تميم صائب.. على لسان المقربين منه

رمز الأدب الديري.. على لسان المقربين منه

أصدق الكلام عن الإنسان حين يصدر من محب .. فما بالك إن صدر عن الأخ والأخت .. تليد ورفا صائب.. لم تكن شهادتهما بأحد رموز الأدب الديري مجروحة.. فالرمز لم يأخذ حقه على لسان أي من رثاه.. فهو الذي صاغ بأدبه قلادته أو ووسام تخليده.. بقلمه.. وترك لنا ما نستظل به من جميل الأدب حين نبحث عن جمال.

في الـ 14 من حزيران 2019 ترجّل فارس الحرف.. مخلفاً لدير الزور نجماً يضيء في سمائها، وحفر اسمه على جدران الدير العتيق 

 

موقع هنا دير الزور.. أحب أن ينقل سيرة الأديب الراحل (تميم صائب) أحد رموز الأدب الديري على لسان أخيه وأخته، فكانت كلماتهم أشبه بالمرثية التي لايشبهها رثاء

 

كتب شقيق الأديب الراحل..  تليد صائب:

ولد المرحوم تميم عام 1959 بمدينة البوكمال التي شاءت الأقدار ان يتزوج منها ويسكن فيها سنوات طويلة من حياته وكان الأوسط بين أخوته اذ سبقه بالولادة بنت و ولدين وبنت و لحقه بنت و ولدين وبنت .

قبل السن القانونية لدخوله المدرسة الابتدائية بسنة واحدة تم تسجيله بمدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية بالحويقة بدير الزور كمستمع .. إلا أن مدرسه و بنهاية العام الدراسي أصر على ترفيعه للصف الثاني بسبب نبوغه و تفوقه على زملائه الذين يكبرونه عاما” كاملا” وهكذا كان تميم الأصغر سنا” بين من درس معهم في عمر بن الخطاب الابتدائية و مدرسة الفرات (الاعدادية والثانوية) و كلية الزراعة بدير الزور 

تميز تميم بين أخوته و زملائه بالهدوء الشديد و بالمحبة والتسامح … 

و لأنه عاش ببيت يهتم بالأدب والثقافة والعلم حيث كان جده علي صائب رئيس تحرير أول جريدة في دير الزور (جريدة الچول ) و عمه الأديب الغني عن التعريف سعد صائب , و عمه الأكبر راغب صائب أول محامي بدير الزور و عمه الثاني آصف صائب أول طبيب بالمنطقة الشرقية , و والده المحامي ضياء صائب الذي كان يهتم بالأدب كاهتمامه بالحقوق و القانون .. فوجد تميم الكثير من الكتب الأدبية في مكتبة أهله بمتناول يده و نهل منها الكثير منذ صغره

كان قارئا” نهما” , يلتهم الكتب و المجلات و الدوريات الأدبية و الفلسفية بسرعة شديدة و يحفظها و يناقشها و يترك على هوامشها ملاحظاته بقلم الرصاص … قرأ لكامو و كافكا و همنغواي و آرثر ميللر و جون كيتس و غوتة و بوشكين و كاموس و شكسبير و اوسكار وايلد كما قرأ لفيرجيلوس و هوميروس و غيرهم , كذلك قرأ أدب نجيب محفوظ و العقاد و يوسف ادريس و نعيمة و جبران خليل جبران و شعر البحتري وأبو تمام و الفرزدق و المتنبي و الحمداني و السياب و طوقان و درويش و الخطيب و القباني وغيرهم

 

تأثر المرحوم تميم صائب بشعر المتنبي و  بدر شاكر السياب و نزار قباني و محمود درويش , وتعلم فن إلقاء الشعر من خلال سماعه لأشعار محمود درويش بصوته و طريقته بإلقاء الشعر _ كما أعتقد _ و خلف كل قصيدة للمرجوم تميم كانت تكمن قصة ما , كثيرها موجع و أليم و بعضها فيه الفرح و التفاؤل .

في بداية شبابه أحب تميم فتاة” و كتب فيها أجمل ما كتب من قصائد الغزل , لكن القدر شاء لها أن تموت فجأة , فنعاها بأجمل قصائد الرثاء , و ترك عنكبوتاً يعيش في سقف غرفته ببيت أهله ومنعهم من تنظيف و ازالة عشه لفترة لأنه كان يناجي العنكبوت بقصائده عنها ويقول في هذا : كانت سعادة أمي لا توصف حين قبلت  أخيرا” و بعد طول إلحاح منها أن تزيل عش العنكبوت , ربما كانت سعيدة بنظافة الغرفة وهي التي لا تقبل أن يكون بيتها متسخا” , و ربما لأنها فهمت أني خرجت من حالة الحزن التي عشتها لفترة , أما أنا فكنت أتمزق ألما” كلما قطعت (المكنسة) خيطا” من خيوط هذا العنكبوت .

 

شارك تميم بالكثير من الأمسيات الأدبية و شكّل مع صديقيه درغام سفان و ابراهيم اللجي ثلاثيا” جميلا”, فكانت قاعة المركز الثقافي بدير الزور (وهي الوحيدة آنذاك) تمتلئ بالجمهور حين يحيون أمسية شعرية , خصوصا” في بدايات الثمانينيات إبّان الحرب الأهلية اللبنانية و اجتياح اسرائيل لبيروت  .. و المقاومة الوطنية التي كانت تقض مضاجع العدو بعملياتها الاستشهادية ( خالد أكر و سناء محيدلي و دلال مغربي ..) فكتب لسناء محيدلي 

سناك ِ تي إن تي فقط ْ

في عالم ٍ ســــقط ْ

في عالم ٍ أضاع يا سناء

سناه ُ بالطلاء ْ

كان تميم أحد الأعضاء المؤسسين لمنتدى الفرات الأدبي بدير الزور قبل أن يتم اغلاقه , و بعد أمسية صاخبة له مع رفيقيه درغام و ابراهيم انتقدوا فيها بقوة الأوضاع البائسة التي يعيشها 

 

السوريون و نالوا من طرف الحكومة , تم استدعائهم لفرع الأمن السياسي و إبلاغهم بقرار منعهم من المشاركة بأي نشاط أدبي عام على الأراضي السورية كلها , واستمر هذا المنع حتى وفاة باسل الأسد , فرفع عنهم المنع لأن أسمائهم أدرجت بين الأدباء الذين سيلقون كلماتهم رثاء له , و رغم عدم مشاركتهم بأية كلمة أو رثاء إلا أن قرار رفع المنع بقي ساريا” …

و أذكر أن المرحوم تميم قال في تلك الأمسية :

سئل شامير في هيئة الأمم المتحدة عن السبب الذي يدعوهم لاغتصاب فلسطين والتنكيل بأرضها و ضم الجولان السوري , فهز كتفيه بازدراء و أجاب (كاشا) أي هكذا ..

كاشا ..

والعرب المستعربة كذلك قالت 

إذ سألوها عن أسباب تخاذلها 

كاشا 

أبناء المرسيدس قالوا

لمّا سألوهم عن أسباب الخوف الكامن فينا

كاشا

لا عذاب فالذل استوطن فينا

لا يقبل هذا الذل نقاشا

كاشا ..

كاشا

صارت أحصنة الأمس .. جحاشا 

 

لم يتزلف المرحوم تميم لأحد , وكان يتمسك بمواقفه بشدة , حتى لو كانت ضد مصلحته  فقد رفض بعد تخرجه من كلية الزراعة بتفوق أن يقدم طلبا” شكليا” للحزب مقابل إرساله ببعثة دراسية إلى أوربا لنيل الدكتوراه بالزراعة .. كما فعل البعض من زملائه .

و لم يمتح تميم خلال حياته أي مسؤول في الحكومة رغم أن هذا أقصر الطرق للوصول الى المناصب و المكاسب 

و ربما كانت لحياته بدير الزور تأثير سلبي على انتشار اسمه كواحد من الشعراء السوريين و العرب .. فالبعد عن العاصمة سبب التهميش لكل مبدعي سوريا الذين عاشوا بمحافظاتهم بشكل عام وليست الدير أفضل حالا” من غيرها بل ربما كانت أسوأهم ..

حاول تميم أن يقدم للأدباء من أبناء محافظته  يد العون فأسس دار صائب للنشر , لينشر من خلالها النتاجات الأدبية من دواوين و قصص و مسرحيات , فكان ينقّح و يصلح نتاجاتهم قبل طباعتها , ويتابع الموافقات على النشر ,, فخرجت من دار صائب العديد من النتاجات الأدبية لأدباء من المحافظة خصوصا” كان يمكن أت تبقى في دفاتر أصحابها لا يسمع بها أحد ..وفي أيامه الأخيرة بمرسين أعاد افتتح دار صائب للنشر مرة أخرى و نشر بعض الدواوين لأدباء سوريين إلا أن القدر لم يمهله طويلا” بعدها .

وقف تميم مع ثورة الشعب السوري و مطالبه المحقة بالحرية , و نزح من دير الزور الى مدينة البوكمال وعاش فيها فترة من الزمن حتى دخلتها قوى داعش الظلامية فعاش فيها لبعض الوقت قبل أن يهجرها الى منفاه الأخير بمدينة مرسين التركية التي دفن فيها , رحل تميم قبل يومين من الذكرى السنوية الأولى لرحيل والدته و التي قال فيها أجمل أشعار الرثاء و الحزن .

للمرحوم تميم أربعة أبناء , ولدان و ابنتان .

 

وكتبت شقيقته رِفاء صائب عنه 

تميم صائب الشاعر الإنسان : 

ولد في دير الزور الفراتية السورية عام ١٩٥٩ في بيت كبير يضم عائلته الكبيرة وكان الأوسط من بين تسعة أخوة وأخوات .. 

منذ صغره كانت لديه تلك المسحة الشاعرية في التماس الجمال بكل ماحوله ، حتى في التفاصيل الصغيرة ، أخبّ الخيلَ والشجر والنهر وتغنى بجمالهم في كل أشعاره ، كان طيباً خلوقاً ، بسيطاً ، يصادق البسطاء ويحنّ على الفقراء .. أذكر أنه حين سافر إلى الهند في بعثة علمية حملَ حقيبتين كبيرتين وعاد بدونهما فقد وزع ثيابه على الفقراء هناك وعاد بالثياب التي عليه فقط وفي جيب معطفه تماثيل صغيرة جداً للفيل الهندي وزعها علينا كتذكار .. 

في طفولته كان أكثر ذكاءً من أقرانه ، أحبَّ الشعرَ والأدب ، ولأنه من عائلةٍ أدبيةٍ علمية فقد جمع بين العلم والأدب ودرس في كلية الزراعة وتخرج منها ، ثم درس الفلسفة .. 

عملَ في الكثير من المجالات ، ثم استقر به مقام العمل بما يرغب فأنشأ دار صائب للنشر ، وكانت أول دار نشر في مدينته دير الزور ، ونشر فيها للكثير من المبدعين الفراتيين ، كما نشر دواوينه الشعرية الخاصة وأهمها ( حزن الجواد المتعب )   و ( حزة السكين ) ففي شعره مسحةُ حزن عميق عكسها إحساسه المؤلم بكل مايرى ويسمع من سلبيات المجتمع والوطن .. 

وحين اضطر للاستقرار في تركيا بسبب ظروف الحرب سارع لاستكمال مهمته وتابع دار صائب للنشر هناك ، إلى أن أقعده المرض وتوفاه الله تاركاً خلفه أثر الطيب في قلوب محبيه .

كتبتُ في رثاء أخي تميم ولو أن لا رثاء يرثيه : 

واسطةَ العقدِ كنتَ 

وحين تنقطعُ واسطةُ العقدِ تنفرطُ الحباتْ 

كيف الخياةُ بقهرها ، وبظلمها 

جبروتها 

تسلبُ منا الحياةْ ؟ 

في اغترابكَ قهرُنا 

وفي اغتراب الروحِ فيكَ 

موتٌ يعاديه المماتْ 

لن يكتبَ الموتُ الفناءَ 

لِمن بكل حرفٍ قالَهُ 

نبضتْ بعشقِ الشعرِ فيه الكلماتْ 

أرثيكَ أم ترثيكَ ديرٌ 

توشحتْ بالأسوْد المدميّ 

تبكي بحزنٍ قاهرٍ شاعرَ الفراتْ 

لم تجتمع مدينةٌ في حب شخصٍ 

كما اجتمعت فيكَ القوافي في الرثاءِ 

فكان مدادُ النعيِ فيكَ فراتاً 

يبكيهِ الفراتْ 

ياحزننا الباقي 

يادمعنا المسكوبُ نهراً 

مصبّهُ حين المماتْ 

ياشاعرَ الفراتْ 

ياشاعرَ الفرات

 

 

 

شاهد أيضاً

لقاء متفوقة.. الطالبة كاذي أيهم الرداوي

الاسم والشهرة كاذي أيهم الرداوي   المواليد 2007   المدرسة ثانوية المتفوقين   لمن تهدين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *