الجَزِيرَةِ السُّورِيَّهِ فِي القَرْنِ العِشْرِين

المَنَاطِقُ السُّورِيَّه فِي الجَزِيرَةِ الَّتِي أُلْحِقَتْ بِتُرْكِيَّا

شهد أواخــر عهــد الدَّولـــة العثمانيَّة تطوُّرات كبيرة في مناطق الجـــزيرة السُّوريَّة.  فكانت سوريَّة هي الولاية العربيَّة الأخيرة الَّتي تنفصل عن الدَّولة العثمانيَّة، وانتقل ملف إدارة العلاقات مع تركيَّا إلى سلطة الانتداب الفرنسيِّ الَّتي حلَّت مشاكلها العالقة مع تركيَّا على حساب المصالح السُّوريَّة، وعُرِضت مشكلة كيليكيا على عصبة الأمم والَّتي وافقت على قبول المطالب التُّركيَّة، دون إعطاء فرصة للسُّوريِّين لطرح وجهة نظرهم.  وإثر نشر مسودة المعاهدة بين الحكومتين السُّوريَّة والفرنسيَّة المعروفة بمعاهدة عـــام 1936م بدأت أنقرة بالمطالبة بلواء اسكندرون الَّذي كان جزءاً من سوريَّة، وكان الحكم الذَّاتي للواء منصوصاً عليه بعدَّة قرارات صادرة عن المندوب السَّاميِّ الفرنسيِّ في سوريَّة ولبنان، وانتهى الأمر بموافقة فرنسا على التَّخلي عن اللواء من خلال إقامة جمهورية هاتـاي، ولم يكن صك الانتداب يمنح فرنسا حقَّ التَّخلي عن أراضٍ سوريَّة. أمَّا قضية ترسيم الحدود بين سوريَّة وتركيَّا فهي الأخرى مثَّلت مشكلة شائكة، واستمرَّت بين عامي (1921 – 1929م)  وتضمَّنت عدَّة مراحل مثل اتِّفاق (20 تشرين أوَّل 1921م ) وسُمِّي اتِّفاقيَّة أنقرة الأولى بين فرنسا وتركيَّا، ووقَّع الاتِّفاق الدُّبلوماسيُّ الفرنسيُّ هنري فرانكلان بويون ووزير الخارجيَّة التُّركيُّ يوسف كمال. وتتألَّف هذه الاتِّفاقيَّة من ثلاثَ عشرةَ مادَّةً تخلَّى الفرنسيُّون بموجب هذه الاتِّفاقيَّة ووفق المادَّة الثَّامنة منها لتركيَّا عن أجزاء من سوريَّة والَّتي عُرفت آنذاك بالأقاليم السُّوريَّة الشِّماليَّة أو الجزيرة الفراتيَّة العليا وتمَّ ضمَّها إلى تركيَّا بموجب هذه الاتِّفاقيَّة مقابل اعتراف تركيَّا بالانتداب الفرنسيِّ على سوريَّة، وقدرت مساحة الأراضي بــــ(18 الف كم2) وشملت(كيليكيا وقسماً كبيراً من الجزيرة – مرعش وأورفه وماردين وسعرت وكلس وعينتاب )[1]. كما جاء الحديث عن قبر سلمان شاه بالمادَّة السَّابعة ونصَّت على أنَّ القبر وملحقاته يبقى “ملك تركيَّا” ولها الحقُّ برفع علمها ووضع حراسات عليه دون أيِّ إشارة إلى آلية تتَّبع كيفيَّة انتقال هذا الإلتزام كما هو للحكومات السُّوريَّة اللَّاحقة. ويقع في سوريَّا في محافظة حلب في قرية أشمه. وهو محاط كليّاً بالأراضي السُّوريَّة. وبعام (1973م ) وعندما أصدرت الحكومة السُّوريَّة قراراً بغمر كامل المنطقة المحيطة بقلعة جعبر بالمياه تمهيدًا لإنشاء بحيرة الأسد، تمَّ توقيع اتِّفاق بين سوريَّا وتركيَّا لنقل القبر مسافة 85 كيلومتر شمالًا على طول نهر الفرات، وعلى بعد 27 كيلومتر من الحدود التُّركيَّة عند قرية قرَّة قوزان.

كما جاءت اتِّفاقيَّة حسن الجوار (1926م) ومعاهدة أنغورا التي وقعت في ( الثَّلاثين من أيار 1926م) وأخيراً اتِّفاقيَّة أنغورا لعام (1929م) وجميعها اندرجت ضمن نطاق العلاقات الفرنسيَّة التُّركيَّة بعيداً عن مصالح شعوب المنطقة، حيث ضحَّت فرنسا بمصالح الأرمن والسُّوريِّين الَّتي نصَّت عليها معاهدة سيفر، وانسحبت من كيليكيا عام (1921م)،  فكان نتيجة هذه الاتِّفاقيات والمعاهدات، أنْ أصبحت العديد من المدن السُّوريَّة تحت السَّيطرة التُّركيَّة لتشكِّل اليوم الأقاليم الجنوبيَّة لتركيَّا الحديثة فإضافة إلى لواء اسكندرون وكيليكيا المدن والسَّناجق التَّالية جزيرة ابن عمر، نصيبين، ماردين، أورفه، البيرة، حرَّان، ديار بكر، كلس، غازي عينتاب، مرعش، أضنة.

وعلى الرَّغم من تعهد فرنسا اتِّجاه عصبة الأمم بموجب المادة (22) من تعهدها وفقاً لصكِّ الانتداب المؤرخ في (24 حزيران 1922م) المادَّة الرَّابعة: لا يُسمح لها بالتَّفريط بأراضي الدَّولة المنتدَبة عليها. إلَّا أنَّ معاهدة أنقرة بين فرانكلين بويون وحسين كمال عام (1921م) فقد تنازل الفرنسيُّون عن السَّناجق السُّوريَّة إلى تركيَّا، وعلى الرَّغم من أنَّ المادة (9) من اتِّفاقيَّة سايكس بيكو عام( 1916م) تعهَّدت فيها الحكومة الفرنسيَّة أنْ لا تجرى مفاوضة في أيِّ وقت كان للتَّنازل عن حقوقها، ولا تعطى مالها من الحقوق في المنطقة الزَّرقاء لدولة أخرى إلَّا للدَّولة أو حلف الدُّول العربيَّة بدون أن توافق على ذلك سلفاً حكومة جلالة الملك الَّتي تتعهَّد للحكومة الفرنسيَّة بمثل هذا فيما يتعلَّق بالمنطقة الحمراء.

وهذا التَّنازل ووفقاً للقوانين والأعراف الدُّوليَّة يُعتبر باطلاً نظراً لانَّ فرنسا ليس لها أيُّ صفة قانونيِّة بالتَّفاوض عن سوريَّة للتَّنازل عن أراضيها وبالتَّالي فإنَّ التَّنازل الفرنسيَّ ليس له أيُّ شرعيَّة قانونيَّة إلَّا أنَّ سياسة الأقوياء اتِّجاه الضُّعفاء هي الَّتي تفرض ما تمليه على الضُّعفاء.

وأمام كلِّ ما حدث فإنَّ المتتَّبع لتلك الأحداث سيصل إلى نتيجة وهي أنَّ اتِّفاقية سايكس بيكو عام (1916م) بين فرنسا وبريطانية كانت بداية لرسم الحدود في تلك المناطق، وتضمَّنت المراسلات الفرنسيَّة البريطانيَّة الَّتي أدَّت إلى اتِّفاقية سايكس-بيكو إشــارة واضحة إلى حدود سوريَّة، وفي الرِّسالة الموجَّه من الرئيس الفرنسيِّ بريان إلى سفيره في لندن بول كامبون والمفاوض الفرنسي جورج بيكو في  ( 9  تشرين الأوَّل 1915م ) ففيها التَّعليمات وعلى النَّحو التَّالي:

« بعد تقديم هذا التَّحفظ، فإنَّه يبدو أنَّ الحلَّ الأبسط يمكن في تثبيت الحدود الإداريَّة الحاليَّة لسوريَّة. وهكذا، فستشتمل أرضها على ولايات أو متصرفيَّات القدس وبيروت ولبنان ودمشق وحلب، وفي الشِّمال الغربيِّ على الجزء الكامل من ولاية أضنة الواقع جنوب طوروس ». فجرى توزيع أراضي الدَّولة العثمانيَّة في الشَّرق الأوسط، وبموجبها أصبحت غالبية أراضي الجزيرة السُّوريَّة خاضعة للنفوذ الفرنسيِّ ورُسمت خريطةً لهذا التَّقسيم وقُسِّمت المناطق إلى (أ وب) .     وجاء ببنودِ الاتِّفاقيَّة   “الجزء الخاص بإنجلترا وفرنسا”:

المادَّة الأولى: إنَّ فرنسا وبريطانيَّا العظمى مستعدَّتان أن تعترفا وتحميا أيَّ دولة عربيَّة مستقلة أو حلف دول عربية تحت رئاسة رئيس عربيًّ في المنطقتين (أ) – (داخليَّة سوريَّا)، (ب) (داخليَّة العراق) المبينتين بالخريطة الملحقة. ويكون لفرنسا في منطقة (أ) ولإنجلترا في منطقة (ب) حقُّ الأولويَّة في المشروعات والقروض المحليَّة، وتنفرد فرنسا في منطقة (أ) وانجلترا في منطقة (ب) بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربيَّة أو حلف الحكومات العربيَّة.

 المادَّة الثَّانية:يباح لفرنسا في المنطقة الزَّرقاء (شقَّة سوريَّا السَّاحليَّة) ولإنجلترا في المنطقة الحمراء (شقَّة العراق السَّاحليَّة من بغداد حتَّى خليج فارس) إنشاء ما ترغبان فيه من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو من المراقبة بعد الاتِّفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربيَّة.

 المادَّة الثَّالثة: تُنشأ إدارة دوليَّة في المنطقة السَّمراء (فلسطين) يعيَّن شكلها بعد استشارة روسيَّا بالاتِّفاق مع بقيَّة الحلفاء وممثلي شريف مكَّة.

 المادَّة الرَّابعة:  تنال انجلترا ما يأتي: 1- ميناء حيفا وعكا.2- يضمن مقدار محدود من ماء دجلة والفرات في المنطقة (أ) للمنطقة (ب) وتتعهَّد حكومة جلالة الملك من جهتها بأنْ لا تدخل في مفاوضات ما مع دولة أخرى للتَّنازل عن قبرص إلَّا بعد موافقة الحكومة الفرنسيَّة مقدماً.

 المادَّة الخامسة:  تكون اسكندرون ميناءً حرّاً لتجارة الامبراطوريَّة البريطانيَّة ولا تنشأ معاملات مختلفة في رسوم الميناء، ولا ترفض تسهيلات خاصَّة للملاحة والبضائع البريطانيَّة وتباح حريَّة النَّقل للبضائع الانجليزية عن طريق اسكندرون وسكَّة الحديد في المنطقة الزَّرقاء سواء كانت واردة إلى المنطقة الحمراء أو المنطقتين (أ) و (ب) أو صادرة منها. ولا تنشأ معاملات مختلفة -مباشرة أو غير مباشرة -على أيِّ سكَّة من سكك الحديد أو في أيِّ ميناء من موانئ المناطق المذكورة تمسُّ البضائع والبواخر البريطانيَّة. وتكون حيفا ميناءً حرّاً لتجارة فرنسا ومستعمراتها والبلاد الواقعة تحت حمايتها ولا يقع اختلاف في المعاملات ولا يرفض إعطاء تسهيلات للملاحة والبضائع الفرنسيَّة ويكون نقل البضائع الفرنسيَّة حرّاً بطريق حيفا وعلى سكَّة الحديد الانجليزية في المنطقة السَّمراء، سواء كانت البضائع صادرة من المنطقة الزَّرقاء أو الحمراء أو المنطقة (أ) أو المنطقة (ب) أو واردة إليها ولا يجري أدنى اختلاف في المعاملة بالذَّات أو بالطَّبع يمسُّ البواخر الفرنسيَّة في أيِّ سكَّة من السِّكك الحديد ولا في ميناء من الموانئ في المناطق المذكورة.

 المادَّة السَّادسة: لا تمدُّ سكَّة حديد بغداد في المنطقة (أ) إلى ما بعد الموصل جنوباً ولا في المنطقة (ب) إلى ما بعد سامراء شمالاً إلى أنْ يتمَّ انشاء خطٍّ حديديٍّ يصل بغداد بحلب مارّاً بوادي الفرات ويكون ذلك بمساعدة الحكومتين.

 المادَّة السَّابعة:  يحقُّ لبريطانيا العظمى أن تنشئ وتدير وتكون المالكة الوحيدة لخطٍّ حديديٍّ يصل حيفا بالمنطقة (ب)، ويكون لها ما عدا ذلك حقٌّ دائمٌ بنقل الجنود في أيِّ وقت كان على طول هذا الخطِّ. ويجب أن يكون معلوماً لدى الحكومتين أن هذا الخطَّ يجب أن يسهِّل اتِّصال حيفا ببغداد وأنَّه إذا حالت دون إنشاء خطِّ الاتِّصال في المنطقة السَّمراء مصاعب فنيَّة ونفقات وافرة لإدارته تجعل إنشاءه متعذراً فالحكومة الفرنسيَّة تكون مستعدة أن تسمح بمروره في طريق بربوره -أم قيس -ملقى -ايدار -غسطا -مغاير، قبل أن يصل إلى المنطقة (ب).

 المادَّة الثَّامنة:  تبقى تعريفة الجمارك التُّركيَّة نافذة عشرين سنة في جميع جهات المنطقتين الزَّرقاء والحمراء والمنطقتين (أ)، (ب) فلا تضاف أي علاوة على الرُّسوم ولا تبدل قاعدة التَّثمين في الرُّسوم بقاعدة أخذ العين. إلَّا أنْ يكون باتِّفاق بين الحكومتين ولا تنشأ جمارك دخليَّه بين أيَّة منطقة وأخرى من المناطق المذكورة أعلاه وما يفرض من رسوم الجمرك على البضائع المرسلة إلى الدَّاخل يدفع في الميناء ويعطى لإدارة المنطقة المرسلة إليها البضائع.

المادَّة التَّاسعة: من المتفق عليه أن الحكومة الفرنسيَّة لا تجري مفاوضة في أيِّ وقت كان للَّتنازل عن حقوقها، ولا تُعطي ما لها من الحقوق في المنطقة الزَّرقاء لدولة أخرى إلَّا للدَّولة أو حلف الدَّول العربيَّة بدون أنْ توافق على ذلك سلفاً حكومة جلالة الملك الَّتي تتعهَّد للحكومة الفرنسيَّة بمثل هذا فيما يتعلق بالمنطقة الحمراء.

 المادَّة العاشرة:  تتَّفق الحكومتان الانجليزيَّة والفرنسيَّة بصفتهما حاميتين للدَّولة العربيَّة على ألا تمتلكان ولا تسمحان لدولة ثالثة أنْ تمتلك أقطاراً في شبه جزيرة العرب، أو تُنشئ قاعدة بحرية في الجزائر على ساحل البحر الأبيض الشَّرقيِّ على أن هذا لا يمنع تصحيحاً في حدود عدن، قد يصبح ضرورياً لسبب عداء التُّرك الأخير.

 المادَّة الحاديةَ عشرةَ:  تستمرُّ المفاوضات مع العرب باسم الحكومتين بالطُّرق السَّابقة نفسها لتعيِّين حدود الدَّولة أو حلف الدُّول العربيَّة.

 المادَّة الثَّانيةَ عشرةَ: من المتَّفق عليه عدا ما ذكر أنْ تنظر الحكومتان في الوسائل اللَّازمة لمراقبة جلب السِّلاح إلى البلاد العربيَّة، الموقِّعين ( انجلترا وفرنسا والإتحاد السُّوفيتيِّ سابقاً ) الدُّول الأعضاء ( انجلترا وفرنسا ).

 

وجاء مؤتمر باريس عام ( 1919م) والَّذي كان مؤتمر للسلام اجتمع فيه الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولى وقرَّروا فيه كيف يقسِّمون غنائم المنهزمين، وكيف يحدِّدون أسس السَّلام القادم معهم عقب هدنة عام ( 1918م ) وشارك فيه مندوبون عن أكثر من (32) دولة وكياناً سياسيّاً. وكان من أهمِّ قراراته إنشاء عصبة.كما وقَّع المشاركون خلاله على خمسِ معاهدات مع المنهزمين وكان أهمهـــــا:  ( معاهدة سيفر 10 أغسطس، آب/ 1920، مع الدَّولة العثمانيَّة وعُدِّلت لاحقاً بمعاهدة لوزان 24 يوليو، تمُّوز / 1923م مع الجمهورية التُّركيَّة(  .  في عام (1920م ) وُقِّعت معاهدة سان ريمو، وحُدِّدت فيها مناطق النُّفوذ البريطانيَّة والفرنسيَّة في المشرق العربي. وجاءت تلك المعاهدة نتيجة لموقف إنكلترا وفرنسا من مقررات المؤتمر السُّوريِّ العام المنعقد في (1920م) فقد انعقد المجلس الأعلى للحلفاء، الَّذي يُعتبر امتداداً لمؤتمر لندن المنعقد في (فبراير، شباط / 1920م ) في مدينة سان ريمو الإيطاليَّة، في المدَّة ما بين التَّاسعَ عشرَ والخامسِ والعشرين من ( أبريل، نيسان / 1920م ) للبحث في شروط الحلفاء للصَّلح مع تركيا طبقاً لمعاهدة سيفر، والمصادقة عليها، وكان ذلك بعد إعلان سوريَّة استقلالها ومناداتها بالأمير فيصل ملكاً عليها في المؤتمر السُّوريِّ العام في الثَّامن من ( آذار، مارس / 1920م )، واستقبال الجماهير المحتشدة في ساحة الشُّهداء وتأيِّيدهم لتلك القرارات بكل حماس باعتبارها محقَّقة لآمالهم ونضالهم من أجل التَّحرر والاستقلال. وتشكيل الحكومة برئاسة علي رضا الرِّكابيِّ، ولم يعُد فيصل في هذا العهد الجديد المسؤول الأوَّل عن السِّياسة، بل أصبح ذلك منوطًا بوزارة مسؤولة أمام المؤتمر السُّوريِّ، وتشكيل لجنة لوضع الدُّستور برئاسة هاشم الأتاسيِّ، ووضعها مشروع الدُّستور غير أنَّ هذه الخطوة الإصلاحية في تاريخ البلاد لم تجد قبولاً واستحسانًا من الحلفاء، ورفضت الحكومتان: البريطانيَّة والفرنسيَّة قرارات المؤتمر في دمشق، واعتبرت فيصل أميرًا هاشميًا لا يزال يدير البلاد بصفته قائدًا للجيوش الحليفة، لا ملكًا على دولة. ودعته إلى السَّفر إلى أوروبا لعرض قضية بلاده؛ لأنَّ تقرير مصير الأجزاء العربيَّة لا يزال بيد مؤتمر السِّلم.    بعد انتهاء أعمال مؤتمر الصُّلح في باريس عام ( 1920م ) وبعد اقتراح الرَّئيس الأميركي ولسن إرسال بعثة للتَّعرف على رغبة السُّوريِّين، وبعد قيام بريطانيا وفرنسا بعقد اتِّفاق لويد جورج كليمنصو، حيث اتَّفق الفريقان البريطانيُّ والفرنسيُّ على إعادة النَّظر في اتِّفاقيَّة سايكس بيكو بغية تطبيقها، اجتمع المؤتمر السُّوري العام وقرر إعلان استقلال سورية، وتتويج الأمير فيصل ملكاً عليها. وأصدر البيان الآتي:

 ` بَيَانُ اسْتِقْلالِ سُوريَّا الَّذي أَعْلَنَهُ المُؤْتَمَرُ السُّورِيُّ فِي( 8 آذار 1920م ):

إنَّ المؤتمر السُّوريَّ العام الَّذي يمثل الأمَّة السَّوريَّة العربيَّة في مناطقها الثَّلاث الدَّاخليَّة والسَّاحليَّة والجنوبيَّة (فلسطين) تمثيلاً تامّاً يضع في جلسته العامَّة المنعقدة نهار الأحد المصادف لتاريخ ( 16 جمادى الثَّانية سنة 1338 وليلة الاثنين التَّالي له الموافق لتاريخ 7 آذار سنة 1920م ) القرار الآتي:

إنَّ الأمَّة العربيَّة ذات المجد القديم والمدنيَّة الزَّاهرة، لم تقم جمعياتها وأحزابها السِّياسيَّة في زمن التُّرك بمواصلة الجهاد السِّياسيِّ ولم ترقْ دم شهدائها الأحرار وتثر على حكومة الأتراك إلا طلباً للاستقلال التَّام والحياة الحرَّة، بصفتها أمَّة ذات وجود مستقل وقوميَّة خاصَّة، لها الحقُّ بأنْ تحكم نفسها بنفسها أسوةً بالشُّعوب الأخرى الَّتي لا تزيد عنها مدنيَّة ورقيّاً. وقد اشتركت في الحرب العامة مع الحلفاء، استناداً إلى ما جهروا به من الوعود الخاصَّة والعامَّة في مجالسهم الرَّسميَّة وعلى لسان ساستهم ورؤساء حكوماتهم، وما قطعوه خاصَّة من المبادئ السَّاميَّة القائلة بحريَّة الشُّعوب الكبيرة والصَّغيرة واستقلالها على مبدأ المساواة في الحقوق وإنكار سياسة الفتح والاستعمار، وإلغاء المعاهدات السِّريَّة المجحفة بحقوق الأمم، وإعطاء الشُّعوب المحرَّرة حقَّ تقرير مصيرها الَّتي وافق عليها الحلفاء رسمياً كما جاء في تصريحات المسيو بريان رئيس نظار فرنسا بتاريخ ( 3 نوفمبر، تشرين الثَّاني/ سنة 1915م ) أمام مجلس النواب، واللورد جراي وزير خارجية بريطانيا العظمى في 23 أكتوبر سنة 1916 أمَّا لجنة الشُّؤون الخارجيَّة، وتصريح الحلفاء على مذكرة الرَّئيس ويلسن بتاريخ ( 10 يناير،كانون الثَّاني سنة 1917م ) وتصريح المسيو بيو رئيس نظار فرنسا بتاريخ ( 22 مايس، أيَّار/ سنة 1917م ) أمام مجلس النُّواب، وبيان مجلس النُّواب الفرنسي ليلة ( 4-5 يونيو، حزيران سنة 1917م ) وبيان مجلس الشُّيوخ بتاريخ 6 منه أيضاً، وما جاء في الخطاب الَّذي ألقاه المستر لويد جورج في غلاسكو بتاريخ ( 29 يونيو، حزيران سنة 1917م)     وقد كان ما قام به جلالة الملك حسين المعظَّم من الأعمال العظيمة في جانب الحلفاء هو الباعث الأكبر لتحرير الأمَّة العربيَّة وإنقاذها من ربقة الحكم التُّركيِّ، فخلَّد لجلالته في التَّاريخ العربي أجمل الآثار وأفضلها.

وقد أبلى أنجاله الأمراء مع الأمَّة العربيَّة في جانب الحلفاء البلاء الحسن مدَّة ثلاث سنوات، حاربوا خلالها الحرب النِّظاميَّة الَّتي شهد لهم بها أقطاب السِّياسة وقوَّاد الجند من الحلفاء أنفسهم وسائر العالم المدنيِّ، وضحَّت بالعدد الكبير من أبنائها الَّذين التحقوا بالحركة العربيَّة من أنحاء سوريَّا والحجاز والعراق، فضلاً عمَّا قام به السُّوريُّون خاصَّة في بلادهم من الأعمال الَّتي سهَّلت انتصار الحلفاء والعرب على ما أصابهم من الاضطهاد والتَّغريب والقتل والتَّعذيب، تلك الأعمال الَّتي كان لها الأثر الأكبر في انكسار التُّرك وجلائهم عن سوريا، وانتصار قضية الحلفاء انتصاراً باهراً حقَّق آمال العرب بوجه عام والسُّوريِّين بوجه خاص، فرفعوا الأعلام العربيَّة وأسَّسوا الحكومات الوطنيَّة في أنحاء البلاد، وقبل أنْ يدخل الحلفاء هذه الدِّيار. ولماَّ قضت التَّدابير العسكريَّة بجعل البلاد السُّوريَّة ثلاث مناطق، أعلن الحلفاء رسميّاً أنَّ لا مطمع لهم في البلاد، وأنَّهم لم يقصدوا من مواصلتهم تلك الحروب في الشَّرق سوى تحرير الشُّعوب من سلطة التُّرك تحريراً نهائيّاً، وأكَّدوا أنَّ تقسيم المناطق لم يكنْ إلَّا تدبيراً عسكريّاً مؤقتاً ولا تأثير له في مصائر البلاد واستقلالها ووحدتها، ثمَّ أنَّهم قرَّروا ذلك رسميّاً في الفقرة الرَّابعة من المادَّة الثَّانية والعشرين من معاهدة الصُّلح مع ألمانيا، فاعترفوا فيها باستقلالنا تأيِّيداً لما وعدوا به من إعطاء الشُّعوب حقَّ تقرير مصيرها، ثمَّ أرسلوا اللُّجنة الأميركيَّة للوقوف على رغائب الشَّعب، فتجلَّت لها هذه الرَّغائب في طلب الاستقلال التَّام والوحدة السُّوريَّة التَّامَّة.  وقد مضى عام ونصف، والبلاد لا تزال رازحه تحت الاحتلال والتَّقسيم العسكريِّ الَّذي ألحق بها أضراراً عظيمة وأوقف سير أعمالها ومصالحها الاقتصاديَّة والإداريَّة وأوقع الرِّيبة في نفوس أبنائها من أمر مصيرها، فاندفع الشَّعب في كثير من أنحاء البلاد وقام بثورات أهليَّة منتفضاً على الحكم العسكريِّ ومطالباً باستقلال بلاده ووحدتها. فنحن أعضاء هذا المؤتمر، رأينا بصفتنا الممثلين للأمَّة السُّوريَّة في جميع أنحاء القطر السُّوريِّ تمثيلاً صحيحاً، نتكلم بلسانها ونجهر بارادتها، وجوب الخروج من هذا الموقف الحرج، استناداً على حقنا الطَّبيعيِّ والشَّرعيِّ في الحياة الحرَّة، وعلى دماء شهدائنا المراقة، وجهادنا المديد في هذا السَّبيل المقدَّس، وعلى الوعود والعهود والمبادئ السَّامية السَّالفة الذِّكر، وعلى ما شاهدناه ونشاهده كلَّ يوم من عزم الأمَّة الثَّابتة على المطالبة بحقها ووحدتها والوصول إلى ذلك بكلِّ الوسائل، فأعلنا بإجماع الرِّأي استقلال بلادنا السُّوريَّة بحدودها الطَّبيعيَّة، ومن ضمنها فلسطين، استقلالاً تاماً لا شائبة فيه على الأساس المدنيِّ النِّيابيِّ، وحفظ حقوق الأقليَّة، ورفض مزاعم الصَّهاينة في جعل فلسطين وطناً قوميّاً لليهود أو محلَّ هجرة لهم.

وقد اخترنا سمو الأمير فيصل بن جلالة الملك حسين، الَّذي واصل جهاده في سبيل تحرير البلاد وجعل الأمَّة ترى فيه رجلها العظيم، ملكاً دستورياً على سوريا بلقب صاحب الجلالة الملك فيصل الأوَّل، وأعلنا انتهاء الحكومات الاحتلاليَّة العسكريَّة الحاضرة في المناطق الثَّلاث، على أنْ يقوم مقامها حكومة ملكيَّة نيابيَّة مسؤولة اتِّجاه هذا المجلس في كلِّ ما يتعلق بأساس استقلال البلاد التَّام إلى أنْ تتمكنَ الحكومة من جمع مجلسها النِّيابيِّ، على أنْ تُدارَ مقاطعات هذه البلاد على طريقة اللَّامركزيَّة الإداريَّة، وعلى أنْ تراعى أماني اللِّبنانيِّين الوطنيَّة في إدارة مقاطعتهم لبنان ضمن حدوده المعروفة قبل الحرب بشرط أنْ يكونَ بمعزل عن كل تأثير أجنبي.  ولما َّكانت الثَّورة العربيَّة قد قامت لتحرير الشَّعب العربيِّ من حكم التُّرك، وكانت الأسباب المستند إليها إعلان استقلال القطر السُّوريِّ هي ذات الأسباب الَّتي يستند إليها استقلال القطر العراقي، وبما أنَّ بين القطرين صلات وروابط لغويَّة وتاريخيَّة واقتصاديَّة وطبيعيَّة وجنسيَّة تجعل كلاً من القطرين لا يستغني عن الآخر، فنحن نطالب استقلال القطر العراقي استقلالاً تامّاً، على أن يكون بين القطرين اتحادٌ سياسيٌّ واقتصاديٌّ. هذا وإنَّنا باسم الأمَّة السُّوريَّة، الَّتي أنابتنا عنها، نحتفظ بصداقة الحلفاء الكرام، محترمين مصالحهم ومصالح جميع الدُّول كلَّ الاحترام. وإنَّ لنا الثِّقة التَّامَّة بأنْ يلتقي الحلفاء الكرام وسائر الدُّول المدنية عملنا هذا المستند إلى الحقِّ الشَّرعيِّ والطَّبيعيِّ في الحياة بما نتحققه فيهم من نبالة القصد وشرف الغاية، فيعترفوا بهذا الاستقلال ويجلو الحلفاء جنودهم عن المنطقتين الغربيَّة والجنوبيَّة، ليقوم الجند الوطني والإدارة الوطنيَّة بحفظ النَّظام والإدارة فيهما، مع المحافظة على الصَّداقة المتبادلة حتَّى تتمكن الأمَّة السُّوريَّة العربيَّة من الوصــــــول إلى غاية الرُّقيِّ، وتكـــــــون عضواً عامـــــــلاً في العــــــالم المدني. وعلى الحكومة الَّتي تتألف استناداً على هذا الأساس تنفيذ هذا القرار.                دمشق 7 آذار 1918م.

وجاءت قــرارات مؤتمر السِّــلم المنعقد في “ســان ريمو” الإيـــطالية في ( 6 شعبان 1338هـ = 25 إبريل، نيسان / 1920م) مخيبة لآمال العرب؛ فقد قرر الحلفاء استقلال سوريَّا تحت الانتداب الفرنسيِّ، واستقلال العراق تحت الانتداب البريطانيِّ، ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطانيِّ، وكان قرار المؤتمر ضربة شديدة لآمال الشَّعب السُّوريِّ في الاستقلال، فقامت المظاهرات والاحتجاجات، وأجمع النَّاس على رفض ما جاء بالمؤتمر من قرارات، وكثرت الاجتماعات بين زعماء الأمَّة والملك فيصل، وأبلغوه تصميم الشَّعب على مقاومة كل اعتداء على حدود البلاد واستقلالها.

وجاءت اتِّفاقيَّة سيفر عام (1920م ) والَّتي أعقبت الحرب العالمية الأولى وتمَّ رسم حدود تركيَّا مع جيرانها من الدُّول، أضيف إلى تلك المناطق منطقة اسكندرون وقيليقيَّة إلى الأراضي العربية السُّوريَّة. وكانت حدود سوريَّة حتَّى جبال طوروس. وسمِّيت هذه المعاهدة بمعاهدة سيفر نسبة إلى مدينة سيفر الفرنسيَّة القريبة من باريس، والَّتي تمَّ التوقيع عليها في (10 أغسطس،آب-1920م ) بين إنكلترا وفرنسا وإيطاليا واليابان وبلجيكا واليونان ورومانيا وبولونيا والبرتغال وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا والحجاز وأرمينيا من جهة.  والامبراطورية العثمانيَّة من جهة أخرى.

 

           

وبموجب اتفاقية انقرة عام 1921 بين فرنسا وتركيا تم اعتراف تركيا بانتداب فرنسا على سورية.   وعدلت معاهدة سيفر باتَّفاقية لوزان عام ( 1923م) بين تركيا بقيادة مصطفى كمال أتاتورك من جهة وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى وتمَّ تقديم تنازلات لتركيا لإنهاء تبعات الحرب العالميَّة الأولى والتَّوصل إلى اتِّفاق سلام بين الأطراف، وباعتبار أنَّ سوريَّة تحت الانتداب الفرنسيِّ ولانتقامها من السُّوريُّون الَّذين قاوموا الغزو الفرنسيَّ قامت بالتَّنازل عن جميع الأراضي التَّابعة للجزيرة السُّوريَّة شمال الخطِّ الحديدي للأتراك وهذه المناطق هي (جزيرة ابن عمر ونصيبين وماردين وديار بكر وحرَّان وأورفه والبيرة وكلس وعينتاب ومرعش وأضنة وطرسوس ومرسين).

     

خريطة تظهر خط معاهدة سيفر وخط معاهدة لوزان بين سوريا وتركيا

وبقي لواء إسكندريون من ضمن الأراضي السورية. وقدرت مساحة تلك الأراضي ما يوازي مساحة سورية الحالية. وجرى إحصاء تركي لتلك المناطق وكانت نتيجته وفق الاتي:

  المَنْطِقَةُ   عَدَدُ سُكَّانَ المَحُافَظَةِ الإِجْمَالِي عَدَدُ العَرَبِ  نسبة العرب (%)
أضنة 2.085.225 600.070 28.78
عينتاب 1.700.763 210.510 12.38
أورفه 1.663.371 780.030 46.48
باتمان 510.200 190.880 37.41
بدليس 328.767 42.870 13.04
سعرد 300.695 130.540 43.41
شرناق 430.109 33.870 7.87
عثمانية 479.221 81.340 16.97
كلس 123.135 41.640 33.82
ماردين 744.606 313.460 42.10
مرسين 1.647.899 467.850 28.39
مرعش 1.044.816 18.320 1.75

وحدَّدت المعابر بين تركيا وسوريَّة في المناطق التَّالية (عين ديوار، القامشلي، رأس العين، تلِّ أبيض، جرابلس، باب السَّلامة، باب الهوى، كسب)

        

 

-[1]  باروت : ص 149.

 

 

 

المعلومات مأخوذة من كتاب الجزيرة السورية بين الحقيقة والوهم 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *