آثار الصالحية – دورا أوروبوس

دورا اوروپوس

Dura-Europos

باليونانية: Δούρα Ευρωπός

هي مدينة أثرية تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة دير الزور بشمال شرق سوريا، وعلى مسافة تسعين كيلو متراً على الطريق المؤدية إلى مدينة البوكمال، وتمتد على الهضبة اليمنى لنهر الفرات، على رقعة غير منتظمة الشكل تقارب مساحتها السبعين هكتاراً، محاطة بأسوار منيعة تدعمها حواجز طبيعية، مشكلة نقطة مراقبة هامة لطرق القوافل البرية والنهرية، وينتشر خارج أسوار المدينة عدد من المدافن الأرضية والبرجية وأقواس النصر وبقايا معسكر الحصار الساساني.

 

ولدورا أوروپوس أهمية فائقة لأسباب أثرية. إذ أنها قد هـُجرت بعد اجتياحها في 256-7م، ولم يُبن عليها شيء منذ ذلك الحين، فلم تنمحي المعالم المعمارية للمدينة القديمة. وموقعها على حافة الامبراطوريات جعلها بوتقة للتقاليد الثقافية، معظمها مازال باقياً تحت أطلال المدينة. ولم يُكشف بعد إلا عن بعض اللقى البارزة، مثل العديد من المعابد، زينة الأسوار، النقوش والمعدات العسكرية والمقابر وحتى أدلة مأساوية على الحصار الساساني.

 

أُسست دورا أوروبوس مع نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، على يد أحد ضباط الملك سلوقس الأول، حامية عسكرية مقدونية بسيطة، استوطنت قلعة حصينة تُفيد في بسط السيطرة على الفرات الواصل بين عاصمتي الإمبراطورية السلوقية أنطاكية وسلوقية على نهر دجلة، واسم دورا أوروبوس يبين أصول المدينة إذ تعني كلمة دورا بالآشورية «الحصن» وأوروبوس اسم مسقط رأس سلوقس الأول، وتحولت هذه الحامية إلى مدينة في القرن الثاني قبل الميلاد حين اكتملت تحصيناتها الخارجية وتقسيماتها الداخلية وفق النموذج الإغريقي الخالص.

 

مع بداية القرن الثاني قبل الميلاد هاجم البارثيون القادمون من إيران الأراضي السورية، ومن أجل الدفاع عن المدينة، تم استكمال بناء أسوارها بمادة اللَّبِن بدلاً من الحجر المنحوت، ولكن لم يكتب لمباني ساحتها المركزية أن تُستكمل، وقد وقعت المدينة تحت السيطرة البارثية في العام 113 ق.م.، وبقيت لثلاثة قرون تابعة للإمبراطورية البارثية، وعاشت في هذه المرحلة عصرها الذهبي من حيث السلام والتآخي بين الأديان، فتشابه الإله زيوس مع ِبلْ، وتحولت أرتميس إلى نانايا ووجدت آلهة جدد كثيرة مكاناً لها كآلهة ما بين النهرين والفرات وشمالي سورية والفينيقيين.

وفي عام 165 احتل الرومان المدينة لتعود ثانية حصناً عسكرياً مدافعاً عن حدود الإمبراطورية وأصبح سكانها مواطنين رومان بفضل مرسوم صادرٍ عن الإمبراطور كركلا، وأضاف الرومان إلى المدينة بعضاً من أقواس النصر والمعابد العسكرية والقصور. ولم يدم حكمهم للمدينة أكثر من قرن، عندما أعاد الساسانيون احتلالها، ودمروها على يد شابور الأول عام 256م، وتركوها أثراً بعد عين، إذ زارها بعد قرن من هذا التاريخ الإمبراطور الروماني يوليان فوجدها مدينة أشباح، وهجرت المدينة إلى القرن السابع الميلادي، ثم استوطنتها مجموعة عربية أموية بجوار قلعتها قبل أن تترك للنسيان لأربعة عشر قرناً خلت.

قامت البعثات الثلاث التي عملت في الموقع بتنقيب ثلث مساحة المدينة فقط، إذ أظهرت هذه التنقيبات الأسوار والأبراج الستة والعشرين والبوابات الثلاث إضافة إلى القلعة وعدد من القصور (قصر القلعة، قصر الحاكم، قصر حاكم النهر) والشارع الرئيسي المُعَمَّد والساحة المركزية وخمسة حمامات رومانية وسبعة عشر معبداً، أهمها معبد بِلْ ومعبد أرتميس وأثرغاتس والبيت المسيحي الأقدم في العالم والكنيس المحلي، والتي زُين معظمها برسوم جدارية تظهر النزعة الطبيعية والفنون الطقسية المرتبطة بالأصول الإغريقية لفن الأيقونة، مما أهلّ دورا لنيل لقب (بومباي الصحراء)، كما عثر على الكثير من التماثيل والمنحوتات، كتمثال الإلهة أفروديت فوق درع السلحفاة، ومنحوتة الإله آرشو ومشهد الإله ِبلْ وكثير غيرها، عكست هذه المنحوتات طبيعة الفن الخاص بدورا، وأُنجزت جميعها باستخدام حجر الجبس، وبيد نحاتي المدينة، مطَّبعة بفطرتهم واستيعابهم للفراغ من حولهم، وكذلك عُثر على العديد من المخطوطات الرقية والنقود، وأشلاء من ورق البردي والنقوش الكتابية، والتي كان أحدث ما اكتشف منها ذلك النقش اليوناني الذي وجد مؤخراً في إحدى درجات المسرح الصغير التابع لمعبد أرتميس، والذي ساعد في فهم الواقع السياسي للمدينة ويقول النقش:

 

«من مجلس الشورى في دورا إلى سبتيميوس أورليوس ليزياس الحاكم الرئيس والقائم الإمبراطوري على رعية المدينة مع الشرف السرمدي»

 

إن من يتأمل الموقع وتاريخه بعناية يجد فيه مزيجاً من حضارات مختلفة تركت كلاً منها بصماتها المؤثرة فيه، بداية من مخططها الشطرنجي الإغريقي إلى معابدها البارثية المتأثرة بحضارة ما بين النهرين، انتهاءً برموز وشعائر النصر الرومانية. كل ذلك جعل من دورا بوتقة انصهرت فيها مختلف أشكال الفنون ومفترقاً تقاطعت عنده الحضارات الشرقية والإغريقية مزهوة بنتاجها الفني الأجمل ولا أدل على ذلك من أهمية رسومها الجدارية التي تعد المحطة الأساسية والأهم لأي باحث في العالم يرغب بدراسة فن الأيقونة أو الرسم الجداري.

 

الاكتشاف

وفي مارس عام 1920، في أثناء حفر الجنود الإنگليز الخنادق في الصحراء، سقط الجند في فراغ تكشفت جدرانه عن لوحات تحمل مشاهد حياتية ودينية لأشخاص يرتدون أثواباً طويلة وقبعات مخروطية، مما استدعى طلب الباحث الأمريكي جيمس هنري بريستد لتفحصها، وتقدم إثر ذلك بوصف مفصل عنها إلى أكاديمية النقوش الفرنسية التي سارعت إلى تأليف بعثة، ترأسها الباحث البلجيكي فرانس كومان F.Cumont، عملت في الموقع من عام 1922 إلى عام 1924، وتمكنت في نهايتها من الإعلان بأن الموقع هو مدينة دورا أوروبوس التي بحث عنها علماء الآثار في القرن الثامن عشر على الضفة اليسرى لنهر الفرات من دون جدوى، وبعد ذلك أهمل الموقع حتى عام 1928، تاريخ تشكيل البعثة الفرنسية الأمريكية التي نفذت عشرة مواسم، امتد كل منها على ستة أشهر مستعينة بنحو 300 عامل، نقبت خلالها قرابة ثلث مساحة المدينة، وترأسها الباحث الأمريكي ميخائيل روستوفتزيف M.Rostovtzeff، وفي نهاية عام 1937، قرعت أجراس الحرب العالمية الثانية منهية أعمال التنقيب لتترك المدينة للنسيان حتى عام 1986، تاريخ تشكيل البعثة السورية الفرنسية العاملة في الموقع حتى اليوم.

المصدر: ويكيبيديا

شاهد أيضاً

“قهاوي” الدير.. لكل قهوة روّادها واختصاصها

تنتشر في “دير الزور” عدد من المقاهي الشعبية أخذت أسماء كثيرة مثل “الجرداق” و”غبيني” و”الحمام” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *