المَمَالِكُ وَالإِمَاراتُ في الجزيرة السورية 

 

 

  المَمَالِكُ وَالإِمَاراتُ في الجزيرة السورية

 

 مَمْلَكَةُ يَمْحَاضٍ :

يمحاض مملكة في شمال غرب سوريَّا ازدهرت من القرن التَّاسع عشر قبل الميلاد وحتَّى النُّصف الثَّاني من القرن السَّابعَ عشرَ قبل الميلاد، كان مركز وعاصمة المملكة مدينة حلب، وكانت مترامية الأطراف، يظهر من مكتشفات ماري “تل الحريري” إنَّ حلب كانت عاصمة مملكة يمحاض، فيحيط بها من الشَّرق مملكة كركميش “جرابلس”، ومن الجنوب مملكة قطنة “المشرفة” الواقعة بين حمص وسلميَّة، وقد امتدَّت لتشمل الجزيرة السُّوريَّة وشمال الهلال الخصيب، وحتَّى بدايات البادية السُّوريَّة جنوباً، وكانت صلة الوصل بين شرق الهلال الخصيب والبحر الأبيض المتوسط.

سكن هذه المنطقة من سوريَّا السُّلالة الأموريَّة (العموريُّون) ذات الأصل الكنعاني وسكن معهم الحوريُّون، وقد شكلَّ الأموريُّون السُّكَّان الأساسيِّين في المملكة وكان الملك منهم، إلَّا أنَّ الحوريِّين، كانوا يشكِّلون نسبة عالية من السُّكَّان في منطقة حلب وما حولها، ووردت مدينة حلب بالوثائق الحثيَّة تحت اسم خلبا، وفي كتابات تل الحريريِّ “مكتشفات ماري” هلبا، وفي الفرعونيَّة خرب وخالوبو، وفي الوثائق الأكَّاديَّة الكلدانيَّة الأسماء: خلابة، خلبو، خلمان، خلوان وأخيراً حلاب.

وكان لتراجع دور إبلا المملكة السُّوريَّة القريبة من حلب بعد أن هاجمها نارام سين الأكَّاديُّ، دوراً مساعداً في صعود نجم مملكة يمحاض.

إِمَـارَةُ الحَضَـرِ :

كانت إمارة الحضر تابعة للامبراطوريَّة الفارسيَّة وكان لها استقلالها وعاصمتها مدينة الحضر الواقعة قرب وادي الثرثار على بعد 140 كم من جنوب غرب الموصل، ويحدُّها نهر دجلة من الشَّرق، ومن الغرب نهر الفرات، ومن الشِّمال جبال سنجار، ومن الجنوب المدائن، وامتدَّ هذا النفوذ ووصل الخابور ونصيبين، وعرفت بلادها باسم عربايا (بلاد العرب ) وقد وُجدت تحت هذا التل مدينة آشوريَّة تُسمَّى ( شاديكاني)، كانت هذه المدينة القديمة المتوضِّعة تحت تل عجاجه الأهمَّ في حوض نهر الخابور خلال العصر العباسي، وكانت مركزاً هاماً في المنطقة الحدوديَّة بين الفرس والرُّومان. وقد ورد ذكرها بهذا الاسم في كتابة بهستون الَّتي تعود إلى القرن السَّادس قبل الميلاد، وقد سقطت تلك الإمارة عام 240 م على يد الملك السَّاسانيِّ شابور، ومن ملوكها (لجش الملك والَّذي اتَّخذ لقب ملك العرب) وورد اسمه على تماثيل إمارة الحضر.

إِمَـارَةُ سنجار:

وظهرت هذه الإمارة نتيجة ضعف السَّلوقيِّين وسنجار موضع قديم كان معروفاً في أيَّام الآشوريِّين، وممَّا يُعرف عن هذه الإمارة ووفق ما ذكره الباحث العراقيُّ أحمد سوسة ” إنَّ ملكها معنو انهزم سنة 115 م من أمام تراجان في أثناء فتحه للحضر وطيسفور”[1].

`مَمْلَكَةُ الرَّهَا :  مملكة عربيَّة، وعاصمتها مدينة الرَّها والمعروفة اليوم باسم أورفه بتركيا [2]. وسمَّاها اليونانيُّون باسم (كاليرهو) وهو الموضع المعروف اليوم باسم بِركة إبراهيم (نبع خليل الرَّحمن) وكانت في القسم الشِّمالي لمنطقة ما بين النَّهرين في المنطقة العليا من الجزيرة، كانت الرَّها بيد السُّلوقيِّين عام 304 ق. م وأسِّست تلك الإمارة عام 142 ق. م على يد الملك “أريو” وحكم بعده عدَّة ملوك منهم (عبدو ارادشت وبكرو الأوَّل وبكرو الثَّاني  وأبجر الأوَّل وأبجر الخامس ) وأدخلها بلينيوس من جملة المدن العربيَّة وهي من ديار مضر، وما ذكره الباحثون أن أبجر الخامس والَّذي حكم عام أربعة قبل الميلاد إلى عام خمسين بعد الميلاد أنَّه كان مريضاً وسمع بالمسيح عليه السَّلام وأرسل بطلبه ليشفيه، وممَّا ورد في رسالته للسِّيِّد المسيح ( لقد بلغني أنَّ اليهود يضايقونك ويضمرون لك الشَّرَّ فبلدي بلد صغير ولكنَّه بلد جميل وغني يسعنا كلينا، فأجابه السَّيِّد المسيح مباركاً إيَّاه ووعده أنَّه بعد قيامته يرسل إليه أحد تلامذته ووفقا للمصادر التَّاريخيَّة فإنَّ أحد التَّلاميذ جاءه إلى الرَّها وشفاه من مرضه وعمَّده  وأصبح أبجر الخامس أوَّل ملوك الرَّها المتنصرين [3].

مملكة تحتاني :

عاصمتها مدينة غوزانا وهي مدينة أثريَّة سوريَّة تقع تحت تل حلف في سوريَّة، على الضِّفَّة الغربيَّة لنهر الخابور  وتبعد عن مدينة رأس العين بحدود 2 كيلو متر، وتعدُّ من أعرق الحضارات والمدن التَّاريخيَّة في منطقة الجزيرة السُّوريَّة. واكتشف مدينة غوزانا عالم الآثار الألمانيُّ “ماكس فون أوبنهايم”  في عام 1910م وكانت التَّنقيبات قد بدأت عام 1899م واستمرَّت حتَّى عام 1940م، وكان لاكتشافها أهميَّة كبيرة بالنِّسبة لحضارات المنطقة وسوريَّا.

مملكة أرام النهرين: بين الفرات والخابور.

`  مَمْلَكَةُ  بَيْتِ آدِين وعاصمتها تل برسيب (الرَّقَّة حالياً)

`  تلُّ شَاغَار بَازَار:

تقع الآن تحت تل حطين، وقد كشفت التَّنقيبات الَّتي بدأت عام 1934م عن خمس عشرة حضارة، ومن أهم آثار تلك الحضارات الألواح الفخارية الَّتي تكشف عن تاريخ الشَّرق العريق، ولا يــزال بعض آثارها موجــوداً فـوق ذلك التَّل. ويعدُّ تل شــاغار بازار، من المواقــع الأثريَّة الهامَّة في الجزيــرة السُّوريَّة وسبق أن زارته الكاتبة البريطانية الشَّهيرة أجــاثا كريستي مع زوجها عــالم الآثــار البروفيسور” ماكس مالاوان” وتحدَّثت عن هذا التَّــلِّ مطولاً في كتابها ” هكذا أعيش”.

وقال عنه هنرس س عبودي في معجمه ” موقع أثرى في وادي الخابور الأعلى كانت تشغله مدينة في بلاد ما بين النَّهرين الشِّماليَّة عُثر في هذا الموقع’’1934-1937م’’ على لوحات مسمارية تدلُّ على أنَّ المدينة كانت في الألف الثَّاني ق.م مركزاً زراعيّاً مهماً تجري فيه الخيول، في هذا الموقع خمسَ عشرةَ طبقة سكنيَّة متراكمة، يعود عشرٌ منها إلى مرحلة ما قبل التَّاريخ وخمسٌ إلى العهود التَّاريخيَّة، وقد سمحت هذه الطَّبقات المختلفة بتأريخ العديد من النَّماذج الخزفيَّة …”[4]

 

`  تَلُّ برَاكٍ :

يقع غربي نهر “جغجغ” أحد روافد نهر الخابور وعلى بعد 42 كم من مدينة الحسكة. وعلى هذا التَّلِّ كان مقر “نارام سين” وكان قوي التَّحصين منيعاً. ولقد شهد هذا التَّلُّ أحداثاً عسكريَّة هامَّة، امتدَّت خلال حقبة طويلة من الزَّمن أي من الألف السَّادس إلى الألف الثَّاني ق.م، وفي هذا التَّلِّ عُثر على بناء مدرَّج ومعبد وفيه عُثر على محتويات هامَّة، ففي المعبد عُثر على تماثيل حيوانات وأقنعة بشرية وعيون أصنام حتَّى سمِّي بمعبد العيون، وتعود إلى الحقبة 3500 -3300 ق.م.

وقال عن تل براك هنري. س عبودي في معجمه ” موقع في سوريَّة العليا، عُثر فيه عامي 1937/1938م على معبد يعود على عصر جمدة نصر ’’ مطلع الألف الثَّالث ق.م ’’ أُطلق عليه اسم ’’ المعبد ذو العيون ’’ نظراً لوفرة التَّماثيل فيه المزوَّدة بالعيون المنحوتة ’ عُثر كذلك في تل براك على قصر للملك نرام سن، رابع ملوك السُّلالة الأكَّاديَّة، يعود إلى حوالي العام 2300ق.م، وعلى كؤوس ذات نقوش هندسية بيضاء على أرضيَّة سوداء، تعود للألف الثَّاني ق.م “[5]

`  تَلُّ حَمُوكَارٍ :

أقدم مدينة في التَّاريخ… عمرها 7 آلاف سنة، على الحدود السُّوريَّة ـ العراقيَّة… ووُجد فيها أوَّل نظام للتكييف الهوائي في التَّاريخ على الحدود الفاصلة بين سوريَّة والعراق بالقرب من جبل سنجار، اكتشفت البعثة السُّوريَّة ـ الأميركيَّة المشتركة للتَّنقيب عن الآثار مدينة أثريَّة مهمَّة على هذا التَّلِّ يعود تاريخها إلى الألف الخامس قبل الميلاد، ويمكن أن تُعتبر أقدم مدينة في العالم، إذ يقدر عمرها الآن أكثر من سبعة آلاف سنة، وهي بذلك أقدم من أي مدينة أثريَّة أخرى مكتشفة حتَّى الآن في العالم بما لا يقلُّ عن 2500 سنة. جرى هذا الاكتشاف المهم في هذا التَّلِّ الأثريِّ على مساحة مائتي هكتار من الأرض على شكل مربع وسط السُّهول المحصورة بين جبل سنجار في الجنوب وسلسلتي جبال طوروس وزغروس في الشِّمال والشِّمال الشَّرقيِّ، ويبعد الموقع عن نهر دجلة باتِّجاه الجنوب الغربي مسافة خمسين كيلو متراً، بينما يبعد عن نهر جغجغ (الَّذي يخترق مدينة القامشلي) بحوالي ستين كيلو متراً.

من ناحية ثانية يرى الباحث الأثريُّ السُّوريُّ الدُّكتور عمر العظم مدير المعمل الفني في مديرية الآثار والمتاحف في سوريَّة (وهو خبير حاصل على درجة الدُّكتوراه من جامعة لندن في الأثنوجرافيا والمسؤول عن الجانب السُّوريِّ في بعثة «حمو كار») إنَّه قد هاجرت في منتصف الألف الرَّابعة قبل الميلاد تقريباً مجموعات بشرية من جنوب بلاد الرَّافدين إلى سوريَّة وأسَّسوا فيها مستعمرات سكنيَّة، وأدَّى هذا الاحتكاك بسكَّان المنطقة الأصليِّين أي السُّوريِّين إلى تطوُّر في نظام العمران، وتطوُّر في مبدأ حكم الملكيَّة ونظام الدَّولة ولكنَّ التَّنقيبات الأثريَّة في حمو كار وفي بعض المواقع الأخرى في سوريَّة أظهرت تطوُّر نظام اجتماعيٍّ محليٍّ قبل الاحتكاك بجماعات بلاد الرَّافدين الَّتي هاجرت إلى سوريَّة واستوطنت فيها وجلبت معها الحضارة… ومن المكتشفات الأثريَّة في منطقة «حمو كار» تُبيِّن أنَّ فكرة نشوء الحضارة وتطوُّرها بدأت في سوريَّة وفي «حمو كار» بالتَّحديد، ثمَّ انتقلت جنوباً إلى بلاد الرَّافدين».   وذكر هذا التَّلَّ هنري . س  في معجمه وقال ” موقع في الجزيرة السُّوريَّة قرب الحدود العراقيَّة الحاليَّة، شرقي مستنقعات الرَّاض، هو عبارة عن تلٍّ صغير محصَّن، يقع في منخفض ويحيط به خندقان وسوران دفاعيَّان، تنتمي الكسر الفخاريَّة المنتشــرة على سطحه إلى العصر البرونزيِّ المتوســط، يَرى بعض علماء الأثـــار احتمال كـــون هــــذا التَّـــلِّ يَنطوي على مدينــــة واشوجاني الحــــوريَّة “[6] .

 

 

[1]- (تاريخ حضارة بلاد وادي الرافدين).

[2]- رنييه ديسو في كتابة العرب في سوريا قبل الاسلام ص4 حاشية .

[3]- تاريخ حضارة بلاد وادي الرافدين / احمد سوسه / ص 198 .

[4]- معجم الحضارات السَّاميَّة ص 524

[5]- معجم الحضارات السَّاميَّة ص 220

[6]- المرجع السَّابق ص 367 .

 

 

 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *