“عين علي”.. صورة مصغرة، لما يجري في محافظة دير الزور

 

تبعد عن مدينة الميادين باتجاه الجنوب الشرقي مسافة فرسخين أي (9كم ) عامرة قبل الإسلام وهي نبع ماء جار يستفاد منه لزراعة الحنطة والشعير والسمسم والقطن مياهها ماهجة لاحلوة عذبة ولا مرّة علقم وفي أعلى الاكمة توجد مدينة عامرة تحت الأرض ودور سكن جدرانها من الصخور وعلى مساحة 1000م مربع نبشت عام 2013 واستولى اللصوص الهمجيين على كنوزها من ذهب وألبسة حربية ودروع وعملة.

يقول الكاتب شاهدت ذلك التخريب بأم عيني ثم أعيد التراب ومهدت الأرض بآلة ( التريكس) وقبل عام 1960 المدينة فوق الأرض عامرة بمسجد وبعض الدور ومنارة مرتفعة الى حوالي 15 م ولها بوابة (فتحة ) وداخل المنارة سلم على شكل درج يصعد الى أعلى المنارة ورسم على المنارة ثمانية صلبان واضحة هدمت المنارة مؤخرا من قبل عناصر تنظيم الدولة (داعش). 

 

والمنارة لهداية القوافل التجارية العابرة الصحراء من العراق الى بلاد الشام وهي مثمنة الأضلاع وتحت الأكمة توجد صخرة هي مذبح للديانة المسيحية .

وتعتبر عين علي (عين أباغ ) آخر بلاد العراق وأول بلاد الشام .

جاء في كتاب ( تاريخ الحيرة في الجاهلية والإسلام – عارف عبدالغني ) ص102:

الذي تنسب إليه عين أباغ بضم الهمزة وعين معجمه وقال الصولي : ويقال “عين أباغ” بفتح الهمزة كما قال الأعرابي وهي بطرف أرض العراق ممايلي الشام وهنالك أوقع الحارث الحراب الغساني وهو يدين لقيصر بالمنذر بن المنذر، بعرب العراق وهم يدينون لكسرى وقتل المنذر آنذاك، وقتله شمر بن عمرو السحيمي من بني حنيفة قال الأخطل : 

أجدت لورد أباغ وشفها هواجر أيام وقدن لها شهب

 

وقال أبو غسان : 

عين أباغ بالشام وقال الرياشي : عين أباغ ببغداد والرقة .

 

قال أبو الفتح التميمي النساب : كانت منازل إياد بن نزار بعين أباغ و أباغ رجل من العمالقة نزل ذلك الماء فنسب إليه .

قال : وعين أباغ ليست بعين ماء وإنما واد وراء الأنبار على طريق الفرات الى الشام وقيل في قول أبي نواس :

فما نجدت بالماء حتى رأيتها مع الشمس في عيني أباغ تغور

 

وكان عندها في الجاهلية يوم لهم بين ملوك غسان ملوك الشام –وملوك لخم ملوك الحيرة قتل فيه المنذر بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي فقال الشاعر :

بعين أباغ قاسمنا المنايا فكان قسيمها خير القسيم

 

وقد أسقط النابغة الذبياني الهمزة من اوله فقال يمدح آل غسان :

يوما حليمة كانا من قديمهم وعين باغ فكان الأمر ما ائتمرا

ياقوم ! إن ابن هند غير تارككم فلا تكونوا لأدنى وقعة جزرا

 

وجاء في الصفحة 316 من كتاب الحيرة — نفس المصدر —

 

يوم عين أباغ —

اسم مكان وراء الأنبار على طريق العراق إلى الشام و أباغ اسم رجل من العمالقة كان ينزل تلك العين ويحارب اياد صاحبة جذيمة بن الأبرش التي سرقت له الصنمين.

كان ملك العرب المنذر الأكبر بن ماء السماء ثم مات -فملك ابنه عمرو ثم هلك فملك بعده أخوه قابوس ثم مات فملك أخوه المنذر بن المنذر بن ماء السماء فغزاه الحارث الغساني فالتقوا بعين أباغ فقتل المنذر فولى كسرى النعمان بن المنذر ويتمم —— الى –إن يوم أباغ هو معركة عسكرية كبيرة بين الغساسنة والمناذرة هزمت المناذرة هزيمة ساحقة .

 

قال ابن أبي الرعلاء الغساني :

كم تركنا بالعين عين أباغ من ملوك وسوقة أكفاء

أمطرتهم سحائب الموت تترى إن في الموت راحة الأشقياء

ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء

 

وقالت فروة بنت مسعود ترثي أباها الذي قتل في عين أباغ :

بعين أباغ قاسمنا المنايا فكان قسيمها خير القسيم

وقالوا سيدا منا منكم قتلنا كذاك الرمح يكلف بالكليم

وقال الشاعر أبو تمام الطائي :

وهم بعين أباغ راشوا للوغى سهميك عند الحارث الغساني

(يقال كانت المعركة في يوم الصعود 20 مايو سنة 570 م هذا ما أورده

السيد حميد السيد رمضان في كتابه البوكمال )

 

حينما خرج الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بجيشه من الكوفة في العراق لملاقاة جيش معاوية بن أبي سفيان القادم من دمشق الشام الى صفين قرب الرقة مر الخليفة علي بعين أباغ فتغير اسمها الى عين علي — 

وكان مع الخليفة علي ثمانون من الصحابة منهم عمار بن ياسر – جرير بن عبدالله البجلي دفين البصيرة وخزيمة بن ثابت -وأبو أيوب الأنصاري – وعدي بن حاتم طي رضي الله عنهم وآخرين

 

كتب تافارنيه الرحالة الفرنسي في كتابه الرحلات باريس عام 1676 م المجلد 1 ص285 قال : إن (مشيد -رابا- ) –أي مشهد الرحبة يقصد عين علي غير بعيد عن الفرات يقع على تلة في اسفله عين غزيرة تملأ بركة ماء وكان هناك سور عال يتخلله عدة أبراج مستطيلة الشكل يحيط أكواخا بيضاء حيث احتفظ الأهالي بماشيتهم ( ومشيد -رابا ) أي مشهد الرحبة ويقصد عين علي ويشير الى مستوطنة المشهد المحصنة فمن أهلها — كان “المشاهدة” يقطنونها وهم أولاد منصور بن مسلم الكبير بن أبي بكر بن ابراهيم بن ابي بكر بن ابراهيم بن اسماعيل وصولا الى محمد النازوك بن علي بن جعفر الزكي الى الحسين بن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه حيث هؤلاء القوم كانوا قد هاجروا من المدينة المنورة إلى مشهد الحجر القريب من مدينة عانة وسمي (مشهد الحجر) لأن الخليفة علي مر به فأعقب مسلم الكبير جد المشاهدة ولدين هما ثابت سكن العراق ومنصور ورد عين علي – فسمي مشهد الرحبة أو (مشيد -رابا ) كما لفظه تافارنيه الفرنسي ومنصور جد المشاهدة في سورية فأعقب أربعة أولاد هم ( غنام – هرموش – شهاب – جراد ) وقتل امام مسجد عين علي السيد محمد بن غنام عام 995 هجري غيلة ولدي -محضرشرعي بذلك .

 

اعتاد سكان الميادين وبعض القرى المجاورة الخروج للنزهة أيام الربيع الزاهي الخصب بالأمطار وزيارة عين علي وتصعد الفتيات أو النساء لرمي العباءة السوداء من أعلى المنارة لترى حظها ونصيبها في حل مشكلة مستعصية أو خطبة وزواج فإن جاءت ململمة فحظها غير وافر وإن جاءت العباءة مفروشة فالبسمة واضحة على الوجه وربما ذبح البعض على تلك الصخرة التي هي مذبح نصارى الغساسنة بالقديم وعلى بعد  7كم غرب المنارة وفي عام 2013 حفرت قبور الغساسنة وبئر معطلة رومانية بالخور مطمورة بالتراب ونهب مافيها ووجد فيها كسرة من الفخار مكتوب عليها عين أباغ —

الصور -وثيقة باسم غنام بن السيد محمد جد السادة الغنام وكان مقيما في عين علي –

مشهد الحجر في عانة –و عين أباغ والمنارة ومدينة عين علي وسورها لتافترنييه الفرنسي.

 

(انتهى الاقتباس المنقول من صفحة عشيرة البو سرايا على موقع فيس بوك عام 2018 )

 

===========

في أيلول عام 2014 فجر تنظيم (داعش) عدداً من المزارات والأضرحة، لمشايخ الطريقة الرفاعية الصوفية في ريف دير الزور، بما فيها مزار عين علي الواقع في ريف بلدة القورية بدير الزور، ومزار الشيخ أنس، وضريح الشيخ الشبلي، وقبر الشيخ محمود الأنطاكي في مدينة الميادين، التي كان يسيطر عليها حينها، كذلك قام داعش بنقل رفات الشيخ عبد الصمد الراوي إلى مقبرة الميادين، عقبها إزالة الضريح من تكية الراوي في الميادين، في ذات التاريخ.

 

بعد طرد التنظيم  من المنطقة أواخر عام 2017 بدأت إيران التي تسيطر على معظم الريف الشرقي بدير الزور، بتغيير معالم المنطقة عموماً، ومنها عين علي، فأخذت ببناء مزار كبير، ونظمت رحلات للحجيج الإيرانيين إلى المنطقة وذلك وفق زعمهم أن العين تعود إلى مبرك ناقة الخليفة علي بن أبي طالب، أو مكان ضربة حافر فرسه رضي الله عنه، ونسفوا بذلك كل الوقائع التاريخية التي سبقت ذلك التاريخ.

ولم تكتفِ إيران بذلك .. بل قامت أيضاً من خلال سيطرتها العسكرية على المنطقة بنشر المذهب الشيعي والدعوة إليه وإغراء المدنيين الذين أرهقتهم سنين الحرب لاعتناق المذهب الشيعي، في ظل صمت محلي وعربي ودولي مريب على تصرفاتها في المنطقة.

 

شاهد أيضاً

دير الزور.. لمعة في تاريخها ((مقال عن مدينة دير الزور قبل نحو 114 سنة ))

بقلم الأديب عبد الكريم نوري أستاذ اللغة الفرنسية سابقاً بلواء دير الزور.. تحرير و تدقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *