سوريا والسوريون..

 

الَحَضارَاتُ وَالمماِلكُ وَالاَّمَارَاتُ السُّورِيَّه فِي الجَزِيرَةِ السُّوريَّهِ

المَبْحَثُ الأَوَّلُ

سُوريا وَالسُّورِيُّون

 

من خلال بحثنا في منطقة ما بين النَّهرين كنَّا قد تطرَّقنا إلى الجزيرة السُّوريَّة والَّتي تشمل مناطق محافظات دير الزُّور والرَّقَّة والحسكة وقسم من مدينة حلب وهذه المناطق تغطِّي من حيث المساحة أكثر من ثلث سوريا، وبيَّنا الحضارات الَّتي امتدت في هذه المناطق إضافةً للمناطق الواقعة في تركيّا والعراق من بلاد الرَّافدين. أمَّا الآن فإنَّنا نبحث في الحضارات الَّتي لها امتداد على منطقة الجزيرة السُّوريَّة والأرض السُّوريَّة بشكلٍ عام.

عُرِفت سوريّا الحاليَّة وكامل المنطقة المحيطة بها عِبر التَّاريخ باسم سوريَّة، فجاء في “المعجم الجغرافي للقطر العربيِّ السُّوريِّ[1] “إنَّ سورية عُرفت بهذا الاسم زمن السَّلوقيِّين”

وقالت الدُّكتورة تغريد شعبان ( إنَّ نهر الفرات الَّذي يصل بين الأناضول من جهة وسوريا والعراق من جهة أخرى، جعل من شمال سوريّا أو ما يُسمَّى بالجزيرة السُّوريَّة، مركز الشَّرق باتِّجاه الغرب، وفيه بدأت أولى التَّجارب الزِّراعيَّة والتِّجاريَّة في الألف التَّاسع قبل الميلاد. إلَّا أنَّ هذا المركزَ السُّوريَّ الهام كونه صلة وصل بين الشِّمال والجنوب والشَّرق والغرب، لم يمنع بعض الباحثين من اعتباره مجرد أرض عبور للحضارات وليس مركزاً لها. لكنَّ الاكتشافات الهامَّة الَّتي تمخَّضت عنها الأرض السُّوريَّة بدءاً من أوائل القرن العشرين، دلَّت دلالة أكيدة لا ريب فيها أنَّ هذه المنطقة مع بقيَّة أنحاء الأرض السُّوريَّة مهد الحضارات، وإنِّ الماضيَ السُّوريَّ حافل بالعديد من ممالك المدن الَّتي نافست كبرى الامبراطوريات العالمية)[2].

كما قال الدُّكتور حسن محمود ( إنَّ الآراميِّين لماَّ اعتنقوا المسيحيَّة، واستخدموا لهجة الرَّها في كنائسهم وفي آدابهم وثقافتهم نبذوا اسمهم الأوَّل لصلته بالوثنيَّة، وسمُّوا أنفسهم السُّوريِّين أو السِّريان)[3].

أما د. فيليب حتى فيقول:  ( إنَّ اسم سوريَّة يونانيٌّ في شكله، ويظهر بشكل شرين في آداب أوغاريت وسيريون في العبرية حيث يُطلق على لبنان الشَّرقيِّ، واستُخدم اسم الجزء فيما بعد ليشمل البلادَ كلَّها… وكانت إحدى مناطق شمالي الفرات معروفة عند البابليّين باسم سوري (su-ri) ، ولا توجد في الغالب صلة في الاشتقاق بين “سوريَّة ” و “آسيريا ” (آشور) ، وفي العصور اليونانيَّة وما بعدها توسع استعمال هذا الاسم وأطلق على البلادِ كلِّها واستخدم بهذا المعنى حتَّى نهاية الحرب العالميَّة الأولى، وقد شمل عموماً المساحة الواقعة بين طورس وسينا وبين البحر المتوسط والبادية، وكانت فلسطين عند هيرودتس قسماً من سوريَّة…وكمصطلح لغوي فإنَّ اسم سوريِّ (Syrian)بالإنكليزية يشير إلى جميع الشُّعوب الَّتي تتكلَّم السِّريانيَّة (الآراميَّة) ومنهم الَّذين في العراق وإيران “…وكان اسم سيروس syrus (سوريّ ) بالنِّسبة للرُّومان يعني كل شخص يتكلَّم اللُّغة السِّريانيَّة، غير أنَّ ولاية سوريَّة الرُّومانيَّة كانت تمتدُّ من الفرات إلى مصر وكانت هذه حدود سوريَّة كما وصفها الجغرافيُّون العرب، وظلَّت تُعتبر كذلك حتَّى نهاية الدَّور العثماني )[4]

ويتابع د. فيليب بالحديث عن سوريَّة ( الممر السُّوريُّ الجبليُّ: ….ويقع الممر في سفح جبال طورس ولذلك يُسمَّى أحياناً ” بالسَّفح ” وهو المرحلة الأخيرة من خطِّ المواصلات الَّذي يبدأ عند الخليج الفارسي ويصعد دجلة حتَّى ضواحي نينوى ثمَّ يتَّجه غرباً إلى الموانئ السُّوريَّة ، وهكذا يصل بين تل حلف وحرَّان وماري وحلب وغيرها من المدن القديمة، وفي هذا السَّهل يبدأ التَّاريخُ السُّوريُّ المستمرُّ وأوَّل ممثِّليه السَّاميِّين هم الأموريُّون، ومنذ ذلك الوقت حاول البابليُّون والمصريُّون والآشوريُّون والكلدانيُّون والفرس والمكدونيُّون كلٌّ بدوره السَّيطرة عليه كمنطقة انتقال..كان مسرح تاريخ سوريَّة الرَّئيسي في مطلع الألف الثَّاني ق.م في الشِّمال حيث كان الأموريُّون يلعبون الدَّور الأكبر، وبعد منتصف الألف الثَّاني بقرن يتحوَّل مركز الثِّقل إلى سوريَّة الوسطى…)[5]

ويصف د. فيليب الدَّور السُّوريَّ في العالم ( وأوَّل نعمة أعطيت للبشرية في درجة أهميتها كانت الأبجدية الَّتي نقلها اليونان غالباً بين/850 و750 ق.م / والحقيقة أنَّ اختراع النِّظام الأبجدي ونشره يعتبر من جهة البعض أعظم منحة انعمت بها الحضارة السورية على البشرية، والمنحتان الاخريان هما ديانة التوحيد واكتشاف المحيط الأطلسي )[6]. وبيَّن المطران يوسف الدِّبس ( إنَّ أوَّل من سمَّى هذه البلاد سوريَّةَ هو هيرودوت، الَّذي ولد سنة 484 ق.م ) وتبعه اليونان والرُّومان. أمَّا الشَّاعر اليونانيُّ هوميروس فسمَّى سُكَّانها بالآراميِّين)[7].

أمَّـا «شــابو الخوري » فقد بَّيـن (إنَّ الآراميِّين هم بنو آرام بن سام وكانوا أمَّة كبيرة مشهورة، مواطنهم من أقدم البلاد الَّتي سكنوها مع أبيهم قبل الجميع فسُمِّيت باسمهم: بلاد آرام أو بلاد الآراميِّين، وهي المحدَّدة شرقاً ببلاد الفرس وغرباً بالبحر الأبيض المتوسط وشمالاً ببلاد الأرمن وآسيا الصُّغرى وجنوباً شبه جزيرة العرب، فهي تضمُّ بلاد بابل وآشور وما بين النَّهرين وبلاد الشَّام ولبنان، الَّتي كان فيها للآراميِّين ممالك كثيرة ، ولماَّ استولى اليونانيُّون على هذه البلاد سنة /312/ ق.م. ورأوا ما فيها من آثار الملوك الآشوريِّين أطلقوا عليها اسم سوريّا محرّفاً عن آسّور في الآراميَّة فقالوا فيه أسّوريّا ثم اختصروه إلى سوريّا. غير أنَّ الآراميِّين استمرُّوا بتسمية بلادهم باسم آرام، منتسبين إليه حتَّى اعتنقوا الدِّيانة المسيحيَّة، حينئذ أخذوا بغيرة مفرطة يتركون اسمهم القديم ” آراميُّون” ويتسمُّون بـ “السِّريان” ولغتهم تُسمَّى “السِّريانيَّة”. وأضحت عندهم لفظة آرامي مرادفة للفظة الصَّابئي والوثني، وكلمة السِّريانيَّة مرادفة للمسيحيِّ والنَّصرانيِّ)[8].

يقــول المســعودي في مــروج الـذَّهب تحت عنــوان “ذكر ملــوك السِّريانيِّين ولمع مــن أخبــارهم” فيـقول: (إنَّ أوَّل الملــوك ملــوك السِّـــريانيِّين بعد الطَّــوفان، وقــد تنزع فيهم وفي النَّبـط، فمِنَ النَّاس من رأى السِّــريان هم النَّبط، ومنهم من رأى إنَّهم إخوة لولد ماش بن نبيط ومنهم من رأى غير ذلك) ثمَّ يقول: (هو اللِّسان الأوَّل، لسـان آدم ونوح وإبراهيم عليهم السَّلام وغيرهم من الأنبياء).

وأمَّا الكاتب مفيد عرنوق فذهب إلى رأي مغاير لغالبيــــة الكُتَّاب والمؤرِّخين فيقول: (بعد التَّفتيش الدَّقيق تمَّ العثور على قاموس عربيٍّ سنسكريتيٍّ وإذ بلفظة ســوريَّا موجودة فيه باللُّغة السَّنسكريتيَّة ومعناها (الشَّمس) ومــــن هنا اتَّضح اشتـقاق لفظة ســوريَّا أي أنَّها من اللُّغــــة السَّنسكريتيَّة وتكتب بالألف الطَّويلة. وبعد هذا الكشف إنَّ اسم سوريَّا ومعناه الشَّمس فإنَّ أوَّل من أطلق هذا الاســـم على منطقة الشَّــرق الأوسط أي ســوريَّا الطَّبيعية هم الهندو أوروبيين أثنـــاء لجـــــوئِهم إلى منطقة الشـَّرق الأوسط هرباً من الصَّقيع والجليد ولجــــوؤا إلى الدِّفء وخصوبة التُّربــة وبمــوجب هــذا المنطق تسـقط تسمية ســوريَّا عــــن صور وآشور لتثبت أنَّها سنسكريتيَّة) [9].

أمَّا الدُّكتور أحمد داوود فيقول: ( منذ الزَّمن الأكَّاديِّ أي قبل خمسة آلاف عام لُقِّبت الأمُّ السُّوريَّة الكبرى ’’ عشتار ’’ وهو سارابنيتوم ’’ أيْ سيِّدةُ الكعبة، أو ربَّة الكعبة  لأنَّ بنيتوم  بالسِّريانيَّة هي’’ البنية ’’ بالفصحى  وتعني الكعبة  ومن سرت جاءت الصِّيغة الأخرى لاسم البلاد بعد إضافة الصَّوتيَّات ’’سورية ’’ أي السَّيِّدة / …..  ( لقد ورد اسم السُّوريِّين في وثائق أوغاريت الَّتي تعود إلى الألف الثَّاني قبل الميلاد بصيغة suryn  أي سوريِّين )ويتابع ( وهاهو الكاتب السُّوريُّ لقيان السُّميساطي ” الَّذي جعل هو الآخر في جامعات ومعاهد الغرب إغريقيا ” وهو من بلـدة سميساط في أعالي الفــرات يطلق على كتابة تسمية ” الربَّة السُّـــوريَّة ” وليس الآراميـَّــة أو الكنعانية  ويقول في مقدمة كتابه حرفياً ما يلي ” إنَّني اكتب كســوريٍّ وما ســأرويه لكم قد تأدَّى إليَّ من خلال مشاهداتي الخاصة ” )[10].

ويتابع ويقول: (إنَّ هذا الواقع الَّذي كشفنا بعض جوانبه حتَّى الآن هو الَّذي جعل الهويَّـة الحضاريَّة السُّوريَّة تطغى على الهويَّة العربيَّة في كلِّ المصادر التَّاريخيَّة اللاحقة حتَّى فجر الإسلام. ولم تكن هذه التَّسمية تتضمَّن أيَّما شيء عرقي وإنَّما انقسام اللُّغة الواحـدة إلى لهجتين كبريين رئيستين هما السُّــوريَّة ” السِّــريانيَّة ” والعرباء الفصحى” هو الَّذي خلق التَّسميَّة. إذ إنَّ كلاً من اللَّهجتين حَمَلتْ ذلك التُّــراث الكبير للشَّـعب الواحد في زمن معين فتُسمَّى باسمها. ومعلوم إنَّ السُّوريَّة ” السِّريانيَّة” ظلَّت هي السَّائدة والمهيمنة على  كلِّ مجالات الحيــاة في كلِّ مواقــع وجـود العرب أو السُّوريِّين حتَّى فجر الإسلام، حيث حلَّت العــرباء “الفصحى” محلَّها وعُمِّمت عـن طريق القرآن الكريم في كلِّ مواقع انتشار شقيقتها الأولى، وهذا ما تــأكَّد في تــاريخ هيرودوت نفســه فكثيراً ما كان يسـتخدم كلمة “ســوريّا”  بدلاً من “آســيا”  يقول هيرودوت” وإنَّ هنـاك أنهاراً كثيرةً في سوريّا وأنهاراً عديــدة في ليبيا لا تتعرض لما يتعرض لــه النِّيــل” ومعروف أنَّ ليبيا كانت تـُـطلق على إفريقيا زمـن هيرودوت إذ يـقول: ” إنَّ الأرض مقســومة إلى ثــلاثة أقســام ’’أوربَّا وآسـيا وليبيا’’)[11].

كما قال الدُّكتور أحمد داوود ( إنَّ التراث العربي ميَّز بين “آدم” الإنسان العاقل الأوَّل وبين آدم الرَّسول، فإذا كان عمر الإنسان العاقل الأوَّل يعود ربَّما إلى مئات آلاف السِّنين فإنَّ آدم الرَّسول لا يتعدَّى الألف السَّادس قبل الميلاد. إنَّ ” آدم ” الرَّسول هذا هو الَّذي عناه القرآن الكريم في الآية:

( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) آل عمران

إذن ما المقصود في الجنَّة هنا ؟ لو عدنا إلى المصادر العربيَّة السُّوريَّة حيث تتوفر لنا أقدم المدونات العربيَّة المكتوبة بعد اختراع الكتابة, أي بعد بدء التَّاريخ, وفتشنا عن الأرض-الجنَّة في مدونات أولئك العرب السُّومريِّين لوجدنا أنَّ موضع الجنَّة بموجب القصَّة السَّومريَّة الَّتي عثرت منقوشة على لوح و(تشابه ما ورد في المدونات التَّوراتيَّة والقصَّة الرَّمزيَّة ) هو في أرض “دلمون” في البحرين وتذهب القصَّة السَّومريَّة إلى أنَّ بلاد “دلمون” كانت جزيرة تتمتع بقدسيَّة خاصَّة وقد وصفت بأنَّها أرض الخلود وكانت حديقة إلهية غنَّاء مملوءة بالأثمار والمروج والرِّياض والكلمة في العربيَّة السِّريانيَّة هي “دعلمون” فالدَّال للتَّعريف و “علمون” تعني الخلود في العربيَّة السِّريانيَّة أي أرض الخلود ثمَّ سقطت العين في اللَّفظ والنَّقل إلى اللُّغات الأخرى. هذا يعني أنَّ آدم حينما غادر الأرض-الجنَّة إلى بلاد “سرن” (السُّراة) ووادي “دواسر” أي الرَّب “سار” جدُّ السُّوريِّين وتعني السَّيِّد، حيث العرب السُّوريُّون الَّذين يعيشون معتمدين على الزِّراعة والرَّعي وجد نفسه مضطراً إلى التَّكلُّم بالعربيَّة بلهجتها السِّريانيَّة (الجبليَّة) والسَّهليَّة وتخلى عن النَّمط البدائيِّ في العيش الَّذي كان يعتمد على ما تقدِّمه الأرض في المأكل وعلى أغصان الشَّجر في الملبس وتحوُّل إلى نمط العيش السَّائد لدى سُكَّان المنطقة. وهنا لابدَّ من الإشارة إلى أنَّ أبناء آدم وحواء من أولئك السُّكَّان الزِّراعيِّين الَّذين ينتشرون من شواطئ الخليج العربيِّ الشَّرقيِّ والغربيِّ إلى شواطئ دجلة والفرات الدُّنيا والعليا إلى شواطئ المتوسط وجنوبي نهر الأردن إلى ضفاف النِّيل كما أنَّ جميع سُكَّان شبه الجزيرة العربيَّة الممتدَّة جنوباً إلى شواطئ البحرين الهنديِّ والعربيِّ إنَّما هم عرب أيضاً.)[12]. مع ملاحظة إنَّ غالبية مفسريِّ القرآن لآية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)آل عمران  تذهب إلى خلاف ما ذهب إليه الدُّكتور أحمد داوود.     ويقول ابن الأثير: ( وبعد انتهاء معركة اليرموك والَّتي وقعت سنة (15 هـ -636م) بين المسلمين والامبراطوريَّة البيزنطيَّة قرَّر قيصر الرُّوم (هرقل) أنْ يهربَ نحو (القسطنطينيَّة)، وهي عاصمة الدَّولة البيزنطيَّة “وسار هرقل فنزل بشمشاط ثمَّ أدرب منها نحو القسطنطينيَّة فلمَّا أراد المسير منها علا على نشز ثمَّ التفت إلى الشَّام فقال: “السَّلام عليك يا سوريَّة، سلام لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك روميٌّ أبداً إلَّا خائفاً”)[13]

أمَّا المؤرِّخون العرب فقد أطلقوا عليها اسم بلاد الشَّام وذلك لوقوعها إلى الشِّــمال من الحجاز، وبالمقابل أطلقوا على البلاد الواقعة إلى يمينه، أي جنوبه، اسم بـــــلاد اليمن [14]

كما يقول الدُّكتور أحمد داوود ( ولا بدَّ لنا كذلك من الردِّ على الَّذين يقولون إنَّ العرب واللُّغة العربيَّة هي الَّتي جاءت من الجزيرة العربيَّة وإنَّ بقيَّة اللُّغات والأقوام لا علاقة لهم بالعرب ويقوم هؤلاء بالخلط بين اللُّغة واللَّهجة0 فالعربيَّة القديمة تميَّزت بثلاث لهجات رئيسة هي: السِّريانيَّة في الشَّرق، والأموريَّة[15] (وهي الفينيقيَّة) في الغرب، والعرباء (أي النَّقيَّة أو الشَّديدة العروبة) في جوف شبه جزيرة العرب. واستوعب تلك اللَّهجات السُّكَّان العرب فآرام بن سام وأولاده هم فرع رعويٌّ بدويٌّ من فروع العروبة سكنوا في المنطقة الشَّرقيَّة من برية شبه جزيرة العرب أي بمنطقة اللَّهجة السِّريانيَّة ولغتهم العربيَّة بلهجتها السِّريانيَّة، وكذلك إبراهيم العربيُّ الآراميُّ، لكنْ حينما انتقل ابنه إسماعيل إلى منطقة اللَّهجة العاربة وتزوَّج من بني جرهم وأستقرَّ بين ظهرانيهم تحوَّل هو وأبناؤه من بعده إلى اللَّهجة العاربة وسمِّي هؤلاء بالعرب المستعربة وظهر من فروعهم نبيُّ الله محمَّد “صلَّى الله عليه وسلَّم “. ولقد كانت اللَّهجات العاربة تضيف التَّنوين إلى نهاية الأسماء دون أنْ تكتبه بينما السِّريانيَّة تضيف الصَّوت ” و”والفينيقيَّة الصَّوت” ا “)[16]

وذكر أبو الفداء في مختصره( ذكر أمَّة السِّريان والصَّابئين من كتاب أبي عيسى المغربي قال:أمَّة السِّريان هي أقدم الأمم وكلام آدم وبنيه بالسِّريانيِّ)[17]

وأهل الجزيرة (السُّوريَّة اليوم). سمُّوا سرياناً كما سمُّوا فريثيِّين نسبة إلى نهر الفرات. وسمُّوا آراميِّين. أمَّا الخلاف حول لفظة سوريّا الَّتي منها سمِّيّ السِّريان يقول: “رينان الفرنساويُّ المعلم في تاريخ اللُّغات السَّاميَّة” ( إنَّ اسم آرام بُدلَّ في زمن الملوك السَّلوقيين في المشرق باسم سوريَّا الَّتي ليست إلَّا اختصاراً لآسوريا. أعني أثور. أو أثورايا.وبقي اسم أرام من بلاد الشرق ممن لم يعتنق المسيحيَّة كالنَّبط وأهل مدينة حرَّان.).   وجاء في كتاب كنيستيِّ السِّريانيَّة   ( إنَّ كلمة سوريَّا. متأتَّية من سورس الملك الَّذي ظهر قُبيل النَّبيِّ موسى وهو آراميٌّ الجنس. وباسمهِ سمُّيت هذه البلاد سوريا وأهلها سورسيين.ثمَّ حُذفت السِّين فصارت سوريين. وعند ترجمة العهد القديم. وما سمِّي التَّرجمة السَّبعينيَّة عام 280ق.م.ترجموا لفظة آرام بسوريَّا. كبديل أو مرادف لها. وأخذ يتغلَّب الاسم السُّوريِّ على الآراميِّ.والكتاب المقدس أثبت لفظ سوريا بالألف ونقلهُ العرب عن السِّريان لاعن اليونان. فقالوا: سوريا ولم يكتبوا سيريا أو آثوريا)[18].

واستناداً لهذه الآراء فإنَّ المُرجَّحَ أنَّ اسم سوريَّة كان قبل الميلاد ليس اسماً جديداً وإنَّ هذا الاسم أرتبط بالسِّريان الآراميِّين المنتمين إلى الشُّعوب العربيَّة القديمة.       

 

 

 

[1] – ” الصادر عن مركز الدراسات العسكرية “.

[2] – “ممالك سورية القديمة” ص 5.

[3] – “السَّاميون القدماء”.

[4] – تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ص 62و63 .

[5] – تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ص75 .

[6] – المرجع السابق ص 117 .

[7] – “تاريخ سورية”.

[8] – (السريان الآراميون عبر التاريخ).

[9]- “صرح ومهد الحضارة السورية”.

[10] – “تاريخ حضارة سورية القديم 2″ص25 ص31 .

[11] – “تاريخ حضارة سورية القديم 2″ص 29.

[12] – “سوريا وعودة الزمن العربي “.

[13] – الكامل في التاريخ.

[14]- ممالك سورية القديمة. د. تغريد شعبان ص 4 .

[15]-  الأموريَّون هم العموريُّون.

[16]- تاريخ حضارة سورية القديم 2ص 60.

[17]- المختصر في أخبار البشر لابي الفداء ص 81.

[18]- للمطران “إسحق ساكا”.

 

 

 

لمحة عن الكاتب:

 

ياسر ياسين العمر

سورية – مدينة دير الزور – تولد عام 1960

حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1978

الانتساب الى نقابة المحامين فرع دير الزور عام 1989

شغل منصب امين سر نقابة المحامين بديرالزور وترك هذا المنصب 2012

اتبع دورات عديدة في التحكيم

وحصل على شهادات تثبت اتباعه لتلك الدورات من غرفة التحكيم العربية وغرفة باريس .

-محكم لدى المركز الدولي للتوفيق والتحكيم والخبرة بسورية

-محاضرا سابقا في برنامج الأمم المتحدة للمنح الصغيرة

-متبع دوره في إدارة المجتمعات الاهلية

– عضو في اتحاد المؤرخين العالمي

– عضو في هيئة القانونيين السوريين

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *