سنة الجوع.. ماذا تعرف عنها

هناك أيام، أعوام، مناسبات… تمتلك خاصية الرسوخ في الذاكرة الشعبية لفترة طويلة من الزمن وتكون من القوة بحيث تقفز فوق التاريخ وتتجاوزه، ليصبح ما قبلها وما بعدها مقروناً بها وحدها، فكثيراً ما نسمع جداتنا يؤرخن لولادة شخص ما “بفيضة أبو عبار” أو “تجمد مياه الفرات” أو “سنة الجوع” وهذه الأخيرة رغم مرور ما يقارب قرن كامل عليها إلا أن المعمرين يحكون قصصاً كثيرة حولها.

“سنة الجوع”

كانت أعوام 1914-1918 هي سنوات الحرب العالمية الأولى بين الحلفاء والدولة العثمانية، وقد جاءت هذه الحرب بعد أن مرّ على الشعوب العربية الكثير من الولاة العثمانيين، عملوا على نهب خيرات البلاد والعباد إضافة إلى الإنكشارية الذين لم يسلم منهم الشعب على ماله وعرضه وملكه، وقد قامت الحكومة التركية أثناء هذه الحرب بمصادرة كثير من غلال الشعوب لتقديمها لجيوشها المحاربة ما دفع لتردي الأوضاع المعيشية، وفي “دير الزور” لم يعد القمح موجوداً في المنازل مما اضطر الناس لصنع الخبز من مزيج من القمح والشعير والذرة حتى يسدوا به رمقهم، وقد كانت سنة 1916 هي الأشد وطأة على منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً “سورية” و”لبنان” و”فلسطين” ذاك أن السفن الحربية العائدة “لفرنسا” و”انكلترا” كانت تحاصر شواطئ تلك الدول وتمنع دخول الإمدادات والمؤن بكافة أشكالها إلى هذه الدول لتقف بذلك في وجه إمداد القوات العثمانية فانعكست آثار الحصار على الشعب، وهذه السنة سميت “سنة الجوع”.

وكانت “دير الزور” وقتها تقبع تحت حكم الولاة العثمانيين ومنهم “زكي بك الجركسي” الذي حكم “دير الزور” عام 1915 وتلاه الوالي “عبد القادر بك” الذي حكم “دير الزور” 1916 وفي عهده اشتدت الأزمة والمحنة والجوع على أهالي المدينة حيث قام كثير من أهل الخير والجود بصنع الطعام ووضعه على قارعة الطريق ليأكل منه الناس الذين لم يجدوا قوت يومهم.

 

ومن هؤلاء الخيرين الذين قدموا الطعام للعامة: “فرحان الفياض” و”حسن الطه” و”حاج شيخو” و”أحمد الجنيد” و”جرجي سكر”.

 

“فرحان الفياض”

وهو من عشيرة “الخرشان” كان صاحب ديوان وتاجر معروف في “دير الزور” طلب من “مزعل” وهو أحد النحاسين بأن يصنع له بعض القدور الكبيرة “مفردها قدر وهو حلة كبيرة ويسمى أيضاً دن” وقد رغـّبه بالليرات الذهبية حتى يترك صناعة الدلال التي بين يديه والتي ينتظرها أصحابها ويتحول إلى صناعة القدور نظراً للمجاعة التي تجتاح البلاد ووافق “مزعل” وواصل العمل ليل نهار حتى أنجزها في وقت قصير وبدأ “فرحان الفياض” يتفقد الشوارع شخصياً ويسأل بعض أقاربه الذين يفدون عليه في “الديوان”: “كم رجلاً ميتاً وجدت في الشارع” فلما كثر عدد الضحايا قام بطبخ “البرغل” في تلك القدور ووضعها في “مناسف” وقدمها للناس في الشارع أمام داره الكائنة غربي “تكية الراوي” ولا زالت تلك القدور عند ورثته إلى اليوم.

“حسن الطه”

ويدعى “حسن أفندي” كان رئيساً لبلدية “دير الزور” منذ عام 1877 وكان يقيم في محلة “أبو عابد” وأطلق اسمه على الشارع الرئيسي في تلك المحلة والممتد من الساحة العامة إلى شارع “التكايا” وكانت داره تتوضع أمام صيدلية “الحافظ” اليوم إلى الشمال وهو عبارة عن عقد مبني من طابقين وكانت فيه حلقات لربط الخيل أمام مدخله ويدعى “عقد السيد طه”.

 

“حاج شيخو”

وهو تاجر تركي كان يملك عدة محلات في سوق “بره جيك” أو “سوق العطارين” كما يسمى اليوم، وهو مسلم طيب القلب من أهل الخير عندما وصلت حال الناس إلى الهلاك قام بصنع الطعام وتقديمه للناس.

“جرجي سكر”

وهو تاجر يقع بيته في الشارع العام شرقي قيادة المنطقة والمصرف التجاري السوري وتحده من الغرب بناية البرج ومن الشرق محلات “عبد المحسن شهاب” عندما وصلت حال الناس إلى الموت من الجوع رق قلبه وقام بصنع الطعام وتقديمه للناس على قارعة الطريق».

“أحمد الجنيد”

هو “أحمد بن جنيد” بن “علي” بن “الشيخ عيسى” بن “عبد الجادر” بن “حمد”  وهو من بني خالد ولد “بدير الزور” عام 1876م وعرف بأبي الظلماء لكرمه ولأنه كان يطفئ النور عند تقديم طعام العشاء للناس، وأثناء سنة الجوع عام 1916-1917م يذكر أنه حفر في الشارع خندقاً لإضرام النار وراح يطهو الطعام في الشارع ويقدمه للمحتاجين».

وعن “سنة الجوع” قال علاء الدين دللو:

كان الجوع يخيم على مدينة “دير الزور”… ومما زاد الوضع المعيشي تردياً قيام الحرب العالمية الأولى التي سببت فقدان معظم المواد الغذائية بسبب إغلاق الحدود بين كثير من الدول، كما أن الحيوانات لم تعد تجد ما تأكله فكان أن نفقت أغنام وأبقار وإبل كثيرة، في هذا الوضع انبرى ثلاثة رجال من أبناء “دير الزور” للتخفيف من حدة هذه الكارثة هم “أحمد الجنيد”، “حاج شيخو”، “فرحان الفياض” وذلك بتأمين الغذاء لمئات من العائلات الفقيرة، فنصبوا القدور الكبيرة على الأثافي وراحوا يعدون الطعام وخاصة “الحبية” التي تعد من اللحم والقمح المقشور… وكان أن نفد المال الذي خصصه “أحمد الجنيد” للتخفيف من حدة هذه الكارثة على أبناء مدينته فهرع إلى صديقه “حاج شيخو” الذي كان يسكن في ساحة بيع الحبوب ولم يتأخر عن تقديم المساعدة إلى صديقه “أحمد جنيد” فأعطاه 200 ليرة ذهبية، ولما وضع كيس النقود في كفه قال له: «اسمع يا “حاج أحمد” لا أريدك أن ترد لي المال وإنما أريد أن تشركني في الأجر… وسمع “فرحان الفياض” بما جرى في ساحة الحبوب بين “أحمد الجنيد” و”حاج شيخو” وانفرد “بأحمد الجنيد” يعاتبه لأنه لم يحضر إليه ويطلب المبلغ فكان أن احتضنه “أحمد الجنيد” وقال: اعتبر أنني أخذت المبلغ فعلاً وسأشاركك بالأجر.

 

هذه المعلومات منقولة عن أشخاص قد يخطؤون وقد يصيبون .. وليست مأخوذة عن وثائق رسمية فإذا كنت تملك معلومات إضافية يرجى تزويدنا بها كتعليق أو على بريد صفحتنا على الفيسبوك 

 

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *