الجزيرة السورية – بداية الفتوحات الإسلامية 2

الجَزِيرَةُ السُّورِيَّهُ فِي بِدَايَةالفُتُوحَاتِ الإِسْلَامِيَّة

فتحُ قرقيسيا:

تقع قرقيسياء عند ملتقى نهر الفرات بالخابور في منطقة البصيرة، وكان شهر باض ملكاً عليها، وقدم إليها على رأس جيش المسلمين عبد الله بن عتبان بعد الانتهاء من فتح القلعتين الزَّبَّاء وزلابية عام 17 للهجرة، وفتحت بعد مقتل ملكها شهرياض على يد النُّعمان بن المنذر، وقتل ورنيك الأرمني على يد عبد الرحمن بن مالك الأشتر، وبعد مقتله خافت زوجته أرما نوسة بنت الملك قريشيون واستعانت بالقائد عبد الله يوقنا والَّذي استطاع الإلتفاف على الملك شهرياض برجوعه إلى دينه المسيحية، وقلدته أمر بلدها والَّذي أعد العدة لتحصين المدينة، وكان أحد المدافعين عنها “المنذر ابن عاصم” المعروف عنه بقوة ساعده بالرَّمي للحجارة من القلاع، وسمِّي برج القلعة الَّذي كان يرمي منه “ببرج المنذر”  ونتيجة لخدعة قام بها عبد الله يوقنا على أرما نوسة أستطاع المسلمون الدُّخول إلى المدينة وطلبت أرما نوسة الأمان بعدما اكتشفت الخديعة وأعطاها عبد الله بن عتبان وسهيل بن عدي الأمان، وعرض على أهل قرقيسيا الإسلام وأسلمت أرما نوسة ومن كان معها وأقرهم عبد الله في مواضعهم وأحسن اليهم، وأخذ كنيستهم وهي بيعة مار جرجس فأتَّخذها جامعاً وعيَّن والياً عليها شرحبيل بن كعب، وطلب عبد الله بن عتبان من عبد الله يوقنا أنْ يأمر ابنته أن ترجع إلى قلعتها نتيجة التَّوصية الَّتي جاءته من الأمير عياض بن غنم وعادت إلى قلعتها واتَّجه بالمسير إلى ماكسين وعرايان[1]، أمَّا ابن الأثير بيَّن إنَّ فتحها تمَّ على يد عمر بن مالك [2].

فتح ماكسين (مركدة): وصور والمجدل وماسكن والسَّمَّانيَّة (الشَّمسانيَّة) وعرابان والسَّكورة: وتقع هذه المناطق على الخابور وفتحت جميعها صلحاً على يد عبد الله بن عتبان بعام 17 للهجرة.

 

فَتْحُ قَلْعَةِ مَارْدِين:

تطلُّ قلعة ماردين على سهول الجزيرة الفراتيَّة وكان عليها ملكاً اسمه أرسيوس وفَتْحُها جاء نتيجة إسلام ابنته، فقد كان لملكها ابنة تُسمَّى ماريَّة وكانت زوجة لعمودا  ابن الملك شهرباط، وقد أسر جيش المسلمين عمودا، وقامت بمحاولة لفكِّ أسره إلَّا أنَّ محاولتها فشلت وكان نتيجة هذه المحاولة أن اكتشفت أنَّ عمودا هو ابنها الَّذي حملت به سفاحاً من الرَّاهب قوما وإعلان إسلامها مع ابنها عمودا ونتيجة لتعاونهم مع المسلمين تمَّ فتحها .

فَتْحُ الرَّها وَحرَّان:

الرَّها كما وصفها رنيه ديسو: ( الرَّها: مدينة بالجزيرة تقع بين الموصل وحلب، تُسمَّى الآن ’’ أورفا ’’ كانت ذات شهرة عظيمة في الحضارة والمباني الكبيرة وخاصة في بناء الكنائس والأديرة، وهي عند النَّصارى من المدن المقدَّسة فتحها، عياض بن غنم سنة 17 للهجرة، ويذكر أنَّها بنيت أيَّام السُّلوقيِّين وكانت لها شهرة كبيرة في الحروب الصَّليبيَّة، يسمِّيها اليونانيُّون ’’ أدسا ’’ وتسمَّى بالآرامية ’’ أرهوئى’’ وبالأرمينية ’’ أرهائى ’’ ومنها الاسم العربي ’’ الرَّها ’’ والترُّكي’’ أورفا ’’)[3]

وقال المقدسي عن كنيستها ( وكان يُقال عجائب الدُّنيا ثلاث: منارة الاسكندرية وقنطرة سنجة وكنيسة الرَّها، فلمَّا بني المسجد الأقصى جعل بدل الكنيسة، فلمَّا هدمته الزَّلزلة جعل موضعه جامع دمشق …)[4].

وكان ملكاً عليها كيلوك الأرمنيُّ والَّذي قبض عليه عبد الله يوقنا نتيجة كمين له استطاع من خلاله الدُّخول إلى الرَّها [5]

أمَّا حرَّان فقد كان عليها أرسيوس بن جارش ملكاً وأُسِر هذا الملك على يد عمرو ابن يكرب الزُّبيدي عندما كان خارجاً لملاقاة أوجوك الأرمنيِّ بن رودوس وتمَّ الاتفاق بين رودوس وعياض بن غنم على أن يسلم رودوس ما تحت يده من مناطق ومنها حرَّان مقابل إعطائه السُّويداء (وهي مدينة في الجزيرة بين آمد وحرَّان وأهلها أرمن ونصارى) ونصيبين الصُّغرى ( وهي مدينة على نهر الفرات ومن قصد بلاد الرُّوم من حرَّان مرَّ بها).

فَتْحُ مَدِينةِ رَأسِ العَيْنِ (عَيْنِ وَرْدَة ) وَبَقِيَّةِ مَنَاطِقِ رَبِيعَة:

قبل أن تُفتَح رأس العين، أدار خالد بن الوليد معركة مرج رعبان مع الرُّوم ووقعت السِّجالات الكبيرة بين الطَّرفين في اليوم الأوَّل وانهزم الجناح الأيمن لجيش المسلمين الَّذي يضمُّ أخلاط من العرب من ربيعة وكندة وغيرهم كما انهزمت ميسرة جيش الرُّوم، وفي اليوم الثَّاني للمعركة رتَّب خالد بن الوليد ترتيباً جديداً واشتدَّت المعركة ودخل فيها الملك شهرياط والَّذي شحذ همَّة الرُّوم بني الأصفر وأحضر حريم الجنود والبطارقة وأولادهم لتثبيت العساكر بالمعركة. أمَّا خالد بن الوليد وأصحابه فكان هدفهم صليب القوم والَّذي حصَّنه شهرياط باثنتي عشر ألفاً من الفرسان وزرَّع حولهم حسكاً من الحديد، ولماَّ حمل خالد وأصحابه وقربوا من مضارب القوم، وداست خيولهم الحسك ووقعت الخيول على وجوهها وأوقعت الصَّحابة على ظهورها وانقضَّ عليهم الرُّوم وألقوا القبض عليهم، ولماَّ علم الأمير عياض بن غنم بما حدث لخالد وأصحابه نادى بالمسلمين لتخليص خالد وأصحابه واشتدَّت المعارك لنهاية اليوم ورجع المسلمون ولم يحققوا شيئاً، وأستطاع عبد الله يوقنا أنْ يرصد قدوم عاصم ابن رواحه والَّذي لازال متنصراً ومعه خمسمائة فارس من قومه من إياد الشَّمطاء لنصرت شهرياط، وقد إلتقى به عبد الله يوقنا برفقة عمر بن كرب الزُّبيدي والجيش الَّذي معه فارس بفارس نتيجة كمين نصبه لهم, ومن ثمَّ أسلم عاصم ومن معه، وقد أستعملهم يوقنا بحيلة أستطاع من خلالها الدُّخول إلى رأس العين مع خمسمائة مقاتل، ولماَّ وصل الخبر لعياض بن غنم أعدَّ العدَّة ودارت المعركة مع الرُّوم وقتل الملك شهرياظ وحوصرت رأس العين، كما إنَّ الدَّور الَّذي قام به أرسالوس  أخو مرتيموش الَّذي طلب منه الصُّلح مع المسلمين ورفضه، فما كان منه إلَّا أن قام بفتح باب الخابور بعدما طلب الأمان من عياض بن غنم بواسطة بعض أتباعه ودخل المسلمين إلى المدينة أنقضُّوا على البطارقة وشيوخ المدينة ورؤسائها الَّذين جمعهم مرتيموش ليحلفوا أمامه بالولاء وقتل الجميع، وكان نتيجة ذلك أن استسلمت المدينة عام 17 للهجرة .

(وفي فتح منطقة رأس العين أنفرد الواقدي برواية أسر خالد بن الوليد)

وجاء في رواية الطَّبريِّ ( وسار إلى رأس عين وهي عين الوردة فامتنعت عليه وتركها وسار إلى تلِّ موزن …. وقيل إنَّ عمر أرسل أبا موسى الأشعريِّ إلى رأس عين بعد وفاة عياض وقيل إنَّ خالد بن الوليد حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل حماماً بآمد فأطلي بشيء فيه خمر فعزله عمر، وقيل إنَّ خالد لم يسر تحت لواء أحد غير أبي عبيده …)[6]

أمَّا البلاذري فقد بيَّن ( أنَّ عمير بن سعد هو الَّذي فتح رأس العين وسلك الخابور حتَّى أتى قرقيسيا ثمَّ أتى حصون الفرات حصناً حصناً ففتحها )[7]

أمَّا كفر توثا فقد فُتحت على يد بوغور الَّذي أسلم واستعمل الخدعة على قومه بعد أن أفهمهم إنَّه أرسل لنجدتهم وفتحوا له الأبواب ودخلها المسلمون وعُيِّن والياً عليها من قبل عياض بن غنم.

كَمَا فُتحت دارا وبير حاء وباعما ومعـرين صلحاً على يـد عياض بن غنم.

                _       _          _  

 

مَنَاطِقُ دِيَارِ بْكرٍ الَّتِي فُتِحَتْ

 

ديار بكر تقع أراضيها غربي نهر دجلة، إلى بلاد الجبل المطل على نصيبين ثمَّ إلى حصن كيفا وآمد وميا فارقين، وقد يتجاوز دجلة إلى مدن أسعرد وحيزان وحيني، وما تخلل ذلك من البلاد ولا يجاوز السَّهل. ويتبع لديار بكر، ميا فارقين، وآمد ونصيبين وأسعرد وحيزان ودبيس وجزيرة ابن عمر.

أولاً- فَتْحُ آمد: كان عليها ملكة اسمها مريم الدَّاريَّة وقد رفضت تسليم المدينة صلحاً وأمتدَّ حصارها لأكثر من خمسة أشهر، واستطاع خالد بن الوليد وبعض من أصحابه من الدُّخول إليها من باب سريٍّ تمَّ اكتشافه وفتحوا بابها للأمير عياض بن غنم وجيشه ودخلوا إليها وهربت الملكة مريم واستسلم سكَّانها وأسلم غالبيتهم وولي عليها صعصعة بن صوحان العبدي.

ثانياً– فَتْحُ مِيَارفَارين: وكان عليها ملكاً اسمه إسلاغورس والَّذي رغب بالصُّلح مع المسلمين إلَّا أنَّ قومه رفضوا، وكانت الحملة عليهم بقيادة الحكم بن هشام وتبعه عياض بن غنم ووقعت الأحداث وكان من نتيجتها أن استسلم أهل المدينة وانصاعوا للصُّلح وترك الحكم فيها للحكم بن هشام.

ثالثاً- فَتْحُ نَصِيبين: نصيبين تسمية سريانيَّة تعني الغراس لكثرة أشجارها، وهذه المدينة هي في الجهة التُّركيَّة من الحدود السُّوريَّة وملاصقة تماماً لمدينة القامشليِّ، هذا وتحتلُّ مدينة نصيبين التَّاريخيَّة الَّتي تنتمي إليها القدِّيسة فبرونيا مكانة كبيرة لدى السِّريان أينما كانوا وذلك لأنَّه منها نبغ شمس السِّريان مار إفرام السِّريانيِّ وإليها ينتمي شفيع القامشليِّ الَّتي يسمِّيها السِّريان نصيبين الجديدة، وفيها كانت هناك أبرز مدارس السِّريان في القرون الغابرة (أوائل القرن الرَّابع المـيلادي) إلى جـانب مدارسهم الَّتي تجاوزت الخمـسين مثل مدرســـــــة رأس العيــــــــن وقـــرقفتا والــــرَّها، ونصيبين فتحت صلحاً على يد عياض بن غنم، وأسلم طرياطس ملك نصيبين وبقي ملكاً عليها حتَّى مات بعهد عثمان بن عفان .

رابعاً– فَتْحُ حِصْنِ لَغُوب واسْعَردٍ وَبهمَرَدٍ وَطُورِ عَابْدِين: وكان عليها ملكاً اسمه نطالون بن كيفا بن عيريوس، وأستأذن عبد الله بن يوقنا الأمير عياض بن غنم للاتِّجاه اإليها، وفي الطَّريق فتح أرزن وأسعرد وباهمرد وباتاسا وحيزان والمعدن الَّتي كان عليها ملكاً اسمه خرشلوا بن باكير واتَّفق معه عبد الله يوقنا ليساعده في فتح لغوب، ولحق به خالد بن الوليد، ونتيجة لمكيدة قام بها يوقنا والملك خرشو والَّذي كان على خلاف مع نطالون، وخرج الملك نطالون لمؤازرة خرشـلوا  واستطاع يوقـنا من قتـل نطــالون، وبعدما عرفت زوجته موجانوسه والَّتي كان يُعرف بحكمتها بمقتله استشارت أهل الرأيِّ في المدينة وأشاروا إليها بإجراء الصُّلح مع المسلمين وجرى الصُّلح مع خالد بن الوليد وأسلمت وتزوَّجت من عبد الله يوقنا. أمَّا أسعرد وبهمرد وطورعابدين فقد فتحها خالد ابن الوليد صلحاً.

           

_              _                        _

[1]- (تاريخ فتوح الجزيرة للواقدي ).

[2]- الكامل المجلد الثاني “في ذكر فتح قرقيسيا “.

[3]- العرب في سوريا قبل الإسلام هامش ص4.

[4]- “أحسن التَّقاسيم في معرفة الأقاليم”.

[5]- تاريخ فتوح الجزيرة ص 103.

 [6]- الكامل في التاريخ جزء ثاني ص379.

[7]- فتوح البلدان ص246.

 

 

المعلومات مأخوذة من كتاب الجزيرة السورية بين الحقيقة والوهم 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *