“سينما النسوان”.. (السيلمة)

في الخمسينيات من القرن الماضي انتشر في مدينة “دير الزور” ما يسمى “سينما النسوان”؛ حيث يخصص يوم في الأسبوع لذهاب النساء ومشاهدة الأفلام، وذلك عن طريق الإعلان عن الفيلم بالصراخ والنداء والتجول في كل شوارع المدينة.
الأستاذ “جودت سلمان” من حي “الشيخ ياسين” قال: «كان يوم الخميس من بعد الظهر في “دير الزور” مخصصاً للنساء في دور السينما، وفعلاً كان يوماً مميزاً وحماسياً، حيث تجد النساء مستعدات للذهاب إلى السينما، وخاصة إذا كان الفيلم قوياً وأبطاله معروفين ومشهورين، وكانت سينما القاهرة مشهورة بالأفلام القوية فتجد أمام السينما جموعاً غفيرة من النساء بالعباءة التقليدية السوداء “الحبر”، وكانت العادة عند الذهاب إلى السينما يصطحبن معهن البزر والفستق والكلية (البوشار)، وأحياناً “كليجة”، وإذا كان موسم “الجارنك” لا بأس أيضاً من التزوّد به».
ويتابع “السلمان”: «امتدت هذه العادة إلى الكثيرات من نساء “دير الزور” في ظل المجتمع الفراتي المحافظ في تقاليده وعاداته، ولكثرة تحدث النساء عن ذهابهن إلى السينما، حيث يبدأ التحضير بشرح الفيلم السابق والفيلم الجديد، والتحدث عن المجريات والتوقعات فأصبحت شغلهن الشاغل، قام أحد الشعراء بإطلاق هذا المونولوج وكنا نردده ونحن أطفال، وهو:

طرق طراق طريق

تشحط بكلاش اللستيق

وين رايحه يا أم شفيق

على السينما يا أخوان

الفيلم ما يضيع صباح وفهد بلان

“حذامي ملا حويش” قالت: «أتذكر مرة اصطحبتني والدتي إلى السينما وكنت طفلة في ذلك الوقت، وحين أطفئت الأنوار وقبل أن يبدأ عرض الفيلم، بدأت تتعالى أصوات غير مفهومة وهمسات ولغط وبكاء الأطفال، ومشاجرة هنا وهناك يحاولون إسكات بعضهن بعضاً من أجل مشاهدة الفيلم، فقد كانت النساء يتفاعلن مع الأبطال وفقاً لمجريات المشاهد، فإذا كان المشهد عاطفياً ترى الهدوء يعم المكان، وإذا كان الموقف بطولياً تبدأ الزغاريد والهلاهيل لانتصار البطل، وما زلت أذكر كيف كان يتم الإعلان عن العرض الجديد، وكيف تتفق النساء للذهاب لحضوره، وكانت لوحة الإعلان عبارة عن لوحة خشبية بعرض ثلاثة أمتار وارتفاع مترين ونصف المتر، ولها ساقان خشبيتان يحمل اللوحة شابان ويدوران بها في الحارات، ويرافقهما أحد موظفي السينما، وكلما وصلا شارعاً أو تقاطعاً أنزلا اللوحة وأوقفاها على ساقيها وتناوبا النداء بأعلى الصوت، ويسميان الفيلم ويعددان بعض أبطاله، وبعض الحكايا الأخرى كل هذا بصوت منغم، ويختمان بكلمة: “يا شباب ممطوطة”، مع أن الدعوة للنساء».
تعددت طرائق الإعلان عن الأفلام التي تعرض في السينما، هذا ما أوضحه السيد “جمال عبد الكريم” بالقول: «في الخمسينيات من القرن الماضي كانت مدينة “دير الزور” تحوي ثلاث دور للسينما في كل المدينة آنذاك، وهي: سينما “فؤاد” التي تقع بالقرب من حي “الرشدية”، وسينما “القاهرة” على الشارع العام، وسينما “الفردوس” بالقرب من حي “الشيخ ياسين”، وكان يوما الإثنين والخميس مخصصين للنساء، وتختلف طرق الإعلان عن العرض الجديد، فبعضهم يحملون لوحة كبيرة للفيلم المراد عرضه مرسوماً عليها “أفيشاته” وبعض الصور الفوتوغرافية منه؛ التي توضح المشاهد المهمة، وتوضع هذه اللوحة فوق “طريزينة” (وسيلة نقل بثلاث عجلات)، أو مشياً على الأقدام وبواسطة مكبر الصوت يتم الصراخ والنداء بهذه العبارة: (بعد الظهر للنسوان الفيلم العاطفي الكبير كذا)، ويجوبون شوارع المدينة وحاراتها، ويستمر العرض لأكثر من ثلاثة أسابيع؛ لتتمكن جميع النساء في المدينة من مشاهدته».

بقلم رامي خطاط

شاهد أيضاً

“قهاوي” الدير.. لكل قهوة روّادها واختصاصها

تنتشر في “دير الزور” عدد من المقاهي الشعبية أخذت أسماء كثيرة مثل “الجرداق” و”غبيني” و”الحمام” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *