الجَزِيرَةُ السُّورِيَّهُ فِي عَصِرْ الدَّوْلَةِ الأُمَوِيَّهِ

تأسَّست الخلافة الأمويَّة عند تنازل الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان عن الخلافة عام 41 هـ، رغبةً من الحسن في حقن دماء المسلمين، وتوحيداً لكلمتهم بعد الَّذي حدث في الفتنة الكبرى بين الخليفة الرَّاشدي عليِّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وخروج معاوية على علي في الخلافة وعدم مبايعته له وما جرى من أحداث ومعارك، ويتكون تاريخها من “عصر القوَّة وعصر الضَّعف ” فعصر القوَّة هو عصر معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد والوليد بن عبد الملك بن مروان وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك وامتدَّ من عام 41 إلى 125 هـ، وفي هذا العصر امتدَّت الفتوحات الإسلاميَّة وشملت دولة الإسلام ما بين الصِّين شرقًا وبلاد الأندلس وجنوبي فرنسا غربًا. وطرقت أبواب القسطنطينية، ودخلت أعداداً غفيرة من النَّاس في الإسلام.

أمَّا عصر الضَّعف فقد امتدَّ من عام 125هـ إلى سقوط الدَّولة في 132هـ، وشمل بقيَّة الخلفاء. وتميَّز بالصِّراع بين الأمراء الأمويين، الأمر الَّذي وصل لخروج بعضهم على بعض، وتدبير المؤامرات فيما بينهم، وأدَّى ذلك إلى توقف حركة الجهاد، وقيام تحرُّكات للعباسيِّين أدَّى الأمر بالنَّتيجة إلى سقوط الدَّولة الأمويَّة على أيديهم بعد أن قُتِلَ مروان بن محمَّد آخر خلفائهم عام 132هـ وابتدأ عصر الدَّولة العباسيَّة.

وفي هذا العصر انتقلت عاصمة الدَّولة الإسلاميَّة إلى دمشق، وبقيت حتَّى خلافة مروان بن محمَّد آخر خلفاء بني أميَّة الَّذي نقل سنة 127هـ بيوت الأموال والخزائن إلى حرَّان في الجزيرة. وبقيت الجزيرة السُّوريَّة بأيدي عرب الشِّمال أو القيسيَّة.

واهتمَّ الأمويُّون بالرَّقَّة واتَّصل تاريخهم بها في كلِّ مدَّة عهدهم فكانت محطتهم إلى أرمينية، ومحطتهم إلى غزو حدود الرُّوم وتموين جيوش الأمويِّين إلى أرمينيَّة وحدود الرُّوم، وكانت تشرف على القبائل العربيَّة في الجزيرة الفراتيَّة. واهتمَّ الخليفة الأمويُّ هشام بن عبد الملك بالرَّقَّة فوصلها بمجموعة من الحصون والقصور لتوطيد الأمن ولتكون محطة لراحته وراحة حاشيته بين الشَّام والجزيرة والحدود البيزنطيَّة الَّتي كان يغزوها بنفسه، وعني بزراعة الرَّقَّة وبري أراضيها، ومن أشهر الآثار الأمويَّة في الرَّقَّة رصافة هشام الَّتي أضحت في عهد الأمويِّين منتجعاً صيفياً بعد أن أضاف إلى عمرانها وطورها هشام بن عبد الملك، وكان له الفضل في أنْ تكونَ جنَّةً في وسط سوريَّة في زمانها، وأسهم في عمرانها وازدهارها بتشيِّيد قصرين اكتُشف أحدهما في إثر التَّنقيب عن آثارها، فعُرفت آنذاك باسم: (رصافة هشام).

بعد نهاية حكم الأمويِّين في سوريَّة، تابعت (الرَّصافة) ازدهارها حتَّى بداية القرن العاشر الميلادي. واشتُهرت بتعايش المسيحيِّين والمسلمين بدليل اكتشاف وجود عدَّة كنائس فيها، ومسجد له محرابان باتِّجاه الجنوب وشارع مستطيل محاط بأعمدة رائعة، وقد هُدمت إبَّان غزوات التَّتار كلياً.

وقُسِّمت البلاد إلى ثماني ولايات ( الأولى “ولاية الشَّام وفيها عاصمة الدَّولة ” والولاية الثَّانية “ولاية العراق ” والولاية الثَّالثة “ولاية الجزيرة الفراتيَّة ” والَّتي تقع في شمال شرق سوريَّة فيما بين نهري دجلة والفرات. ويتبعها أقاليم أذربيجان، وأرمينيَّة، والموصل، وأجزاء من آسيا الصُّغرى. وكان والي هذا الإقليم يقيم في مدينة حَرَّان الواقعة حالياً بمنطقة ديار بكر في الأراضي التُّركيَّة، والولاية الرَّابعة ” ولاية الحجاز”، والولاية الخامسة ” ولاية اليمن ” والولاية السَّادسة “ولاية مصر ” والولاية السَّابعة “ولاية المغرب ” والولاية الثَّامنة “ولاية الأندلس “).

وكان أمراء الولايات من أبناء الأمويين فقط لضمان الاستقرار والهدوء باستثناء عصر عمر الَّذي اتَّبع أسلوب معاوية في تعيِّين الولاة، وفق الأكثرية القبليَّة في المنطقة. وعيَّن الأشداء منهم على ولايتي ” الجزيرة الفراتيَّة والعراق” فعلى ســبيل المثال تولَّى إقليم الجــزيرة الفراتيَّة كلٌّ من محمَّد بن مـــروان بن الحكم (74-96هـ/693-714م) وابنه مروان (114-127هـ/732م، وتولَّى ولاية العراق كلٌّ من زيـــــاد بن أبي سفيان (45 -53هـ / 665 -672م) وابنـــه عبيد الله (55 -64هـ/674 – 683م) وبشر ابن مروان (74 -75هـ/693-694م) ومسلمة بن عبد الملك (101-103هـ/719-721م).

كما جرت في هذا العصر عدَّة حروب ذهب ضحيَّتها الكثير من النَّاس ومن هذه الحروب:

أولاً– وَقْعَةُ صِفِّينَ 657 م:

عندما كانت الجزيرة تابعة لعلي بن أبي طالب وكان معاوية بدمشق فسيَّر معاوية جيش إلى الجزيرة لطرد أنصار علي منها وضمها إلى الشَّام، وقد وقعت هذه الغزوة في الجزيرة السُّوريَّة ” قرب الرَّقَّة “. ومن خلال هذه المعركة يمكننا أنْ نتعرفَ على بعض القبائل العربيَّة القاطنة في تلك الأماكن في عهد الخليفة علي بن أبي طالب، فقد شاركت معظم قبائل ربيعة في هذه الوقعة إلى جانب الخليفة علي، وكذلك فعلت بكر بن وائل، أمَّا القبائل المضرية فلم تكن الغالبيَّة معه، لاسيَّما قبيلة قيس الَّتي كان معظمها مع معاوية بن أبي سفيان،

ثانياً- وَقْعَةُ رَأْسِ العَيْنِ:

جرت في رأس العين بين الكوفيين من أتباع الخليفة علي بن أبي طالب  وبين جيش الأمويِّين عام 684م وتعتبر من الحروب الدَّامية الَّتي شهدتها أرض الجزيرة السُّوريَّة وكان سببها أنَّ أتباع علي رضي الله عنه يتهيؤون مظهرين النَّدم من خذلانهم الحسين ابن علي وعدم نجدته في كربلاء ومن رؤسائهم رفاعة بن شداد البجلي وعبد الله ابن سعد الأزدي وعبد الله بن والي التَّميميِّ، وأعلنوا خلع سلطان الأمويِّين واتَّجهوا إلى رأس العين، وخرج لملاقاتهم من الشَّام عبد الله بن زياد، وأبتدأ القتال بمناوشات بين الطَّرفين ثمَّ التقوا في رأس العين  وتفوَّق جيش عبد الله بن زياد وجاء خمسمائة فارس من الكوفة لنجدت الكوفيِّين اتباع عليِّ ودخلوا المعركة وقتل منهم الكثير وتراجع قسم منهم وبقي قسماً منهم صامداً إلى أنْ طلب منهم عبد الله بن زياد ومن معه بالكفِّ عن القتال وعاد البقيِّة منهم إلى الكوفة .

ثالثاً- حُرُوبٌ بَيْنَ قَيْسٍ وَتَغْلِبٍ:

وهي من الأحداث الجسام الَّتي وقعت في الجزيرة واستمرَّت فترة طويلة. وتفصيل الخبر أنَّه عند وقوع النِّزاع على الخلافة بين مروان بن الحكم وابن الزُّبير كانت قبائل قيس تقاتل في صفوف ابن الزُّبير حين كانت قبائل تغلب تشايع مروان وتناصره. ودارت حروب مريرة وطويلة ذهب ضحيتها الكثيرين ونهب الأموال والأرزاق ودار القتال في مختلف مناطق الجزيرة، فكان تارةً على نهر الخابور في ماكسين والفدين والسّكير والصُّور وتارة أخرى في بادية سنجار وانتقلت إلى الموصل وانهزمت تغلب، كما جاء يوم الشَّرعيَّة ووقعة تل الحشاك وكتب النَّصر لتغلب، وقتل فيها الكثير منهم عمير ابن الحباب، واستمرَّت الحروب وكانت الغلبة وفي غالبيتها للقيسيين وأشتهر منهم الجحاف الَّذي أسرف في القتل والتَّنكيل وطلبه الخليفة وهرب إلى بلاد الرُّوم ثمَّ عاد بعد أن طلب الأمان وأُلْزِم بديَّات من قتلهم.

رابعاً- ثَوْرَةُ أَهْلِ الجَزِيرَةِ السُّوريَّة:

فقد حدث سنة 749 أنَّ أهل الجزيرة رفعوا علم الأمويِّين الأبيض تعاطفاً مع الأمويِّين وحنيناً إلى عهدهم وخلعوا سلطة ابن العبَّاس أصحاب العلم الأسود وقدم إليهم إسحق بن مسلم من أرمينيا لمناصرتهم، وبلغت أخبار الثَّورة بغداد فتوجه أبا جعفر أخو أبو العبَّاس السَّفاح إلى قرقيسيا والرَّقَّة الَّذي ثاروا كذلك واخضعهم وتوجَّه إلى حرَّان ودارت الوقائع الكثيرة في نواحي سميساط والرَّها وحوصر إسحق في سميساط سبعة أشهر وطلب الصُّلح والأمان، وأُعطي الأمان من السَّفاح وانتهت الثَّورة الَّتي أعلنها أبناء الجزيرة نصرة لبني أميَّة.

خامساً- ثَوْرَاتُ الخَوَارِجِ:

787م وفي خلافة هارون الرَّشيد أرسل هارون جيشاً إلى الجزيرة لمحاربة الخوارج الَّذين أفسدوا كثيراً وفرضوا الغرامات والأموال وعاثوا بالأرض سلباً ونهبا. وعندما انتقلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان، وفدت قبائل عربيَّة أخرى إلى الجزيرة الفراتيَّة حيث وفدت بطون كبيرة من قبيلة بكر إليها واستقرَّت فيها كما جاء بنو أميَّة أيضاً إلى الجزيرة، وقد استمرَّ الكثير منهم في مدينة حرَّان وحصن مسلمة الَّذي سُمِّي بذلك نسبة إلى مسلمة بن عبد الملك بن مروان، وقد جاءت أيضاً قبيلة بني هلال إلى الجزيرة، ويرجَّح أنَّهم تسرَّبوا إلى المنطقة في العصر العبَّاسي الأوَّل، وهم إحدى جمرات العرب وكانت لهم كثرة وعدَّة في الجاهليَّة والإسلام، حيث تمكَّنوا من السَّيطرة على مدينة حرَّان في العصر العبَّاسيِّ الثَّاني، حيث قضى المعتز بالله على نفوذهم فيها [1].

 

[1]- (الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر /اسكندر داود ).

 

 

 

 

 

المعلومات مأخوذة من كتاب الجزيرة السورية بين الحقيقة والوهم 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *