و75 منزلاً ) ومن ثمَّ بسبب طلب المزيد تمَّ زيادة المحلات إلى (100 مائـــة محــلاً تجارياً والمنازل إلى 100 مائــــة منزلاً ) وبُنيت باللِّبن والطِّين، وأسِّســت فيها بلديــــة ومخافـــر للشُّرطة وفي فترة قصيرة تطورت هذه المدينة عمرانياً، وتقع بين بلدتي عامودا ورأس العين .ومن أوائل العائـــلات الَّتي ســـكنت الدِّرباســـيَّة والَّتي كانت قبـــل بنائها عبارة عن مقرٍّ عسكريٍّ للفرنسيِّين هي عائلة السَّيِّد ( أنطوان قره زيوان) وقد انحدر المسيحيُّون من مدينـــــة مارديــــــن المشهورة في تركيَّا والقريبة من الحدود السُّوريَّة عام (1915م ) وتوزَّعـــــوا في سـهول الجزيرة ومنها الدِّرباسيَّة، وتبعهم بعد ذلك قبائل كرديَّــــة من السَّلَّاخيَّة والطَّاط والبهرتاوية وقليل من العرب الشَّرابيِّين الَّذين كان يقومون ببعض الأعمال الخدميَّة البسيطة. أمَّا أسباب ازدهار المدينة فهو سكَّانها الَّذين كانوا يزاولون زراعة الحبوب بمسـاحات شاسعة وكانـــوا يدعـــــون بالمزارعين الَّذيــــن كانوا يمــلكون مسـاحات من الأراضي ويستأجرون مساحات أخرى خارج النِّطاق الإداري وخارج المحافظة بحيث استثمروا في مدينة ديـــر الزُّور والرَّقة، وكان هـؤلاء يمــلكون الآلات الزِّراعيـــة مثل الجرَّارات والحصَّادات والشَّاحنات للنَّقل و كان أشهرهم السَّيِّدَ أصفهان وأخيه السَّيِّد سعيد ونعوم كنعو وكرمو رزقـــو وشقيقه ســـعيد وآخرين بحيث صارت المدينة مضرب المثل في الاستثمار الزِّراعي  وخدمة الآلات الزِّراعية من معامل وميكانيكيين وعمال.

البَنْدُ العَاشِرُ – عَامُـــودَا :
عامودا هي ناحية صغيرة. تبعد حوالي ثلاثين كيلومتراً إلى الغرب من مدينة القامشلي. وعامودا منطقة غنيَّة بالمياه الجوفية. كان عدد سكَّانها (عدا قراها) في الثَّلاثينات من القرن العشرين سبعة آلاف نسمة، وفي الخمسينات أصبح 15 ألف نسمة، أغلبهم من السِّريان بطوائفهم المختلفة. يلاحظ أنَّ هنالك تشابهاً كبيراً بين عامودا والقامشلي، لأنَّ هذه المدينة أيضاً قد حلَّت محلَّ مدينة أخرى هي (ماردين) السُّوريَّة الَّتي استولت عليها تركيَّا وسلمتها للأكراد بعد طرد العرب والسِّريان منها.

ورد ذكر اسم عامودا في كتاب “نشوة المدام في العودة إلى دار السَّلام” للمؤلف الشَّهير العلامَّة محمود الألوسي، حيث زارها في رحلته سنة (1267ه)، وذكر أنَّ فيها (70 بيتاً وفيها مسجد )، وهذا يفيد أنَّها كانت قرية عامرة قبل مائة وخمسين سنة.

ومن هذه المنطقة سعيد إسحق المولود عام (1902م ) والَّذي ناضل ضد الاستعمار الفرنسيِّ وكان عضواً بارزاً في الكتلة الوطنيَّة، وعام (1928م ) كان رئيساً لبلديَّة عامودا، وفي أعوام (1932،1936،1943،1951م ) كان نائباً في محافظة الحسكة في المجلس النِّيابي السُّوريِّ ، وعام (1951م ) كان النَّائب الأوَّل لرئيس المجلس النِّيابي  ثمَّ رئيساً للمجلس النِّيابي بعد استقالة رئيسه السَّيِّد ناظم القدسيِّ،ثمَّ رئيساً للجمهوريَّة بالوكالة بعد استقالة رئيس الجمهوريَّة هاشم الأتاسي،  وفي (25 شباط 1954م ) قدَّم السَّيِّد أديب الشِّيشكلي رئيس الجمهوريَّة استقالته لرئيس المجلس النِّيابي السَّيِّد مأمون الكزبري الَّذي أصبح آنذاك قائماً بأعمال رئاسة الجمهوريَّة، فأصبح السَّيِّد سعيد إسحق رئيساً للمجلس النِّيابي )[9].

البَنْدُ الحَادِيْ عَشَرَ – الجَـــوَّادِيَّةُ (جَلَّاغَةُ):
تبعد عن قبور البيض ثلاثين كم تقريباً، وهي مديريَّة ناحية تابعة لقضاء المالكيَّة ” ديريك “، كانت تعرف باسم ” جلاغه ” وعُرّبت، وتعرف الآن باسم الجواديَّة، وتشتهر كبقية مدن الجزيرة بزراعة الحبوب.

[1] – النبي والاكراد ص 130

[2]-   (القامشلي: مديوايه ).

[3]- القامشلي لمديوايه / ص39 .

-[4] مديوايه /القامشلي لمديواية ص 66-68.

[5]- النبي والأكراد.

[6] – الجزيرة السورية ص375 .

[7]- أحمد داوود في كتابه الجزيرة السُّوريَّة ص381.

[8]- معجم البلدان لياقوت الحموي : ج5/ص43.

[9]-  القامشلي لمديوايه ص 72 .

 

 

المعلومات مأخوذة من كتاب الجزيرة السورية بين الحقيقة والوهم 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *