كاسر حباش..  “ها أنت ذا تفعلها”

كاسر حباش..  “ها أنت ذا تفعلها”

تحاول دير الزور دفن رموزها.. بالتواطؤ مع من يريد جعلها مقبرة للإبداع أو لكل ظاهرة قد تولّد تغييراً على الساحة العربية أو حتى الدولية 

كذلك هو الحال مع كاسر حباش .. (صانع الدهشة) كما يعرفه من رافقه.. لما كان له من إذهال في السرد والحوار والأفكار .. ومايحتويه دماغه من معلومات عن كل شيء.. كل شيء.. 

أصدق حديث عن علم مثل كاسر حباش.. لن يفيه حقه إلا إذا صدر عن أناس رافقوه وكانوا أحياناً ظلاً مرافقاً له.. 

شهادات عديدة رصدها موقع هنا دير الزور عن العلم الديري .. (كاسر)..

 

يزن المحمد 

ممثل مسرحي .. لدي تجربة تمثيل سينمائية .. وعدة تجارب إخراجية في مسرح الطفل ..الافلام الكرتونيه والتوثيقية عن الطفل .. وبعض التجارب الصوتية التسجيلية لعدد من الكتاب العرب والعالميين ..

 

التقيت بكاسر أثناء بروفات شيزوفرينيا .. كان مرهق الظل .. يتكئ بيد على عكازةِ حقبة الثمانينات  والتسعينات حين كان يُصنَّف على أنه أحد الظواهر الثقافية في دير الزور .. وحتى دمشق .. وفي الأُخرى كان يحمل كيساً يضع فيه عتاده الدائم من قارورة ودفتر وقلم …وبعض الخيبات .. أذكر حينها – وكما عرفت لاحقاً – وكما جرت العادة أن يقوم أحد افراد الشلة باستفزازه , حين رد عليه بقوله : *أنا ما أسمح لك تحكي معي بهاي الطريقة .. أنا قارئ مكتبات ولاك* كان يأتي ليصنع نقاشات ساخنة ثم يذهب بصمت كعادته .. في تلك الفترة ألمح لي ضرام سفان بضرورة أن أتعرف على كاسر .

 كاسر .. ذلك القاص الذي عاش حياة قصيرة مليئة بالقصص القصيرة التي كتبها .. لا نستطيع إلا أن نصنفه على أنه حالة روائية عاش هو نفسه تفاصيلها بكامل إرادته بين الفقر والمرض .. يخرج برأي سياسي ليدخل معتقلاً .. يبدأ بالحديث عن العدالة الاجتماعية لينتهي منفياً بين أزقة مدينته ..

في سنته الأخيرة قررنا سوية ان يقيم عندي في بيتي .. بطبيعة الحال لم تكن لدي التزامات أسرية أو عائلية .. فكان الوضع مثاليا لأن ياخذ ركناً ويبدأ بالكتابة من جديد .. كان يخطط لشراء كارافان لنقيم فيه سوية بعيدا عن صخب المدن .. طبعاً بعد اعتقاده العميق بأنه سوف يفوز بجائزة الرواية  التي سيتقدم بها لإحدى المسابقات الثقافية .. 

كاسر .. ذاك المؤقت الذي قال لي يوماً أن الحياة عبارة عن تفاصيل تافهة .. لكنها تبدو جميلة فقط حين نكتبها ..

كاسر هو من علمني كيف ألفظ الأحرف الانكليزية على طريقة جاك لندن وتشارلز ديكنز .. وكيف أضع البقدونس في لفافة جريدة وطنية كي لا يذبل .. وهو من علمني كيف أقيم حواراً مع نملة بدلاً من أن أدعسها ..

كاسر ..المثقف و الشاعر .. كان يعتبر نفسه مسؤولاً عن كل نتاج أدبي وفني في هذا العالم .. كان يبكي أمامي من فرط الذكريات .. حيث لم يعد ثمة مكان يلجأ إليه سوى العزلة ..

كاسر .. ذلك اللص الذي كان يتسلل الى قلوب كل من عرفوه من خلال أحاديثه التي لا تنتهي عن الله .. والأنثى .. وعن الحداثة ومناهج التعذيب في أقبية الأنظمة المتعفنة ..

كاسر الذي خدعنا جميعاً وفعلها دون استئذان ..

كان كل ما أورثني إياه صاحب الظل المرهق .. هو عود ثقاب ..  

لأنه حفيد سلالات القطار .. لأنه وريث حكايات التعساء ..

لأنه .. وسيبقى طريق الخبز المالح ..

وتستفيق حكاية ..

كل الذين نسجتهم بأصابعك ..

 صاروا طريقاً لكذبة أخرى .. فستان موت لحياة أخرى ..

يا أنت حاذر .. أن تكون هوية التالين خلفك ..

ولا زلتَ الذي ..

إن كنتَ تركض بينهم ..

إن كنتَ ترقص خلفهم ..

جاؤوا بما لديك ..

وانتَ تبكي ..

وانتَ تحكي ..

قصة الآتين بينك ..

هناك قل ..

في كل جسر تألف أضحوكتان ..

ما دمتَ توقن إنما ..

حرفان بين شمسك والضباب ..

عمران بين وجهك والسراب ..

فإليّ بك ..

وإليك عن لون الزرقة بقبضتك ..

وعن الذين تجردوا ..

و تجرعوا .. وتشردوا ..

في حضرتك ..

وإليّ بك ..

لو أنه كأس فديتك ملهمي                       لكنما أجراسنا تدعونا 

بشير عاني

هو أحد رواد البيان النثري والحركة النثرية في المنطقة الشرقية، وكان التزامه بالنثر صارما منذ (رماد السيرة) عام 1993 الذي  شكل علامة فارقة وحجرا اتكأ عليه النثريون القادمون، بشير كان تجسيدا للطاقة التي تتوزع في اتجاهات كثيرة وتنجح في كل اتجاه بخلق حالة متميزة

رثاه شهيد الكلمة قبل أن يقتل بسبب شعره ( بشير عاني) في 2007-09-29

وقال فيه:

كاسر حباش : لا تقصص هذا الموت علينا

– 1 –

وسقط أخيرا عود الثقاب من فمه ..

لا أحد يعرف كاسر حباش إلا وخطر في باله يوما هذا السؤال : لماذا يقبع عود الثقاب باستمرار بين إحدى زاويتي فمه ؟

إجابات كاسر كانت مجازية مشوبة بالفانتازيا، تماما مثل حياته، فهو جاهز دائما لإحراق فكرة يابسة أو هشيم ثقافي وسياسي، وربما نص أدبي متخشب أو إرث اجتماعي منخور . 

-2 –

قد يبدو لمن سيقرأ الأسطر التالية ( أقصد الذين لم يعرفوه )، بأننا بالغنا، لاعتبارات الموت، بأهمية كاسر حباش ودوره في الحراك الثقافي الذي شهدته المدينة منذ ما يزيد عن العشرين عاما .

من لا يعرفه محق إذا ما اكتفى بتناول كاسر وتقييمه على أساس نتاجه الأدبي المطبوع ، وهو الأمر الذي أهمله كاسر ولم يكترث به رغم إنتاجه الغزير ومثابرته شبه اليومية على الكتابة الأدبية وغير الأدبية، لكن ثمة حقائق ثقافية، غير الطباعة، ملتصقة بشخصيته، منها مواهبه الفنية المتعددة وديناميكيته العالية وعمق تمرده، التي جعلت منه ( كاريزما ) ثقافية تفرز صمغها المعرفي الخاص الذي ستلتصق به المواهب القادمة من الأجيال الأصغر سنا (وربما المواهب المجايلة له ) لتشهد تلك الغرفة الصغيرة، المنزوية بـ ( حوش ) أهله في الموظفين، أشكالا من المؤامرات على الشكل والمضمون في الشعر واللوحة والجملة الموسيقية ، وعلى الأعراف والموروث الفكري والاجتماعي .

قلت مرة لأحد الأصدقاء إن ما يفعله كاسر حباش مع الأجيال الجديدة يشبه تماما ذلك الذي يدوّخ الصخرة بمطرقته ليجيء غيره ويفتتها بضربة واحدة ..

بمعنى آخر، إن ما كنا نفعله، حداثيا، مع خريجي ( غرفة ) الموظفين كان مقتصرا على اللمسات الأخيرة التي يجب أن يضعها اسم أدبي مكرس ومعروف وهذا ما كان يفتقده كاسر على الصعيد الرسمي .

بالضبط، كان كاسر عضوا بارزا في ذلك الفريق الصغير الذي شغل المدينة، في حينه، بمفاهيم التجديد والتمرد، وكانت غرفته، ببابها الحديدي ورتاجها الثقيل، والمنزوية على يمين الحوش، مطبخا مفتوحا لمؤامرات الحداثة القادمة . 

3 –

في منتصف الثمانينات كان يؤدي خدمته الإلزامية بدمشق، ورغم دوامه اليومي القاسي في ثكنته، إلا أنه كان يجد الوقت الكافي للصعلكة وعناق الأرصفة ، متنقلا بين حدائق دمشق وأرصفتها مع جيتاره وشلته التي كانت تتأبط هي الأخرى آلاتها الموسيقية .

بلا أذونات رسمية أو موافقات إدارية أو تحضيرات استقبال ومراسيم ، تبدأ احتفالات الشوارع في عاصمة، كان يبدو عليها الاستغراب من مثل هذه الصرعات .

نعم، فدمشق، ورغم ديناميكيتها وحيوية شبابها وتطورها السريع ، إلا إنها كانت في ذلك الحين غير معتادة على مثل هذا ( الاختراق ) الاجتماعي وإن تبدى بلبوس موسيقي .

منذ ذلك الوقت كان كاسر حباش يتوسد الأرصفة والحدائق مع شلته ، غير آبه بالمألوف،عازفا الحياة، كما يطيب لها، بالتآلف ..وبالنشاز التي هي عليهما ..

حاول أن يسمع الحياة كلمته، لكنها لم تكن تصغي إليه !

– 4 –

في أول ظهور أدبي له، كان كاسر لافتا ومبشرا ..

ففي بداية الثمانينات نشرت له الأسبوع الأدبي قصته ( الكلب )، وسيتذكر بعض الأصدقاء ( وأخص درغام سفان )، كيف بقي الأديب شوقي بغدادي ( المشرف على الصفحة الأدبية )، ولأيام يثني على هذه القصة شفاها وكتابة، مشيدا بنضجها الفني ، محملا البعض رسائل شفهية لصاحب القصة تحثه كي يرسل المزيد من الكتابات إلى الجريدة .

للأسف، كان كاسر، كمعظم الأدباء الديريين، كسولا، غير آبه بالنشر أو بالظهور الصحفي ..

تحمس في البداية.. ثم أهمل الأمر تدريجيا .. لينساه تماما بعد ذلك .

5 –

لكم أحب نصه ؟

ما إن يقرأ علينا بعض المقاطع حتى ينفجر بالضحك ، ولا ينتظر من أن نضحك ..

كان يكفيه فرحه الخاص بما يكتبه، وبما يندلق من روحه فوق الورق من مشاغبات لغوية أو فكرية .

لم أعرف أحدا يقرأ كتاباته بمثل ذلك التلذذ !

مثل صياد خبير كان يعرض علينا صيده الأدبي الثمين الذي هو عادة مقاطع أدبية مشغولة بعناية فائقة، وبطريقة خاصة به لا يجيدها احد مهما حاول تقليدها ، وقد يقرأ أيضا فصلا جديدا أو تعديلا على احد الفصول من روايته الطويلة التي يشتغل عليها منذ أكثر من عشرين عاما .

هذا المشروع الروائي ، والذي كان بعنوان ( ها أنت تفعلها يا مِتْ ) كان الهاجس الذي يتحرك مع كاسر أينما اتجه ، ولأنه أحبه كثيرا صار يخشى عليه من النهايات المستعجلة أو طباعته ووضعه بين يدي الناس قبل اكتمال نضجه الفني والفكري ، وهو ما جعله يعيد كتابة الرواية مرات عديدة ، يضيف ويحذف ويعدل عليها ، بل إن الرواية صارت شغله الشاغل ومحرابه الأدبي الذي يتعبد فيه .

ثمة من كان يلح عليه من الأصدقاء ، وأنا احدهم ، بالخروج من شرنقة هذه الرواية وذلك بطباعتها والالتفات إلى غيرها من القصص والدراسات والمقالات وخصوصا عمله القصصي الآخر (x ) ، وإلى الذهاب أبعد في شغله على نفسه كموسيقي ورسام ، فكان رأيه إن عملا واحدا مهمّا وقيّما للأديب خير له من عشرات الأعمال العادية أو التافهة .

في كل تحركاته الفنية والأدبية كان كاسر مهجوسا بالتمرد ، خارجا ، بامتياز ، على القطيع ، وما تفكيره بالعمل الروائي في مطلع الثمانينات إلا تأكيد على حساسيته العالية تجاه الأنساق القصصية السائدة في دير الزور، في ذلك الحين، والتي كانت متمثلة في القصة القصيرة فقط . 

 6-

لا نغالي إن قلنا بأن كاسر ظل حتى موته الرقم الثقافي الصعب الذي لايمكن إهماله دون أن تتخربط حسبة الكثير من المشاريع الفنية الجادة .

كم ستبدو ناقصة التحضيرات الأولى لمشروع موسيقي تجديدي، في المدينة، دون وجوده الشخصي بأفكاره و اقتراحاته و إضافاته وربما مشاكساته ..؟

قد ينـفّـذ العمل الفني، وقد ينجح، ولكن مع وجود كاسر فيه ستكون نكهته مختلفة تماما، لأنه منذ خطواته الفنية الأولى سعى لأن يكون مختلفا .

أيضا، كم ستبدو باهتة المقدمات الأولى لأي عمل مسرحي تجريبي، وخصوصا على مستوى النص، دون مساهماته وملاحظاته وإضافاته ؟

قبل ساعتين من موته، كان حتى الساعة الثانية صباحا في حوار ساخن مع أعضاء الفرقة المسرحية التي يعمل معها، وبشكل خاص مع مخرجها ضرام سفان، حول العمل المسرحي القادم والمشاهد التي كتبها خصيصا لهذا العمل .

في الشعر، كما في القصة كان كاسر حاضرا باستمرار ليقول كلمته كأديب أو متذوق خبير يعي جيدا أدوات هذه الصنعة وخفاياها، أما مونتيفاته السريالية والمشغولة بالحبر الصيني وأقلام الرصاص فقد كانت المادة الفنية المحرضة لنا، بوقت باكر، للدخول في نقاشات ساخنة، لم تنته، حول الفن التشكيلي وتلازمه مع الشعر جماليا ووظيفيا .

– 7 –

كاسر حباش :

أيها الذي كانت الحياة أقصر بعشرات الأمتار من خطوة حلمه، ما الذي تقوله الآن وأنت محشور في تلك الغرفة الضيقة الرطبة التي لا ( حوش ) لها ولا ممر جانبي ينسل منه الأصدقاء آخر الليل، متأبطين حكاياتهم الندية وقلوبهم المملوءة بالأحلام الطازجة .

كاسر حباش :

أيها الذي جاهد ليسمع الحياة عواءه الجريح ..

قبل شهرين، وفوق الجسر المعلق، نفخت ، وبأعلى صوتك، وقلت للنهر ذلك الكلام الغريب ..

أدري .. كنت يائسا ..

وكنت تدري بأن الحياة تنسل منك بعيدا بعيد . 

– 8 –

لم تنته اليوميات التي اعتدت كتابتها، بحبر الشغب،على ورق الحياة .. فهل ستكمل الآن تدوينها بحبر الموت على ورق الغياب ؟ 

ضرام سفان..

يعتبر ضرام من أكثر المخرجين  في سورية إبداعاً بل يتخطى حدود الوطن لو أتيحت له الفرصة المناسبة، ويضاف إلى عوائق ظهوره أو وصوله للعربية أو العالمية الحالة الصحية والعمل المسرحي في مدينة منسية اسمها دير الزور.

عندما سألنا عنه .. المخرج والممثل ضرام سفان.. حارت الكلمات وبدأ يجتر ذكريات لأنه لم يستطع الحديث عن شخص كان بالنسبة له بمثابة نبع معلومات غزير.. وجب على ضرام بعد رحيله أن يفتح (جوجل) ليسأله عن معلومة.. بعد أن كان غير محتاج له بوجود محرك البحث (كاسر)

قال ضرام.. كاسر .. كان موسوعة .. كان لديه قصة لكل موضوع .. كنا نتحدث عن القبعات .. فيسرد لنا تاريخ القبعات .. وأنواعها .. الشعوب التي ارتدت القبعات اولا .. ورمزية القبعة ..

كاسر لديه الكثير من الحكايات التي يرويها

والتي لم يروها.

واستطرد ضرام في ذكرياته التي أخذت لوناً قاتماً.. “هل تعلم أن سهرتنا الأخيرة كانت في منزلي بحي العمال برفقة أعضاء الفرقة المسرحية.. وكانت السهرة على (السطوح) ..  وكنا نخطط .. لعمل مسرحي من تأليف كاسر .. وأنا .. 

غادر منزلي الساعة الخامسة صباحاً 

وأول مرة .. اول مرة بحياته .. يساعدني .. وينزل الكراسي بيده .. من السطح وتوفي في الساعة الثامنة صباحاً.. سقط بجانب المغسلة داخل بيته.

ضرام.. اقترح أن تعنون المقالة باسم “ها أنت ذا تفعلها” نسبةً إلى عنوان مجموعته القصصية التي لم تطبع..

ولم يقف سيل الذكريات لدى عند هذا.. وأخذ يسرد حوادث تدل على أنفة وعزة كاسر وموقفه الرافض لتقديم أي تنازل.. قال ضرام.. كنا نجلس برفقة أحد أعضاء الفرقة وفتح موضوع أن الإنسان يجب عليه أن يجاري التيار وماشابه، فقال أحد أعضاء الفرقة موجهاً كلامه لكاسر: سوق مع السوق

انفعل كاسر وردَّ: واحد مثلك يسوق مع السوق ..

لم يستطع ضرام أن يجترَّ أكثر من الذكريات التي ذكرها.. نظراً لكثرة المواقف التي تعطي قوة لصاحبها.. 

وكان ضرام كتب في وداع كاسر:

    إلى الصديق الذي غدر بنا 

    وغا درنا مبكرا 

    الفنان الكاتب كاسر حباش 

(  الفاتحة )

كانت قصتك ممتعة جدا 

فلم أنهيتها مبكرا ؟ !!!  

***  *** ***  

لعلك أخطأت …  

لعلك أخطأت ؟؟ !

باستطاعتك العودة .. 

 وإلقاء التحية مرة أخرى 

سنخلع القبعات !!! 

***  *** ***  

ها أنت ذا تفعلها 

ها نحن ذا 

لانصدق !

 !!!

***  *** ***

من سيحدثني عن الجاز … 

والرامبو  و ( التشا تشا )

من سيحدثني عن سفالة الطرقات

 وأفلام كلينت ايستود 

من سيحشو رأسي بالكآبات الجميلة 

لقد خنتني !!!

إنه الليل 

وأنا لا أجيد العزف بالصفير  

***  *** *** 

واعدني …  وتأخر 

لن أزعل 

فأنا أعرف 

أنك مت !!! 

 

رفيق الجاسر.. 

خريج معهد إعداد المدرسين قسم التربية الموسيقية بدير الزور من سكان حي الجبيلة مهتم بالموسيقى والشعر والادب والتراث

كان رفيقاً لكاسر ومتعلقاً فيه لحد الالتصاق ..

معرفتي بالمرحوم كاسر حبش لها قصة . وكان ذلك في أحدى ليالي شهر حزيران عام 1980 كنت وقتها في الصف الثامن وكنا نسكن في زابوق بحي الجبيلة بوقتها . وكان طلاب الحارة يدرسون في هذا الزابوق أيام الامتحانات . 

ومن ضمن الذين يترددون على هذا المكان المرحوم كاسر . فقد كان يأتي آخر الليل بعد الساعة الثانية صباحا يحمل جيتاره الخشبي .

مرة كان كاسر يعزف ويصفر بطريقة جميلة ومذهلة أدهشتني وهذا أول موقف أدهشني من صاحب الدهشة . وانتبه لذلك رحمه الله فقال لي اتحب ان تجرب وقتها لم ألمس بحياتي جيتارا فكيف لي أن أجرب . لا أستطيع وصف فرحتي عندما قال لي رحمه الله . دع الجيتار عندك لمدة أسبوع وحاول أن تتعلم عليه بعد ما أعطاني المباديء الاساسية للعزف بشكل سريع . وفعلا بعد  اسبوع تفاجأ رحمه الله لما سمعني أعزف بداية مقدمة أغنية دارت الايام لام كلثوم . ومن يومها بدأت صداقتي به رحمه الله . وقتها هون كان طالبا في البكالوريا . وعندما كنت أمشي معاه في الشارع ونلتقي بأصدقائه الكثر كان يقدمني على أني صديقه رغم فارق العمر بيننا .

طبعا استمرت علاقتي الطويلة حتى وفاته رحمه الله .

تعلمت منه كل شي من الموسيقى إلى الرياضة إلى الشعر والأدب إلى التمرد على الواقع .

كان رحمه الله يبرع في كل شيء

كتب رفيق رسالة بعد وفاة كاسر .. قال فيها: 

شيء من بوح ذاكرتي 

صداقتنا , بلحيتك وعود ثقابك رسمت صورتك في ذاكرة العالم وفي ذاكرة المدينة بقلبك الذي سكنته مئات العذارى و تربع به آلاف الأصدقاء ختمت بطاقة دخولك لحكايات الفرات .

على جناح الغيم رسمت صورتك ’ فبأي الألوان سأزركش ما تبقى من ذكرى وبأي الحروف سأصيغ سيرتك المترامية الأطراف وإلى أية جغرافيا سينتمي بركان أحلامك الذي غادرنا سريعاً , فطوبى لأحلامك العصية عن هذه الحياة , طوبى لأحلامك ذات الدهشة يا بائع الدهشة .

بمساء ربيعي له طعم النشوة , بمساء ربيعي له أريج المشمش والتفاح , في أحد ( زوابيق ) الجبيلة تلاقت كل النغمات وكل الإيقاعات تلاقت الدنيا كلها بين أناملك والأوتار وتلاقت معها روحي بذات الدهشة يابائع الدهشة 

بذات المساء رفعت القبعات وتشابكت الأكف وتعانقت الأرواح بذات المساء رسمنا الحروف الأولى والخطوط الأولى بذات المساء عجنا النغمة الأولى, وبذات المساء وزعتَّ على كل الحضور الدهشة يا بائع الدهشة.

فقدتك المدينة يا صديقي, فقدك الوطن, فقدك الرصاص المنهمر والقذائف فقدك صراخ الأطفال فقدتك الابتهالات المتطايرة من فم العذارى والعجائز, فقدتك الثورة بكل تفاصيلها فقدتك الدهشة يا بائع الدهشة.

فقدتك المدينة يا صديقي وتلك الشوارع , تلك الأرصفة , بكتك أمهات الفراتيين الرائعات بكتك القلوب بكتك العيون , بكيتك في كل صباح أشرق للحرية على أرض الوطن .

 

في النهاية وبعد بحث طويل حصل موقع هنا دير الزور على مخطوطات من جهاز الكومبيوتر الخاص بالمرحوم كاسر حباش، من بينها مالم يكمل كتابته،  وسنضعه بين أيديكم كما هو .. دون أي تعديل

اضغط هنا لتحميل “مجموعة قصصية لم تطبع ولم تكتمل” بصيفة ملف Word

اضغط هنا لتحميل “مخطوطة موجهة إلى وليد معماري” بصيغة ملف Word

شاهد أيضاً

(آل حبيب – آل تبّان).. نعوة وفاة أحد أبناء دير الزور

(( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *