ضرام سفان.. “وادٍ” بحجم الفرات

 

عندما يبوح الفرات بأسراره عليك أن تصيخ السمع وسوف تصاب حينها بالذهول لما تجود به أمواجه التي تأكل بعضها شوقاً لشواطئ الغرب والصفصاف، ولاننسى النخيل الذي يزين شوارع طالما حفظت خُطا أبناء دير الزور.

فرات الخير أنجب جبالاً تناطح سماء الإبداع في جميع الفنون والمجالات ولايستطيع أي سوري تجاهلها أو المرور عليها مرور الكرام، فالدير أم المبدعين.

مسرح دير الزور… كان منفذ من يريد إثبات وجوده على الساحة الفنية ولاسيّما في ظل ظل البعد عن الوصول لمرحلة التمثيل أمام عدسات الكاميرات لصالح التلفزيون.

أعمدة المسرح التي ساهمت في نشره بجميع أنحاء سوريا لم تكن كثيرة لكنّها كانت عريقة وضخمة، وكانت على قدر المسؤولية الملقاة عليها في حمل صورة دير الزور الثقافية وإيصالها لسوريا كاملة.

وعند الحديث عن الإبداع والأعمدة المسرحية التي كانت أهم من حمل دفتر المسرح الديري .. لابد أن تأخذ الدير على خاطرها إن بدأت بغير من حفظت خشبات مسرح دير الزور خطاه المثقلة بالتيه لما هو عليه من قوة إبداع، فقد كان جبلاً حتى في مشيته.

من شاهد أو عمل في مسرح دير الزور … لابد أنه عرف عمّن سنتحدث من خلال المقدمة.. ولمن لايعرف فإن ضيف زاوية “أعلام” في موقع هنا دير الزور هو الفنان والمخرج الكبير “ضرام سفان” 

أسس ضرام أول فرقة من أولاد الحارة .. عندما كان في الصف السابع .. وكان موعد تدريبهم مساءً بعد الانصراف من المدرسة، أما مكان التدريب فكان “برندة” منزله القديم في حي الحميدية، ولشغفهم بما كانوا يفعلون، فلم يستطيعوا الانتظار للوصول إلى خشبات مسرح يحتويهم ما جعلهم يقدمون مسرحياتهم على رصيف المنزل.

كتب أحد جيران “ضرام” بما فاض لديه من دهان منزله على نافذة المنزل في “برندة” منزل ضرام عبارة لاتزال صامدة بوجه كل القصف الذي تعرضت له ديرالزور عموماً وحارته على وجه الخصوص.. كتب على النافذة عبارة “المسرح الجوال”، ولاتزال هذه العبارة تزين الحارة حتى اللحظة، وكان هذا منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

 

انتقل “ضرام” بعدها لينتسب إلى فرقة “صغار المركز الثقافي” تحت إشراف المخرج “أحمد الحسين” وقدّمَ الكثير من الأعمال معه ومن هذه الأعمال : “لولا البساط”، “أسود أبيض” والكثير من الاعمال.

ما لبث أن انتقل “ضرام” بعدها إلى العمل مع فرقة الكبار أيضاً برفقة “أحمد الحسين” كممثل وقدّم عدة أعمال منها “منسية” “المعادلة” “اللجنة” “بلدي وهلم جَرّا” وجميعها من إخراج الأستاذ أحمد الحسين.

وبعد هذا الرصيد من الأعمال والخبرة التي اكتسبها بالإضافة إلى الموهبة التمثيلية التي فطر عليها، انتقل “ضرام” إلى الإخراج المسرحي، وقدم أول أعمال “يوميات مواطن عرب” وكان من تأليف أخيه الأستاذ “بسام سفان”، وشارك فيها بالمهرجان الشبيبي، وحصل العمل حينها على جائزة أفضل عمل متكامل، وذلك في ظل وجود عمالقة في الإخراج آنذاك، أمثال “حاتم علي” و”مناضل داوود” .. و”سمير الحكيم”، حينها كان ضرام طالباً في الثانوية.

 

توالت بعد ذلك أعمال “ضرام” المسرحية.. منها “أغنيات ليست للفرح” “الطوفان” “مذكرات بيدق” “النص الذي منعوه” “شيزوفرينيا” “ليلة مخمورة” “سقوط الماتادور”.

 

 

عمل “ضرام” على مشروع “سيما مسرح” لكن الظروف التي مرّت بها البلاد حالت دون تحقيق هذا المشروع.

 

خلال مسيرته الفنية حصد جوائز..

 

  • جائزة أفضل عمل متكامل .. عن مسرحية” يوميات مواطن” عام 1986  في مهرجان الشبيبة المسرحي 
  • جائزة أفضل عمل .. وأفضل نص .. وجائزة الجمهور .. مسرحية “أغنيات ليست للفرح”
  • جائزة أفضل إخراج.. عن مسرحية “الطوفان” في حلب بمهرجان الشبيبة
  • جائزة أفضل إخراج .. عن “شيزوفرينيا” .. وجائزة أفضل ممثل للفنان محمود الحسن بمهرجان الجامعات في بحماة 
  • جائزة أفضل مخرج وأفضل عمل وأفضل ممثلة “ميرنا مالك” وأفضل ممثل “محمود الحسن” وأفضل فريق مسرحي في مهرجان الهواة الأول بدمشق عام 2006

 

 

من يعرف ضرام أو جلس معه لا يمكن أن ينساه فما بالك فيمن جلس وعمل معه أعواماً… وعليه فقد حاولنا أن نستمع لما يقوله عنه من عاصروه وعملوا معه والتقينا بـ:

 

الفنان والأستاذ أيمن عبد القادر ابن مدينة دير الزور..

ذلك الذي رسخت صورة الجنرال الذي تقمّص ذات مسرحية دوره، راسخة في أذهان من تابعوا مسرح دير الزور ولاسيما المسرحيات التي أخرجها الفنان ضرام سفان .. قال عنه

 

شاب أشقر نحيل.. ذو عينين شهلاوين، وفم بحجم ثقوب الهارمونيكا.. تلك الآلة الموسيقية العجيبة.

إنه الفنان ضرام سفان.

التقيته صدفة على خشبة مسرح التجارة بديرالزور- سنة 1990، وكنا نحضر لمهرجان الشبيبة الفرعي تمهيداً لاختيار أفضل عمل يمثل المحافظة.

قدم ضرام مسرحية( الطوفان) وقدمنا نحن مسرحية ( سيمفونية الحرية)، وقد اختارت اللجنة ( الطوفان) ليمثل المحافظة في المهرجان القطري، حيث حصد العمل معظم جوائز المهرجان بالرغم من مشاركة كبار مخرجي المسرح في سوريا.

حينها بدا لي الشاب النحيف عملاقاً.

ورغم أن طولي يقارب المترين، شعرت بأنني ضئيل أمام هذه النخلة.

بعدها تقربت من ضرام – ذلك المتمرد على جميع القواعد والمدارس المسرحية- وعملت ممثلا لديه، فبدأ يكتشف فيّ ما لا أعرفه عن نفسي.. أطلقني في فضاء رحب، ومنحني بطولة العديد من مسرحياته( الذروة- مذكرات بيدق- سقوط الماتادور). 

مذّاك نمَت بيننا علاقة فنية ذات روحانية خاصة توّجته صديقي الأول وما يزال.

ملحوظة: ضرام طبيب نفسي بالفطرة وجميع ممثليه مرضى تطوّعو للعلاج ،لذا فمصحّه الفني فريد من نوعه.

أما الممثل والمخرج محمود الحسن ..

الجميل المتمرد الثائر على أعراف التقليدية والكلاسيكية، والذي دخل المسرح من بوابته العريضة مع مجموعة من الشباب الذين كان المسرح بالنسبة لهم بيتاً أكثر من عمل أو هواية، قال عن ضرام سفان..

 

مجموعة من الشباب المراهق المتحمس شكّلنا فرقة مسرحية وكنّا من نفس المرحلة التعليمية، وكان عرضُنا الأول اسمه “صور” مأخوذ عن مسرحية إيطالية للكاتب الإيطالي “ماريو فراتي”، و كأول تجربة لهذه الفرقة حديثة العهد كانت تعلونا سحابة ضخمة من الأحلام والامنيات وبالفعل عندما دخلنا في التنافس مع فرق مسرحية تابعة للمنظمات الشعبية، وتم ترشيح عرضنا المسرحي آنذاك  لتمثيل محافظة دير الزور في المهرجان المسرحي المركزي في دمشق.

كان ضرام سفان يتسلل خلسة في العتمة خلال البروفات ويجلس في المقعد الأخير و يتابعنا بصمت، وظَلَّ على هذه الحال أسابيع قبل أن يتحدث إلينا، تقدم بمشيته الساخرة المألوفة لمعظم أبناء دير الزور الذين يعرفونه وقال “من سنين ماجابت الدير ذهنية مسرحية مثل اللي عدكم” وقال بثقة “أنتم من سيذهب لتمثيلنا في الشام” عدنا من الشام على قولة ضرام بمركز ثالث مناصفة كعرض وجائزة أفضل ممثل لي وللممثلة التي كانت تلعب دور الزوجة في العرض، وعند عودتنا الى دير الزور التقانا ضرام ولم يقل سوى كلمتين “شكون قلتولكم ؟ “

لم يتأخر ضرام بعد ذلك بالاجتماع بنا وأبدى رغبة في أن نعمل على مسرحية من تأليف شقيقه “حسام سفان” أستاذ اللغة العربية شعرنا أن تلك مكافأة لنا على النتائج التي عدنا بها من دمشق فاسم “ضرام” كان يتردد على مسامعنا في مجمل الجلسات والنقاشات التي دارت بيننا وبين الجيل الأكبر سناً منا  والجميع كان يثنون على استثنائية هذا المخرج وجرأته وشجاعته.

عرض علينا ضرام أن نعمل على مسرحية وكفرقة وافقنا على الفور دون تفكير وكانت مسرحية ” شيزوفرينيا ” والتي اعتبرها كثير من النقاد وقتها من أكثر المسرحيات نضجاً على صعيد النص والإخراج والتمثيل واعتبرها ضرام نفسه مرحلة جديدة في مسيرته المسرحية، والعمل عليها منحَهُ أدوات تعبيرية جديدة ووضعه أمام أسئلة مختلفة عن تلك التي كانت تمر في مخيلته قبل “شيزوفرينيا” وربما كان النضج الفني الذي وسم العرض وقتها هو انعكاس حي لاكتمال الرؤى الفنية عند ضرام،  والعرض وقتها حصد العديد من الجوائز في مهرجانات مختلفة منها مهرجان حماة المسرحي إذ احتل العرض المركز الاول كعرضٍ مسرحي متكامل، ونال ضرام جائزة أفضل مخرج وفي التمثيل نال العرض جائزة أفضل ممثل وأيضاً في “مهرجان شام المسرحي” في دورته الأولى حضر عرض “شيزوفرينيا” بقوة ونال جائزة أفضل إخراج وأفضل تمثيل علماً أن العرض تنافس مع عروض احترافية لممثلين ومخرجين من المسرح القومي أما الإنجاز الأكبر لنا نحن كفرقة أنه سمح لنا اخيراً أن ننادي ضرام بإسمه الموازي والذي كان حكراً على أصدقائه القدامى ورفاق دربه الشياب وهو “دحّام” أصبحنا جميعاً مخولون بأن نناديه “دحام” ولكن سيكون أمامنا وقت طويل قبل أن نناديه بلقبه المشهور به وهو ” الوادي”

بعد “شيزوفرينيا” والإنجازات التي حققها على صعيد سوريا وعلى صعيد مدينة دير الزور ايضاً كان التحدي أكبر بالعمل على مسرحية أخرى فكانت مسرحية ” سقوط الماتادور ” وهي مسرحية من دفاتر الأندلس ألّفها شقيقه بسام سفان وقبل أن أنسى شكل ضرام وبسام ثنائي خاص مع بدايتهم بالعمل المسرحي وصارا يعرفان بالأخوين سفان بسام يؤلف ودحام يخرج، وبالفعل كان البحث التاريخي والمسرحي والجمالي أشبه بنوتة موسيقية واللحظات التي صوّرها الأخوان سفان لسقوط أبو عبدالله الصغير كانت تشي بلمسات “اولاد الكار” بالنسبة لي أكثر مايزين هذا العرض ويزيده جمالاً وخصوصية أنه كان من بطولة الشهيدين محمد عطوان ومحمد القاسم ونال في هذا العرض الشهيد محمد عطوان جائزة أفضل ممثل عن دور الغجري ولا تسعفني الذاكرة حول حصول العرض أو الإخراج على ترتيب في مهرجان المسرح الجامعي في دمشق، بعد هذا العرض لم يعد أحد من الفرقة ينادي المخرج بـــــ ضرام ولاحتى “دحام” كلنا أصبحنا نناديه بـ”الوادي” ولم يخطر ببال أحد حتى اليوم أن يسأله كيف حصل على هذا اللقب ” وادي”

الممثل محمد شاهين 

الذي وقف على خشبة المسرح طفلاً بين الكبار ذات مسرح وأثبت وجوده في ظل تكامل العمل مع فرقة مسرحية يقودها فنان بحجم ضرام سفان قال عنه:

 

ضرام سفان أو(الوادي) كما كنا نسميه تعرفت عليه في عام 1993 عندما شاركت في أول عمل مسرحي معه “مذكرات بيدق” كنت حينها أصغر عناصر الفرقة المسرحية ومنذ ذلك الحين أصبحنا وما زلنا أصدقاء وعلى تواصل مستمر.

يعتبر ضرام من أكثر المخرجين  في سورية إبداعاً بل يتخطى حدود الوطن لو أتيحت له الفرصة المناسبة، ويضاف إلى عوائق ظهوره أو وصوله للعربية أو العالمية الحالة الصحية والعمل المسرحي في مدينة منسية اسمها دير الزور.

كان لمسرح الطفل الحيز الأكبر لعملي معه كممثل وأذكر بعض هذه الأعمال 

“مغامرة فراشة” “شجر قمر وعصافير” “الحلم” “صندوق الحكايات” 

بالإضافة إلى مسرح الكبار للصغار.

أما بالنسبة إلى مسرح الكبار.. “مذكرات بيدق” “باح ياباح” “سقوط الماتادور” “شيزوفرينيا”

اتمنى لك ضرام العودة إلى تألقك بعد هذا الغياب القسري ونرى ونتشارك الكثير من الأعمال الممتعة الى ذلك الحين ارجو تبقى بخير

الممثلة تهاني العلي:

الفتاة الديرية .. المغموسة .. بالخشبة .. وبالكواليس .. استطاعت أن تكسر .. القواعد .. وتمارس هوايتها .. في اللعب على خشبة المسرح .. لعبت أدوارا مهمة .. في عدة مسرحيات .. وساهمت مع الأطفال أيضا .. في إنتاج مسرحيات عديدة .. خاصة وأنها تمتلك خامة صوتية مميزة .. كانت عنصرا مهما .. وفعالا .. في الفرقة .. كرست وقتها كله .. للمسرح
قالت عن ضرام…

 

الحديث عن الوادي ليس بالأمر السهل

قد تستغرب من اسم الوادي

نعم انا اتكلم عن ضرام ربما عرفتموه بهذا الاسم

ولكنه الوادي عندنا

تعرفت عليه في المركز الثقافي .. كنت في السنة الأولى حقوق

جئنا الى المركز الثقافي بدير الزور أنا وزملائي من الكلية بهدف العمل بالمسرح مع شخص آخر مع حفظ الألقاب

ولأجل الصدفة الوادي كان في المركز الثقافي مع فرقته المسرحية 

كانوا على ما أذكر على الخشبة يقومون ببروفة لعرض #شيزوفرينيا

عندما بدأت اتفرج على بروفتهم … الممثلون على الخشبة والمخرج #الوادي وحتى فناني الإضاءة والموسيقى والفريق كاملا، ضحكت كثيرا في سري لدرجة أني اعتقدتهم مجانين بالفعل !!!!

مع العلم انها كانت مجرد #بروفة!!!

لاأنسى عنصر الدهشة التي أصابني عندما بدأت بالانسجام بالمشهد لدرجة أني انتقدت نفسي بالحكم السريع على الفريق ولكن لم يسعني القول إلا أنهم استطاعو اقناعي بالفعل بأنهم مجانين وهو المطلوب تماما من الممثل !

الصدق .. .. الاحساس .. الإيقاع .. والقدرة على إقناع المشاهد.

نعم هذا ماكنت أبحث عنه عندما أحببت التمثيل عموما والمسرح على وجه الخصوص، فقد استطاع الوادي وفريقه تحريك الشغف الذي في داخلي ببضع دقائق، والأجمل من ذلك بكثير ما كنا نتقاسمه أثناء العمل معه ..

لاتستطيع أن تتوقف عن اللذة في البروفات 

الأحاديث .. النقاش .. تخيل الشخصيات .. الحوار وكل شيء 

لم تكن العلاقة لمجرد الهواية، فقد تحولت لصداقة وصدق وحلم وهذا كفيل باستمرارية التعامل مع فريق معين في مجال الفن

عملت مع ضرام عدة أعمال ومنها “سقوط الماتادور” “ليلة مخمورة” “صناديق وسوالف” ومسرحيات أخرى للأطفال

استمتعت مع فريقنا فريق الوادي المسرحي لمدة ٥ أعوام .. 

شاءت الظروف والأزمة أن نفترق كلٌّ في مكان جغرافيا وليس ضمنيا

مازالو  محفورين في قلبي شخصا شخص

ضرام أعمق من أن أصفه أو أتكلم عنه إنه ببساطة شخص صادق وفنان حقيقي 

ليس باستطاعتي أن أقول له إلا أنه من القلة القلائل الذين مروا في حياتي الذين يحثون الإنسان على التحرر من نفسه بالفن ,,,, شكرا ضرام

شاهد أيضاً

لقاء متفوقة.. الطالبة كاذي أيهم الرداوي

الاسم والشهرة كاذي أيهم الرداوي   المواليد 2007   المدرسة ثانوية المتفوقين   لمن تهدين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *