التَّطَوُّرَاتُ الَّتي حَدَثَتْ فِي مُحَافَظَاتِ الجَزِيرَةِ السُّورِيَّه

” لواء دير الزُّور والفرات والجزيرة أراضي مترامية الأطراف، كانت ولاية من ولايات العرب … والجزيرة لها أسماء قديمة مشهورة منها ديار ربيعة وديار مضر. خلصت الجزيرة للعرب إلى يومنا هذا إلا بعض القرى الشِّماليَّة الشَّرقيَّة حيث يقطن بعض العشائر الكرديَّة، وعدد كبيرٌ من القرى الواقعة شمالي سكَّة بغداد الحديديَّة فإنَّها ظلَّت بيد التُّرك وهم جادون في تتريك سكَّانها.

’’ مركز اللُّواء دير الزور وهي مدينة صغيرة على ضفَّة الفرات الغربيَّة لا يزيد سكَّانها على 20 ألف نسمة، ويقسم اللُّواء إلى خمسة أقضية وهي الميادين والبوكمال والرَّقَّة والحسكة والقامشلي.” أمَّا الخابور فأهمَّ قراه من الجنوب إلى الشِّمال: البصيرة، الصور، الفدغمي، الشَّدادي، الحسكة، تلِّ الرمان، المجدل، رأس العين. وأهم قرى البليخ: خربة الرُّز وتلِّ السَّمن والتَّلِّ الأبيض. ولا يزيد عدد نواعير الخابور على 150 ناعورة، تسقي كلَّ واحدة منها 200-300 دونم. أما حدود اللواء الطبيعية ، شمالا : ديار بكر ،ماردين ،واورفه وقسم من حلب ، غربا : حماه وحمص وتدمر والشام . جنوباً :قسماً من الشام وحكومة الأردن ثم تتصل بحدود العراق عنه التابعة بغداد . شرقاً: أيضاً بغداد والموصل ….مساحة لواء دير الزور التقريبية شامية وجزيرة تبلغ ستون الف كيلومتر مربع على الاقل )[1]

وفي القامشلي عدد كبير من القرى مثل القرمانية، وكرو، وعاموده، والعرادة، والتَّنويه وعشرات غيرها”)) وتحدَّثت الكاتبة البريطانيَّة الشَّهيرة أجاثا كريستي عن الجزيرة السُّوريَّة وعن عن نهر الجقجق وعن ليالي نهر الخابور، وقامت بوصف قرى الحسكة والقامشلي والمناسف والقهوة العربيَّة الَّتي تقدَّم في الجزيرة السُّوريَّة.

أمَّا اللُّغات المنتشرة في الجزيرة السُّوريَّة. في تلك الفترة الزَّمنيَّة هي:( العربية وهي اللُّغة الرَّسميَّة ويتحدث بها أغلبية السُّكَّان، واللُّغة الآراميَّة الآشورية بلهجتيها الشَّرقيَّة والغربيَّة واللُّغة الكرديَّة ويتحدَّث بها الأكراد واليازيد. واللُّغة الأرمنيَّة. واللُّغة القفقازيَّة(السُّلافيَّة). يتحدَّث بها الجركس والجاجان.واللُّغة التُّركمانيَّة.

وأمَّا الدِّيانات المنتشرة في الجزيرة فهي:

1- الدِّيانة الإسلاميَّة: وهي الأكبر والأوسع في الجزيرة

2- الدِّيانة المسيحيَّة:  وفيها من المذاهب السِّريان الأرثوذكس وهو الأكثر. الأرمن أرثوذكس-كاثوليك. السَّريان كاثوليك. البروتستانت. الأرمن. النَّساطرة. الآشوريون الكلدان. الكنيسة الوطنية المستقلة.

4- الديانة اليزيدية 5- الديانةالموسوية:(اليهود) أثناء وجودهم بالقامشلي.

المَطْلَبُ الأَوَّلُ

–  مُحَافَظَةُ الحَســــــَكَةِ –

الفَرْعُ الأَوَّلُ

– المَسِيحِيُّونَ فِي الجَزِيرَةِ السُّورِيَّه

قبل الحرب العالميَّة الأولى بين عامي ( 1914- 1918 م)كانت العشرات من القرى المنتشرة في مناطق الحسكة والمحيطة بمدينة القامشلي قبل نشوئها عامرة مسكونة يعيش غالبية أبنائها على الزِّراعة والتِّجارة, ونتيجة للأحداث السِّياسيَّة الَّتي عصفت بالدَّولة العثمانية وما قامت به من أفعال في تلك المناطق والمناطق الَّتي اقتطعت من سورية، أدَّى إلى هروب مسيحيي الجزيرة السُّوريَّة إلى جبال طور عابدين، والَّتي كان يقطن بها قسم كبير من قبائل السِّريان المحلميَّة والَّتي تفرَّع عنها الرَّاشديَّة وصورا واستل والأحمدي والكاشيَّة ورشمل ولأشتية وقبالا والَّذين اعتنقوا الإسلام نهاية القرن الخامس عشر نتيجة المضايقات الَّتي كانوا يلاقونها من العثمانيين نظراً لأنَّهم كانوا يعتنقون المسيحيَّة وهي الدِّيانة الَّتي يعتنقها الأوربِّيِّين والَّذين كانوا يطمعون في أراضي الدَّولة العثمانيَّة وكانت تتدخل بحجة حماية المسيحيِّين التَّابعين لها ضمن أراضي الدَّولة العثمانيَّة، وجاءت الحرب العالميَّة الأولى ونتيجة لوقوف الأقليات في تركيا سيَّما الأرمن والَّذين اتَّصلت بهم روسيَّا إحدى دول الحلفاء لكسبهم إلى جانبها  من أجل مساعدتها ضد ألمانيا الَّتي وقفت تركيَّا إلى جانبها، فأوعزت ألمانيا إلى تركيا بضرورة التَّخلص من الأقليات القوميَّة كي لا تعرقل مؤخرة جيوشها وتدعم الحلفاء وتحصل على استقلالها وبذلك ستعرقل عملياتها الحربيَّة ضد روسيا، وتلا ذلك الخسارة الَّتي مني بها دول المحور ومنهم تركيا  في هذه الحرب قامت بالانتقام منهم وحدثت المذابح وهذا أدَّى إلى انحسار الوجود المسيحي في تركيا وعودة القسم الأكبر منهم إلى أراضيهم في الحسكة.    وفي رواية أخرى عن أسباب تلك المذابح والتي تحدث عنها الملفونو عبد المسيح نعمان قره باشي(…ومن أساليب ألمانيا الشيطاني، لتجد سبباًوعلة للقتل والإباد، أرسلت إلى منطقة (دورتيول) أربعة جواسيس بشكل إنكليز إلى الإرمن الذين يقيمون في (دورتيول)واجتمعوا سراًبوجهاء الأرمن، وخدعوهم وغشوهم، وكتبوا رسائل يعبّرون فيها عن تذمرهم من الشرور والعذابات التي يتحملونها من الأتراك، ويلومونهم ويذمونهم ويطلبون عوناً من الإنكليز، ويدعونهم عجلاً ليأتوا ويخلصونهم من الأتراك . وحمل الجواسيس هذه الرسائل وذهبوا إلى القسطنطينية أواخر عام 1915، وهيًّجوا العثمانيين على اضطهاد المسيحيين ولا سيما الأرمن، ومن هنا بدأت المصائب والعذابات تتوالى على المسيحيين ويدعونهم (خونة)…)[2]   وجاءت اتِّفاقية سايكس بيكو ( 1916م )  وازدادت وتيرة تهجير السِّريان بأعداد ضخمة من  الأرمن  من مناطق الجزيرة العليا السُّوريَّة الَّتي ضمت إلى تركيا سيَّما مناطق ماردين وعينتاب وغرزان والبشيرية ونصيبين وبنا نبيل وقصارنه وغيرها من المناطق الَّتي يقطنها المسيحيُّون إثر المذابح الَّتي ارتكبها الأتراك وبعض العشائر الكرديَّة بحقهم” نحو الجزيرة السُّوريَّة بحدودها الحالية.

كما قدمت مجموعة من قلعة مراويه وهم قوم من السِّريان الأرثوذكس يتكلَّمون العربيَّة وينتمون إلى قرية (قلعة مرا) والَّتي تعني باللُّغة السِّريانيَّة: قلعة السَّيِّد، وتقع إلى الشِّمال الشَّرقي من ماردين. وكانوا حوالي سبعة بيوت في الجانب الغربي من مركز الجيش التَّركي(البغالة)، وازدادوا بعد فرمان السِّيفو

( 1915 -1923م ) كما كانوا يأخذون بضائعهم إلى القبائل العربيَّة المنتشرة في محيطهم وكانت تلك القبائل تعيش بالقرب من موقع المدينة.

وقدمت بعض الأسر الأقصورانيَّة وعاشوا على ضفاف نهري الخابور والجغجغ وبنو حواضر الجزيرة في مطلع القرن العشرين وكان تموضعهم الأوَّل عند تلِّ أيلون القريب من بلدة الدِّرباسيَّة المعروف الآن ( بتلِّ تشرين ) وقاموا ببناء قرية بجانبه في بدايات عام (1900م) حيث وفد إليه القصوارنة ويزداد عدد الوفود الهاربة من منطقة القصارنة الواقعة جانب ماردين أثر المذابح. وأوَّل من بنى في تلِّ أيلون. هو سلمو البحو، وكان يستقبل في بيتهِ كلَّ القصوارنة القادمين. وكأنَّه مختار ومسؤول عنهم. كما أستقبل الغرباء أيضاً. ومن البيوت القصورانية الَّتي سكنت التَّلَّ. بيت سلمو الحني (الحنوش) وبيت أخيه باهو الحنوش. وسكنوه بيت جرجس ستو.أبو شفيق. الَّذي سكن الدِّرباسيَّة السُّوريَّة مع القصوارنة بعد بنائها من قبل الفرنسيِّين. الَّذين خطوها وبنوا المستودعات فيها. وسكن تلَّ أيلون بيت: بحدي العيسى. وبيت ياسو الكيسو.وبيت موسى الكيسو.وبيت جرجس شاهينو(وردوكي). وبيت سلو الشَّمو وبيوت أُخرى.

أمَّا القرى الَّتي سكنها القصوارنه في منطقة الدِّرباسية قرية قطينة: وكانت لبيت سعيد عبد الكريم وقرية تلَّ طير: كانت لجرجس جبوري وقرية زورفا: أصحابها بيت حنَّا الميخو الجبوري قرية سيحا: لبيت حنَّا الفارس وأخوتهِ وقرية تلِّ بقر: لبيت حنَّا الأحمر. وبعض الأسر وقرية تلِّ بس: لبيت حنَّا النَّجمو. وبعض الأسر وقرية تلِّ سكر: لبيت حنَّا المريم. وغيرهم من الأسر. وقرية حلو شمر: من أصحابها بيت ياسو العيسى، وقرية سيكر فوقاني: مختارها ججو عنتر. وقرية سيكر تحتاني: لبيت إيليَّا السَّمعان وقرية الحلو: لبيت إبراهيم الدَّاوي. وقرية نبهان: لبيت خليلو وقرية قرا داغ: لبيت موسى البري وقرية تل غزال: لبيت داؤود منصور. وقرية النَّاصرية: لبيت إيليَّا وبعض الأسر وقرية المشقوق: لبيت يوسف. وإبراهيم. وغيرهم وقرية تلِّ خاتون: بيت عبدو جرجس وآخرين وقرية كرداؤد: سعيد قومي.وآخرين وغيرهم وقرية عمر زوباشي: وفيها بيت يونان كوركيس. وقرية الهسك: داؤود العبد الله وأخوته. قرية تلِّ وقرية تلِّ رجب: لبيت إبراهيم بحي وقرية تلِّ جميلو: لموسى البري وأولاده. وقبيلة القصوارنة عربيَّة اللُّغة، مسيحيَّة الدِّين، (سريان أرثوذكس وكاثوليك.) منهم بيت إيليَّا السِّمعان وبيت عبدي، ومنهم من أصبح بروتستنت.كبيت موسى البري اللُّولي (عدواني)[3].

وهؤلاء القصوارنة بعضهم عربي القوميَّة وهم من الغساسنة. ويقال إنَّهم تغالبه من ربيعة.

كما قال الأستاذ اسحق قومي من سكِّان مسيحيِّي الجزيرة ( والقصوارنة كقبيلة يمتد عمرها إلى أكثر من 500م عام وتقسم إلى أفخاذ وبطون. وتعدُّ اليوم أكثر من سبعة آلاف بيت موزعين في سوريا. ولهم كثافة في مدينة الحسكة وما حي النَّاصرة وحي الكلاسة (حي القصور) إلاّ أقصوا رنة. وفي العزيزية عند بيت كرمو الأبلحد (المسعودي). وسكنوا منذ عام 1900م. تلِّ أيلون والقرمانيَّة والدِّرباسية (فيمابعد) ورأس العين والقامشلي. كما سكنوا تلَّ براك والشَّدادي والرَّقَّة والطَّبقة وحلب ودمشق واللَّاذقية. ولهم أكثر من ( 32 ) قرية ملكاً لهم. امتلكوها بعد منتصف العشرينات، ويشتركون في أكثر من عشرة قرى مع غيرهم. وقراهم أكثرها في ناحية الدِّرباسيَّة ورأس العين والحسكة. وهم أوَّل من حرث أرض بور شمال وجنوب وشرق جبل عبد العزيز والشَّدادي والــ (47)[4] ومناطق دير الزور. كان ذلك من عام1945م ….)

كما قال الأستاذ اسحق قومي: (ملح الأرض هم المسيحيُّون في بلاد الشَّرق)

كما قــدم مــن مناطق مـــــردليَّة وآزخينيَّة وعين ورديَّة ومــــدياديَّة وآمديَّة وقلثينيَّة. وبافــــاوية. ودياربكرليـــــــــة والعشائر الآشورية الكلدانيَّة. وأرمنيَّة ومنصوراتيَّة وبرهميويَّة وقدم البني بليون .

أمَّا الآشوريُّون [5]الَّذين يعيشون على الخابور اليوم فقد قدموا من العراق نتيجة المآسي الَّتي وقعت عليهم نتيجة دسائس الحلفاء أودت بحياة الكثير منهم وشتتتهم دون

رحمة، ثمَّ سخرتهم لخدمتها وكذلك نتيجة لانقسامهم إلى عدَّة أقسام، فانقسم السَّريان الشَّرقيُّون (النَّساطرة) وكذلك السِّريان الغربيُّون (اليعاقبة) وكذلك السِّريان الملكيُّون، كما انقسم السِّريان النَّساطرة إلى آشوريِّين وكلدان، وانقسم السِّريان اليعاقبة إلى سريان أرثوذكس وسريان كاثوليك، وانقسم السِّريان الملكيون إلى روم أرثوذكس وروم كاثوليك “. ومنذ تلك الفترة حاولت كلُّ ملَّة أنْ تنفرد بتسميتها الخاصَّة دينياً، فتناسى الآشوريُّون السِّريان التَّسمية الأصليَّة وهي الآشوريَّة، والسِّريانيَّة الَّتي اشتقت منها كتسمية لبقايا أبناء هذه الحضارة، بل أنَّ كلَّ فئة بدأت تأخذ تسميتها على أساس مذهبي ديني. وفي مقالة للباحث العراقي الدكتور بهنام أبو الصوف عن أصلهم فقال (بعد سقوط الامبراطوريتين الأشورية والكلدية (البابلية الثانية) في (612 ق.م و 539 ق.م) على التوالي, أنتهت تقريبا اللغتين الأشورية والبابلية من التداول في بلاد الرافدين والأقطار المحيطة, والتي كانت في فلك هاتين الدولتين ماعدا استمرار الخط المسماري في بعض المدونات الكهْنوتية والتُراثية, وآخرها وجد في مدينة الوَركاءْ في الزمن السلوقي بعد لالاسكندر بسنوات (حوالي 200 ق.م) , وهكذا حّل محل اللغتين اعلاه في التداول وفي المكاتبات الخط واللغة الآرامية, وأصحابها كانوا يتغلغلون إلى بلاد الرافدين وأقسام من ايران والخليج العربي خلال النصف الثاني من الألف الثاني ق.م, قادمين في الغالب من بلاد الشام, حيث كانوا قد أستقروا في أواسطْ الألف الثاني ق.م مهاجرين اليها من شبه الجزيرة العربية كسابِقيهم من الهجرات الأكدية والأمورية في الألف الثالث ق.م.

حلت اللغة الآرامية والخط الآرامي في معظم بلاد الرافدين غربي دجلة وفي الشمال وكل بلاد آشور وهذا كما أسلفت أعلاه بعد سقوط الأشوريين والكلديين, تجاورهم الى الشرق من دجلة وفي كل بلاد ايران اللغة البهلوية والخظ البهلوي (لغة وخط الدولة الأخمينية المنتصرة التي احتلت بابل في (539 ق.م  (وبسبب هذه الاحداث لم يتبق في بلاد الرافدين أيَّةُ لغة أشورية أو كلدية (بابلية) ما عدا مخلفات قليلة كهنوتية في المعابد والمراكز الدينية المحافظة, وهذه كانت أيضاً في طريقها إلى الإنقراض, كما انقرضت قبل هذا بأكثر من ألف سنة اللغة السومرية من المعابد بعد سقوط آخر كيان سومري في أواخر الألف الثالث ومطلع الألف الثاني ق.م بعد سقوط دولة أُور الثالثة في أور في (2006 ق.م) أن آخر كيان سياسي للأشوريين بعد خروجهم من نينوى وأشور كان في حرّان حيث قضى عليه نبوخذ نصّر,( العاهل الكلدي البالبلي قبل (605 ق.م) وعاد إلى بابل لاستلام الحكم بعد وفاة والده نبوبلاصر, مؤسس السلالة الكلدية البابلية  الأخيرة.

وتأسيساً على هذا نجد أن من كان يتكلم ويتعامل باللغة الأشورية لغة الحاكمين في الأمبراطورية الأشورية وفي كل بلاد الرافدين وأطرافها الشمالية والجبال وشمالي سوريا قد انقرضوا تماماً في مطلع القرنين الخامس والرابع ق.م وما بعدهما حتى مَجئ المسيحية إلى هذه البلاد بعد أنتشارها في بلاد الشام اولاً.  في القرن الأول الميلادي كانت اللغتين السائدتين هما الآرامية في بلاد الشام مع اليونانية ( لغة المنتصرين في اليونان-بعد الأسكندر) والفارسية (البهلوية) في شرقي بلاد الرافدين وبلاد إيران (وهي لغة المنتصرين الأخمينيين والبارثيين والساسانيين) وحتى مجئ الفتح العربي الإسلامي في مطلع القرن السادس الميلادي ( بعد 537 م ) وبَدأتْ اللغة العربية ومن ثم خطها يَحل محَل الفارسية في شرق العراق كما صار يزاحم الآرامية (التي صارت تدعى الآن السريانية – من سورث أي سوريا) بعد أن تبنى المسيحيون الجدد هذه اللغة واطلقوا عليها السيريانية لأنهم أعتبروا الآرامية هي لغة الوثنيين فصارت معظم مُدن بلاد الرافدين وبلاد الشام تتكلم العربية (لغة الفاتحين الجدد), وقد أستمرت السريانية ( وريثة الآرامية ) في الكنائس ولدى بعض القطاعات المحافظة في بلاد الرافدين وبلاد الشام, إلا أنها أستمرت كلغة التداول خارج المدن وفي قرى وقطاعات منعزلة في كل بلاد الرافدين وبلاد الشام ولا زالت. حتى مسيحيوا الجبال في الهكاري وجزيرة ابن عمر وشرقي بلاد الأناضول وقرى شمال العراق وشمال شرقه وأطراف بحيرة وانْ, إستمرت هذه الأقوام تتحدث بالآرامية ووريثتها السيريانية. اعتنق سكان جبال وقرى ومدن  الجزء الشمالي الشرقي من العراق و امتداداتها في بلاد ايران و الأناضول الديانة المسيحية بمذهب يدعى (النسطورية) نسبة إلى الأسقف (نسطوريوس) أسقف القسطنطينية والذي أسس المذهب في 431 م. بعد حرمانه وطرده من الكنيسة الكاثوليكية الجامعة, ويطلق على كنيسة النساطرة -الكنيسة الشرقية.

في الحقيقة إن اتباع هذا المذهب وجَلَّهم من سكان الجبال والقرى الشمالية للعراق وشمالي غرب ايران و شرق الأناضول هم بقايا الأقوام والقبائل الآرامية القديمة ( كما تم تبيانه اعلاه) في القرن الخامس عشر قامت الكنيسة الكاثوليكية بجهد كبير لغرض تحويل أتباع الطائفة النسطورية الشرقية إلى المذهب الكاثوليكي، وقد نجحت جزئياً بذلك وحينما أرادوا اطلاق تسيمة على معتنقي الكاثوليكية في العراق أسموهم ب (الكلدان) وذلك بإعنبار أنهم من أرض بابل (الكلدية) وليس لأنهم من سلالة الكلديين المنقرضين, إذا هي لا تعدو كونها مجرد تسمية للتعريف جغرافيا.

أما عن جذور الإسم ( أثور من أشور ) فإنه في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ظَهر مُطران مسيحي ( كلداني – كاثوليكي)   واسمه (المطران أدي شير) ومؤلفه القيم الموسوم ( كلدو – أثور), من عندها ابتدأت هذه الأقوام تداول المصطلح (أثور)  كنوع من تأسيس لهوية تحفظ لهم كينونتهم, أشتد الضغط على الأقليات العرقية والدينية وأضطهاد الترك والكرد للأقليات بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى وحصول واقعة مذابح الأرمن بعد 1915 بسبب موقفهم المناؤي للدولة العثمانية حينها و مساندتهم لروسيا القيصرية مما عُدَّ حينها صراع عسكري- ديني..

انسحب الأمر على جميع المكونات المعتنقة للديانة المسيحية في العراق  حينها وأخذ كل مذهب يحاول تأسيس هوية  معينة للتعريف والتميز والحفاظ على كينوته من الضياع والإنقراض ووجد النساطرة ضالتهم بالتسمية التي اطلقها المطران ( أدي شير)  عليهم (الأثوريون(.

حين حل الإحتلال البريطاني في المنطقة عقب خسارة الحلفاء الحرب و سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد 1918 وجد في المكون  الأثوري عنصر حليف ومخلص بسبب عقدة الإضطهاد الديني والعرقي التي عانوا منها الأمرين إبان الدولة العثمانية, شكل الإنكليز فوجاً عسكرياً من الأثوريين  بإسم (قوات الليفي أي الموالين) ومنح بعض منهم الرتب العسكرية المختلفة, وبقي هذا التشكيل حتى مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم وأخذت هذه القوات تحرس القواعد والمطارات البريطانية في الموصل والحبانية والبصرة وربما كركوك.

وقد أجاد المحتل البريطاني المشهود له بدهائه و خبثه أن يوظف الموروثات و التسميات و يرقع منها ما يناسب كسب الأقليات بالعزف على أوتار التفرقة بنغمة تروق لكل منها ( شيعة وسنة ومسيحيين …الخ ), فأخذ يدفع بإتجاه استخدام مصطلح أشوري بدلا من أثوري وإن جنود فوج الليفي من سكنة القرى والجبال من النساطرة هم ورثة وأحفاد الأشوريين المقاتلين الأشداء, وحينها تمت عملية التجيير الرسمي لمصطلح المطران (أدي شير) الأثوريين الى الأشوريين وتمسكْ الإخوة النساطرة بهذه التسمية إلى حد الساعة.

إذاً المحصلة النهائية التي نخرج بها  أن الإخوة ( الأثوريين ) بحسب مصطلح المطران ( أدي شير) هم آراميون – سريان – من أتباع الكنيسة النسطورية (الشرقية) ولا يوجد أي سند  مؤيد من جهة علمية تاريخية أو أنثروبولوجية أو عسكرية بريطانية أو هيئة كنسية فاتيكانية تؤيد بالإثبات التأصيل التاريخي أنهم أحفاد الأشوريون (سكان العراق القديم( (.[6]

وتشكلَّت لجنة لبحث قضيَّة الآشوريِّين بمختلف طوائفهم وخلال معاهدة باريس عام ( 1919م ) وقفت هذه اللُّجنة لتعرض القضيَّة الآشورية على مندوبي الدُّول ذات الشَّأن وأقرَّت حقوقهم في معاهدة سيفر الَّتي عقدت عام 1920م، ونصَّت المادَّة (62) والمادَّة (27ع 2-3)، فتقول وفي هذه الخطة والتَّقسيم يجب أن تراعى حقوق الأمَّة السِّريانيَّة الكلدانيَّة وتضمن سلامتها، وجاءت معاهدة لوزان عام ( 1924م ) ونصَّت على حقوق الأشوريِّين والتَّأكيد على قضية الشَّعب الآشوري بكامله،جاء فيها / وبدأت تطالب بحقوق الأمُّة وإسكانها في بلادها الأصليَّة وهي قسم من لواء الموصل وشماله وجبال حيكاري يسكنها السِّريان تحت رعاية حكومة محليَّة منهم تكون مسالمة لحكومة العراق، وذلك لأنَّ الجيوش الآشوريَّة هي الَّتي احتلَّت تلك المناطق من يد التُّرك بقيادة البطل الآشوريِّ المجرب آغا بطرس / وتلا ذلك تشكيل لجنة بلجيكيَّة هنغاريَّة عام (1925م ) ورفعت تقريرها إلى الجمعيَّة العموميَّة موافقة على إلحاق الموصل بالعراق وترك حيكاري ضمن الحدود التُّركيَّة بشرط السَّماح للسِّريان العودة إليها وأنْ تمنحهم حقوقهم القديمة وتضمن سلامتهم. إلَّا أنَّ كلَّ هذه الأمور والمعاهدات بقيت حبراً على ورق، فمواطن الآشوريِّين تمَّ تقسيمها بين عدِّة دول وفصلت بينها حدوداً سياسيَّة.   ولم تكتفي دول الحلفاء بما جرى بل ساهمت بتنفيذ مجازر عام ( 1933م ) في العراق، لتنعقد بعدئذ جلسة لعصبة الأمم المتَّحدة في جنيف وتغرم العراق بغرامة ماليَّة ويتمُّ توطينهم على نهر الخـــابور حيث بنوا (31) قرية ومنها منطقة تلِّ تمر ومنحوا مســاحة من الأرض(20× 3) ميل.

وكانت الجزيرة (الحسكة) عندما احتلَّها الفرنسيُّون عام (1922م) عبارة عن ناحيَّة صغيرة تتبع لواء دير الزُّور وتدعى ناحيَّة الحسجة وكانت خالية من أيِّ أثر للعمران باستثناء ثكنة عسكريَّة عثمانيَّة وفيها فرقة البغالة كانت مهمَّتها ضبط الأمن بين العشائر، وعندما جاء الفرنسيُّون محتلِّين للمنطقة حوَّلت حكومة لواء دير الزُّور هذه النَّاحية إلى قضاء.

في أثناء ذلك كانت أعداد من أكراد تركيا تأتي إلى الجزيرة إثر فشل حركاتهم المسلَّحة وسيَّما ثورة النَّورسيِّ في الاستحواذ على أراضي الجزيرة العليا من أيدي الأتراك، على الرَّغم من وجود باشات رأس العين الَّذين يرجعون في أصولهم إلى الأكراد. وهناك أسر كردية في محيط الدِّرباسيَّة والقامشلي وقبور البيض (القحطانية) وعامودا مثل عشيرة الهفيركان وعشيرة الدَّقورية وعشيرة المرسنيين وأسرة بيت حاجو آغا الَّذي جاء عام    ( 1923م ) ثمَّ عاد لتركيا وبعدها رجع لسوريَّا في أوائل الثَّلاثينات[7].

(وخَرَبَ الأكراد نصيبين بكثرة غاراتهم عليها، ووقعت المدينة بيد الأتراك العثمانيِّين بعد استيلائهم على سوريَّة سنة (1517م ) وقضائهم على دولة المماليك بسوريَّة ومصر، وما زالت بيد الأتراك مع أنَّها عربيَّة سوريَّة)[8].

وبعام (1925م ) وبموجب القرار رقم ( 237 ) الصَّادر عن رئيس دولة سوريَّا أصبح قضاء الحسكة قضاءين يضمان ستِّ نواح لاستيعاب المهاجرين وتنظيمهم في القرى. سُمِّي الأوَّل قضاء الحسكة ويتألَّف من أربع نواحي هي( الشَّدادي والحسكة’’ المركز’’ ورأس العين وعامودا. والثَّاني سُمِّي قضاء كرو ويتألَّف من ثلاث نواح هي: كرو وعزور وديرون /الجريدة الرَّسميَّة السُّوريَّة العدد 397 لعام ( 1925م).

بعام ( 1928م ) تمَّ تخطيط الحدود بين سوريَّا وتركيَّا وأُلحِق بسوريَّا القسم الواقع في أقصى الشَّمال الشَّرقيِّ للجزيرة وكان لايزال يُعتبر حتَّى ذلك الحين داخـل تركيـَّــا وجـــعل قضاء وسُمِّي قضاء عين ديوار.

( وفي 30 أيلول 1930م) فكَّت الحكومة المركزيَّة قضاء الحسكة وكرو’’قيرو ’’ عن لواء دير الزُّور ووحَّدتـــهم إداريا تحت اســــم ’’لواء الفرات ’’  وبعام (1932 م ) قُسِّم هذا اللُّواء إلى ثلاثة أقضية هي: قضاء مــركز اللُّواء في مدينة الحســكة وتتبعه ناحــيتان  ’’ رأس العين والشَّـــدادة، وقضاء دجــــلة وتتبعه مصطفوية وديــرون آغا، وقضاء القامشليِّ  ويتبعه ’’ الدِّرباســــيَّة وبديرات وعامودا ’’ وبعام ( 1936م ) تحوَّل اللُّواء وأصبح  محافظة’’محافظة الجزيرة’’مركزها بلدة الحسكة ثمَّ أصبحت محافظة الحسكة)[9].

 

 

[1] -المعلومات الزراعية والاقتصادية والإدارية عن سنجق دير الزور 1922 / وجيه الجزار حققه عبد القادر عياش ص 10

[2] – الدم المسفوك – الملفونو عبد المسيح نعمان قره باشي ص 104

[3] – القصور والقصوارنـة وقبائل الجزيرة السورية من عام1350 إلى2000م اسحق قومي.

[4]-  الـ (47 ) هي منطقة تبعد عن مركز مدينة الحسكة مسافة ( 47كم )، وأنشئ في هذا المكان تجمُّع سكَّاني، وسُمِّت بهذا الاسم لذلك.

[5]- هناك روايات تقول ان هذه التسمية اطلقها عليهم الإنكليز وليس المقصود فيهم

الاشوريين القدماء

[6] – مقالة هل الأثوريون هم أحفاد الأشوريين القدماء الدكتور بهنام ابو الصوف

[7] -القصور والقصوارنة وقبائل الجزيرة السورية من عام1350إلى2000م اسحق قومي

[8] – حضارة وادي الفرات لعياش ص226

[9] – حضارة وادي الفرات لعياش ، التكوين التاريخي للجزيرة السورية  لجمال باروت.

 

المعلومات مأخوذة من كتاب الجزيرة السورية بين الحقيقة والوهم 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

 

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *