“غسان عكل”.. مبدع ديري بريشة عالمية

 

 

عندما يكون الفنان مبدعاً ويمتلك كل تقنيات الإبداع في واقعه ومملكة خياله معاً، يتمكن من التميز وخلق حالات فنية مميزة من نوعها؛ وهذا ما ميز الفنان “غسان عكل” الذي استخدم الريشة واللون، والخشب والحرف والعديد من الأدوات والتقنيات في أعماله الفنية، وفي العديد من المعارض التي تدل على موهبته الكبيرة.

 

الفنان “غسان عكل” من مواليد “دير الزور”، عام 1973، يقيم في “دمشق”

منذ طفولتي والأعمال الفنية تلفت انتباهي وتشدني أينما اتجهت في البيت، حيث المنسوجات والبسط وأعمدة السقف الخشبية المرصوفة بإتقان، ولا أنسى رسوم إعلانات السينما التي كنت أقف أمامها أحدث نفسي أتراني يوماً ما أرسم مثل هؤلاء الفنانين، فكانت محاولاتي الأولى بالرسم في المدرسة وتشجيع مدرّسي الرسم وزملائي في الصف وصديق عمي الفنان الراحل “عبد الجبار ناصيف”، الذي شاهد رسوماتي فدعاني إلى مرسمه وأخذت منه تعاليم الرسم الأكاديمي، وبدوره شجعني على دخول كلية الفنون الجميلة، حيث اجتزت فحص القبول بعد نيلي الثانوية العامة، وأصبحت طالباً في كلية الفنون، واخترت اختصاص الحفر والغرافيك لأنني أحبه؛ لما فيه من تقنيات ومجالات مختلفة للتجريب والبحث وإنتاج لوحة فنية بأكثر من خامة، مثل النحاس واللونيوم والطباعة الحجرية.

 

وتميزت في قسم الحفر وتخرجت، وكنت من الأوائل في اختصاصي عام 1997، ثم خضت بمجال الفن وإنتاج اللوحة، كما دخلت مجال التربية أيضاً وعملت مدرساً لمادة الرسم في مدارس “دير الزور” ومحاضراً في جامعة “الجزيرة”، لكنني آثرت الإقامة في “دمشق” لأكون قريباً من الفنانين وأتابع المعارض الفنية باستمرار ومن دون انقطاع عن الجديد في الفن التشكيلي السوري والعالمي، وعملت أيضاً في التصميم الإعلاني والخط القواعدي والإعلاني؛ وذلك لتأمين مصدر رزق أستطيع من خلاله تأمين مواد الرسم التي أحتاج إليها لإنتاج لوحة تبقى وتعكس حبي للفن.

 

أما أول مشاركاتي في المعارض، فكانت في معرض “تحية إلى زهير التل” رحمه الله عندما كنت طالب سنة ثانية في كلية الفنون، واستمرت مشاركاتي في المعارض من خلال المعارض التي تقيمها وزارة الثقافة، مثل: “معرض الشباب”، و”المعرض السنوي لفناني القطر”، وفي عام 1998 أقمت أول معرض فردي لي في صالة “الباسل للفنون التشكيلية” بـ”دير الزور”، وفي عام 1999 كان معرضي الفردي الثاني في صالة “الميرديان” بـ”دمشق”، حيث عرضت فيه آخر تجاربي وبحثي الفني لوقتها، وكنت مصمّماً على حضور أساتذتي وكبار الفنانين؛ وذلك لخلق نقاش وحوار يحفزني على تقديم الأفضل».

وأضاف قائلاً: «الفن يسكنني، وإصراري على البحث والتجريب يدفعني إلى الوصول إلى كل جديد، مثل المشاركة بورشة عمل في مركز الفنون البصرية، التقيت من خلالها أشخاصاً مهمين على المستوى الفني، مثل: الفنان “وليد الآغا”، والفنان المخضرم د.”غياث الأخرس” الذي استفدت منه كثيراً، فساعدت ورشة العمل على تبلور تجربتي ووضوحها أكثر، وكان من نتائج هذه الورشة إقامة معرضي الثالث في صالة “بيت الفن” عام 2016، حيث لاقى المعرض ترحيباً وإعجاباً كبيراً من متذوقي الفن، واستفدت من موضوع الطباعة باستعمال الأحبار وفق توليفة وتكوين من الحروف العربية بألوان متباينة وتشكيل غير تقليدي مع استعمال بعض التمائم والرموز تعكس تأملاتي وفلسفتي في إنتاج اللوحة، ومنذ عام 2016 حتى الآن شاركت في الكثير من المعارض الجماعية والمناسبات، منها: “المعرض السنوي لفناني القطر”، ومعارض مشتركة في صالات خاصة، مثل: “جمعية بسمة”، و”معرض حبق” في صالة “ألف نون”، ومعرض “أكيتو”، ويستمر التجريب والبحث؛ فالإنسان يتعلم ولا يتوقف عن التعلم وسماع الرأي الآخر من متذوقي الفن وزملاء فنانين، ومؤخراً قدمت مجموعة 

 

من أعمالي الجديدة بصياغات مختلفة، حيث أدخلت الإنسان في حالاته المختلفة في لوحتي وجعلت منه محور الموضوع؛ وذلك في صالة “عشتار” عام 2019».

 

 

الفنان التشكيلي “جمعةنزهان ” قال عنه:

 

«”غسان” كيان ثقافي فني متكامل؛ فهو كالمخرج السينمائي عندما يوزع الأدوار من خلال شخوص لوحته وتباين ألوانه وانسجامها، يبدع ويتميز بسلاسة ريشته، فهو كذلك بكل الحالات التي يقدمها بلوحاته، كما اجتهد على التقنية بمعرضه الأخير، فأوصل لنا رسالة حب من خلال الأشخاص الذين حركهم على سطح لوحته بوجوه طفولية يملؤها الفرح، وحالة تمثل حياتنا اليومية، وحركات نكاد نعرفها؛ هي نحن عندما نكون متجاورين في بيوتنا والشارع؛ تجمعنا حالات من الألفة والحب، هي صور من مجتمعنا بتناقضنا وتشابهنا، هو ابن بيئة “الفرات” التي يميزها الضوء الذي يجعل اللون يبدو حقيقياً تحت نور الشمس، كما أنه دمج خبرته في الخط بلوحات معرضه الأخير، حيث ربط شخوصه بحروف نثرها على سطح اللوحة وكأنها تفسر ما يريد أن يعبر عنه، فتفوق تقنياً بوسائل استخدمها تكاد تكون نادرة الاستخدام؛ لأنها تتطلب مهارة وخبرة قوية، كما أنه بتكوينات جزلة ومعبرة استطاع إيجاد أسلوب خاص جداً يضعه في مقدمة الفنانين الشباب الذين يسعون إلى تقديم فن سوري بامتياز، فهو يكشف عن تطور كبير في تجربته ويضع بصمة في ساحة الفن التشكيلي السوري، الذي يشهد تخبطاً نتيجة ما نعانيه من أزمات عدة».

 

وتحدث الفنان التشكيلي “أسامة دياب” قائلاً: «يتحلى الفنان “غسان” بإنسانية مفرطة تنعكس في أعماله ومدلولاته ورموزه التي تتشكل بعذوبة وسحر على لوحته، وتعبيرية خاصة تتجسد في شخوصه الحالمة، وألوان الصحراء التي ينتمي إليها يرسم على خامته الخاصة ليتفرد بعناصره ومواضيعه ويرسم بخامته الخاصة، لقد استفاد “غسان” من بحثه ودراسته الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة، وبقدرة ومهارة على استخدام تقنية الحفر وغنى اللون وجمالية الحرف العربي، تمكن من خلق جملته البصرية الخاصة، فكانت أعماله الأخيرة ذاخرة بالتعبير والرمزية، حيث شكلت في أغلبها علاقات وعواطف إنسانية ومجتمعية بأسلوب ساحر مبسط يختزل فيها القيم الواقعية بجمالية بديعة».

المقال منقول: عن رنيم الهوشي

شاهد أيضاً

جمعة سليمان.. صياد الفرات الأعزل

      من الصعب أن تتحدث عن فن التصوير الضوئي دون أن تقف عند …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *