الفنان عبد المجيد اسماعيل.. شباك الإبداع

الاسم عبد المجيد اوسطة خليل الاسماعيل.. تولد 1943   التحق بالمعهد العالي للموسيقا في مصر عام 1961 واستمر بالدراسة بالمعهد ثلاث سنوات وفي السنة  الرابعة لم يعطَ فيزة لعودته الى مصر من السفارة المصرية ببيروت بسبب احد التقارير الكيدية من بعض المبغضين والحاسدين والحاقدين …

بقي سنة في بيروت على أمل العودة لمتابعة الدراسة وفيها تعرف على  الكثير من المطربين العرب هناك أمثال “ناظم الغزالي” و “زهور حسين” و “عفيفة اسكندر” و “عبد الجبار الدراجي” و”فهد بلان” و”سميرة توفيق” وغيرهم.

 

في هذه الفترة طلبت منه المطربة زهور حسين الارتباط بعقد مع الاذاعة العراقية ببغداد ووافق على ذلك، ولكن بعد أسبوع جاءه خبر وفاة المطربة العراقية زهور نتيجة حادث سير مؤسف بسيارتها مع اختها.

كما كل الحكايات بمدينة العجاج دير الزور …حكايات النهايات غير السعيدة، حمل الفنان عبد المجيد اسماعيل حكايته وعاد إلى دير الزور 

التحق بعدها بدار المعلمين لتبدأ رحلته بالتدريس بكل مدارس دير الزور وحتى ريفها … مرورا بالبغيلية وعياش وصولاً إلى مدرسة الفرات وتركي شلاش وصقر قريش ويوسف العظمة.. امتدت هذه الرحلة 30 عاماً أمضاها بين طلاب دير الزور …

الفرات والبادية.. الخضار واليباس.. نقيضان يعتصران دير الزور مثل ليمونة فتنتج مزاجاً مختلفاً لمن يسكن وادي الفرات مزاجاً أشبه بمزاج المريض، والفنان شخص مريض كالعاشق لكنه لا يشعر بالألم 

في إحدى زوايا ذاكرته تسكن جلسات السمر التي يعقدها والده مع أصدقائه على ضفاف الفرات، وكان من بينهم شخص حلبي يعزف على العود اسمه “حقي محاسبجي”، كان يصيبه بالدهشة ما دفعه لمحاولة تقليده.. وكذلك طلعات البادية والصيد التي كان يذهب بها مع والده، تركت أثرها في نفسه ولاسيما وقت الغروب، فلم ولن ينسى صوت الربابة والمواويل  والنار ومنظر الليل وغروب الشمس …

كل تلك الظروف والأجواء تركت بداخل افنان عبد المجيد اسماعيل أول حروف حب الفن والموسيقى …..

ليالي الصيف المقمرة بدير الزور والنوم على سطح بيت أهله وأصوات الأغاني لعبد الوهاب وأم كلثوم وليلى مراد وغيرهم والتي كان يسمعها بشكل يومي من سينما القاهرة الصيفي القريبة من بيت أهله جعلته يحفظها ويغنيها ما جعلها تصوغ وتصقل أذنه الموسيقية.

يقول الفنان عبد المجيد اسماعيل: “عشت فترة شبابي التي تعج بالتطلعات الثقافية والسياسية والأحلام الكبيرة ببناء مستقبل واعد للأمة العربية والدور الكبير لنشر الفنون والموسيقا والأدب على تطوير الحياة الاجتماعية”.

ويتابع: “اشتريت ناياً وبدأت أتعلم النغمات عليه وتلقيت التشجيع من أساتذتي واذكر منهم “فؤاد عودة” و”الدكتور عبود السراج”، وذلك أعطاني دافعاً وتحريضاً على متابعة هوايتي والاستمرار بإتقانها.

 

الفنان والمراة يشبهان بعضهما.. فكلاهما يحبان الغزل والمديح  والتشجيع.. لكننا محكومون بالنهايات غير السعيدة.. ولايزهران إلا بهما.. انتهت أحلامنا  بالاتجاه العكسي وشهدنا تراجعاً ونكوصاً بالحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية وعلى كافة الأصعدة.. لذلك لم نزهر ولم نعطِ ماكنا نحلم ونسعى إلى تحقيقه  

 

“لاتتوقع من الفن والأدب ان يعطيك اكثر من محبة الناس ….”

 

 

عندما دَرَّستُ بمدارس دير الزور وصلت إلى قناعة  أننا بحاجة إلى بناء جيل يفهم الموسيقا ويتذوقها ويشعر بأدق نغماتها ومقاماتها… جيلٍ كما يقال “سَمِّيع”.. لأنَّي صراحةً وجدتُ أنَّ الانسان العربي وخاصة ابن الفرات يتمتع بذائقة شعرية تفوق أضعاف ذائقته الموسيقية، ولهذا لايستمع إلى الموسيقا بنزاهة كما يستمع إلى الشعر ويصبح للموسيقا لديه دور ثانوي فقط، إذ يحفظ كلمات الشاعر التي يغنيها المطرب ويتصور نفسه أنه يستمع إلى موسيقا.

الموسيقا لا تتجاوز إلا بضع نغمات مكررة وعلى نسق واحد قد تصل إلى الملل لولا الشعر وتنوعه وجماله وهو ما يكرره المطرب ….

وصدق من قال: “الشعر ديوان وفنون العرب” … 

نحن نحتاج إلى بناء جيل يتذوق الموسيقى والمسرح والرسم والنحت وكل الفنون الجميلة، فنحن لا نملك جمهوراً يستطيع أن يجلس ساعةً واحدة فقط يستمع إلى موسيقا بدون غناء، مثلما نشاهده عند الجمهور الغربي ….

وعلى هذه القاعدة قررت أن أبني جيلاً من الأطفال، يمتلك حِساً موسيقياً ولديه إمكانيات بتمييز النغمات والمقامات وحتى الأجزاء البسيطة بين العلامات الموسيقية، إضافة إلى امتلاكه أذناً موسيقية تكره النشاز وتستطيع أن تميز أكثر من علامة موسيقية بنفس الوقت وهي ما يسمى “الهارموني” التي يفتقدها المستمع العربي لأنَّ أذنه تعودت على النغمة الواحدة ….

 

ركّز الأستاذ عبد المجيد اسماعيل في تدريس الأطفال على تعليمهم ما يسمى “فصل الحواس” لبناء طفل قادر على التحكم بأعصابه وتفكيره وحركاته واستجابات عضلاته  عن طريق الموسيقا.

الموسيقا تساعد على بناء شخص سوي وسليم وذكي وهادي حتى لو لم يتقن العزف على الآلات الموسيقية ….كنت أجعل الأطفال ينقسمون إلى أكثر من مجموعة ويحملون بيدهم حصى وكل مجموعة تضرب الحصى بطرقات معينة  ثم يشتركون مع بعض بالطرق وإحداث الانسجام والتوافق مع بعضهم وقد يبدؤون بغناء بعض الأصوات لإحداث لوحة موسيقية تشبه أصوات الطبيعة التي تعلم منها الإنسان الموسيقا عندما قلدها ببعض الآلات التي صنعها.

 

كنت أجعل الأطفال يغمضون عيونهم ثم يستمعون إلى نغمة أو مقام معين وأطلب منهم أن يشرحوا لي ما هي الألوان التي يحسون بها أو ما هي الروائح التي يشمونها لمجرد سماعهم هذه النغمة، وهذه الطريقة تفتح المخيلة والإبداع  لدى الطفل …حيث أن الموسيقا تعمل على تعويد الطفل على استخدام نصفي الدماغ للإنسان ..حيث أن الإنسان غير المدرب موسيقياً او فنياً لايستخدم إلا نصف دماغه الأيسر وهو المسؤول عن المهارات الكتابية والميكانيكية، أما الأيمن فهو المسؤول  عن الإبداع والخيال والفنون والمشاعر …فعندما تنشئ جيلاً يستعمل نصفي دماغه فأنت تصنع جيل بمساحة دماغ أوسع وأكبر وأذكى، لهذا تجد اللاعب الأوروبي يستعمل كلتا قدميه وبسرعة بديهة أكبر من اللاعب العربي، وذلك بسبب تعلمه الموسيقى من الصغر، وحتى لو أعطيت اللاعب العربي كل الإمكانيات وجلبت أفضل المدربين وبنيت أكبر الملاعب فسيبقى ينقصنا الفصل الحسي الحركي  الذي تبنيه بداخلنا الموسيقا.

 

العقل العربي توقف منذ أيام الأندلس والحضارة ببغداد، واستطاع الموسيقيون العرب مثل الفارابي والكندي وزرياب واسحاق الموصلي وغيرهم الكثير أن يقدموا الموشحات الأندلسية وصناعة الآلات الموسيقية الشرقية مثل القانون والعود والناي  والربابة والدف وغيرها …ولتاريخه لم ياتِ موسيقيٌّ عربي واحد لتطويرها، فاستفاد منها الغرب لاتصالهم بالأندلس وطورها إلى مجموعة كبيرة وواسعة من الآلات وأنتج السمفونيات والقطع الموسيقية الكبيرة …

علينا تعويد أطفالنا على سماع السمفونيات حتى نستطيع إنجاب موسيقيين كبار يستطيعون الوصول بموسيقانا إلى العالمية

 

نحن شعوب حزينة نتيجة ظروف كثيرة تراكمت عبر التاريخ  ودائما الشعوب الحزينة لاتحفظ بذاكرتها إلا الأغاني الحزينة …ربما تريد أن تفرغ حزنها دفعة واحدة عندما تغني ….

 

وعند سؤاله عمّن استفاد منهم في تجربته الموسيقية قال المبدع عبد المجيد اسماعيل: “استفدت من الاستاذ محمود اسماعيل بعد عودته من مصر حيث ساعدني على قراءة “النوتا” وعلمني “المقامات”  قبل ذهابي إلى مصر ..وكان هناك حلاق اسمه “أحمد سلطان” يعزف على العود كنت أذهب إليه وأتعلم منه بعض المعزوفات وكنت أجدها أيضا كبيرة رغم بساطتها … كما استفدت من أبو حياة “يوسف الجاسم” والأستاذ “صالح نجار” حيث كان يعزف على الناي

وتابع في سرده الرائع : “في الوقت الحالي لايوجد بنظري لا مطرب عربي ولا موسيقا عربية ولا حتى شعر ..ولا تتصور أن نكون متخلفين بنواحي الحياة ومتطورين بالناحية الفنية”.

 

في الخمسينات والستينات مررنا بمرحلة نوعا ما مضيئة جلبت للساحة أمثال القصبجي والسنباطي وعبد الوهاب وعبد المطلب وسيد درويش والرحابنة ومطربين أمثال عبد الوهاب وأسمهان وأم كلثوم وفريد الأطرش  وعبد الحليم وفيروز ومن العراق الحضيري أبو عزيز وناظم الغزالي.. لكن نعيش الآن النهايات غير السعيدة كما أخبرتك.

فراغ عجيب ومريب وغير منطقي  من كافة النواحي حتى لم تعد تجد موسيقا أو شعر أو مسرح أو رواية تعبر عن البؤس الذي نعيشه.

 

سألناه عن هوايته في اقتناء “الأنتيكات” ومضى عبد المجيد اسماعيل في حديثه الذي يبدو غير منطقي للوهلة الأولى ولكنه في منتهى العمق لمن يريد اقتناص الكلمة وفكرتها ليقول: “دائما يميل الإنسان لكل ماهو جميل بذاكرته  ..لذلك أحب أصوات المحركات الزراعية التي تجعلني أشعر أنها تغني مواويل حزينة على الفرات.. وإيقاعها وأصواتها تذكرني بوالدي وحفلات الصيد والسمر والبساطة التي كنت أستمع لها وأنا بحضنه، وأستطيع أن أشم حتى رائحته عندما اغمض عيوني، ما يجعلني أشعر أني بجانبه على ظهر حنتور يجول بي وسط شوارع الدير العتيق، لذلك اهتممت بكل الأنتيكات القديمة التي كانت ببيت أهلي مثل الحاكي  مع الاسطوانات القديمة لمطربين قدماء مثل عبده الحامولي وأم كلثوم أيام طفولتها وكنت أمتلك أكثر من واحد وبأحجام مختلفة ضاعت مع محتويات البيت المهدوم، وكنت أحافظ حتى على أبواب بيت أهلي القديمة وعلى الكثير من الصور التي تحمل أرشيف الدير والكثير من الذكريات فأنا أحب كل شيء يذكرني بطفولتي مثل مذياع الفليبس والمعالق و”قداري النحاس” و”دلات” القهوة …..لم أشعر بالقهر على هدم البيت بقدر قهري وحزني على  ضياع هذه الأشياء التي كنت أشتم من خلالها كل شيء جميل في حياتي، كما احتفظت بقطع الرخام الأبيض التي كانت تشكل إطارات الأبواب والشبابيك لبيت أهلي…. بالإضافة إلى الآلات الميكانيكية والقطع القديمة التي كان يستعملها والدي.

شاهد أيضاً

لقاء متفوقة.. الطالبة كاذي أيهم الرداوي

الاسم والشهرة كاذي أيهم الرداوي   المواليد 2007   المدرسة ثانوية المتفوقين   لمن تهدين …

تعليق واحد

  1. ملاك الفرات

    شكرا لكم دائما أختياراتكم موفقة والأستاذ عبد المجيد يعجز اللسان عن وصفه وكرم خلقه ورقي أحساسه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *