أكرم سفان.. قدرنا أن نعيش لا أن ننتظر الموت

أكرم سفان..

يختلف اللقاء عندما تحاور فناناً.. ولن يكون للترتيب أو البروتوكول مكانٌ في حوار أقرب مايكون للحديث إلى أهزوجة من الزمن الجميل أو مقطوعة موسيقية، حاولنا أن نجعل اللقاء به على راحته وكما يريد… أعطيناة القلم كي يكتب عن نفسه، فاختار المطرقة والإزميل كي ينحت لقاءه معنا كما يفعل في إبداعاته الفنية 

 

أكرم.. لك القلم..

قال:

أكرم سفان ..سوريا – دير الزور – 1967 

شاء القدر ان اكون وسط عائلة أدبية منها الشاعر والفنان والقاص والمسرحي نحن أبناء حضارة بلاد مابين النهرين .. دير الزور علمتني الكثير فنحن أبناء حضارة ماري أولى الحضارات الانسانية ..وآلهة عشتار.نحن ابناء سومر في كل اتجاه يوجد شاهد حضاري امامي.

 

لغاية عام 1984 كنت اتواجد بمرسم اخي الشاعر والفنان علي سفان حيث كان سبب في تعريفي لتشريح جسم الانسان ودراسة الظل والنور في التكوين وبعدها غادر البلاد وكانت بدايتي لوحدي مع الرسم والصلصال والازميل. اطلعت على النحت بالعالم ومن خلالها تطورت عندي حالة الرسم عشرين عام وانا بين الوان وبعدها بدأ يتشكل امامي مفهوم النحت أقمت كثير من المعارض..

وكل أعمالي النحت تتكلم عن الحالة القمع ….

 لست جديدا” على هذا الأسلوب ..

فأعمالي قبل اندلاع (ثورة الحرية والكرامة) بعشر سنوات كانت  تعبر عن حالة القمع والاضطهاد الفكري والسياسي الذي تعيشه سوريا .

 

 الآن …  أحاول أن أصوغ ما حملته ذاكرتي البصرية والنفسية من  أحداث عايشتها خلال

وعندما تعمل بروحك تستطيع أن تستوقف المشاهد.

العمل عندي يعيش حالة مخاض لولادة عمل جديد

القيمة الحقيقية لأي نتاج فني إنساني تكمن في عدالة القضية التي يحملها ويدافع عنها من حب وأمان وسلام وحزن وفرح وغيرها..

……….

خرجت  في نهاية عام 2015 من ديرالزور

وأنا مثقل بالحزن والأسى والدهشة من هول المأساة التي عشتها مع أبناء بلدي الأحرار ، إحتاج الأمر للقليل من الوقت كي أعود إلى إنسانيتي فوحشية الطغاة تسلخ منك إنسانيتك ..

واستطعت البقاء عند النظام مايقارب على ثمانية أشهر كانت صعبة لان كان حصار مايسمى داعش اللا إسلامي والدراما السياسية، وحضرتُ حينها كل أنواع الجوع في فترة الحصار..

 

قبل خروجي من دير الزور قمت بدفن اعمالي تحت أرض المرسم ولكن تعب ثلاثون عام دمر وسرق…..

 

أعمال النحت

هي نوافذ تصرخ منها أعمالي …

فلكل عمل قصة ألم

 

 تركيا…وكانت مرحلة نزوح وضياع جديد في التغريبة الجديدة لي…..

وطأت الأرض التركية وأنا مثقل بالحزن والأسى والدهشة من هول المأساة التي عشتها مع أبناء بلدي الأحرار، واحتاج الأمر القليل من الوقت كي أعود إلى إنسانيتي فوحشية الطغاة تسلخ منك إنسانيتك ..

 

كانت محطتي الأولى ولاية شانلي أورفا بها التقطت أنفاسي وبها ولدتْ أولى الأعمال إلى أن أصبحت عشرون عمل كانت الصرخة الأولى (صدى النزوح) التي جسدت آلام التغريبة السورية … كان لصوت النزوح صدىً في متحف ولاية ماردين فقد تمت دعوتي لفتح نافذة هناك ..

كانت بعنوان (إزميل المجاز ) برفقة الصديق الشاعر سهيل أحمد فكانت الصرخة الثانية …

سمع أنين الأعمال في متحف ولاية دياربكر فكانت الصرخة الثالثة ( الحزن السوري )

وقريبا الصرخة الرابعة ( المعتقلين) في ولاية بورصة … كما أنجزت معرضي الأخير في متحف أنطاليا مع الشاعرة الألمانية (ألفيرا كوجوفيتش) بعنوان “الخمار الحرير الأسود” وتم توقيع الكتاب في معرضي، وبعدها كان لي كتاب مع الشاعر الفارسي “فريد برزكر” بعنوان (العالم بلا وطن)، والكتابان تتضمن أعمالي وقصائد عن القضية السورية، وكتاب “الخمار الحرير الأسود” صدر بثلاث لغات، (الألمانية والإنكليزية والتركية).

ولست جديداً على هذا الأسلوب ..

فأعمالي قبل اندلاع (ثورة الحرية والكرامة) بعشر سنوات كانت تعبر عن حالة القمع والاضطهاد الفكري والسياسي الذي تعيشه سوريا .

 

الآن … أحاول أن أصوغ ما حملته ذاكرتي البصرية والنفسية من أحداث عايشتها خلال تواجدي في مدينة دير الزور من قتل وحصار وتجويع…

أجسد آلام الأم السورية وما عانته من فقدان ابنائها قتلا في شوارع المدينة أو اعتقالاً وتعذيباً في السجون …

علماً أنني لم أحمل السلاح مع الثوار … عملت في المساعدة الطبية وحفر قبور الشهداء وتوزيع الغذاء قبل تواجد المنظمات الاغاثية

لا توجد كلمات تصف الحالة التي عاشها ويعيشها الشعب السوري في دير الزور وسوريا عموماً ومن ناحية الأعمال الجديدة أحاول أن أوثقها من خلال أعمالي ومشاهداتي وما سمعته

 

– المواد التي أعمل بها هي الخشب والرخام والصلصال والجبس .. لكن للصلصال والرخام والخشب وقع آخر في روحي ..

حين تضيق الأرض والسماء بك … فأنت أمام الخيار الصعب بين أشكال الموت …

قهراً أو جوعاً أو قصفاً أو قنصاً أم اغتراباً …

فالقرار الصعب أن تقتلع نفسك من جذورك مرغماً… لعلك تنبت في أرض أخرى ..

بقيت عامين ونيف من عمر الثورة في سوريا شاهدت وعشت أنواع العذابات من خوف و جوع لكن ذاك المشهد المروع الذي أدمى روحي ما زال محفوراً في الذاكرة ، عندما حاولت أن أسحب امرأة مقتولة من أمام أحد قناصي النظام وشاء القدر أن أكون أنا من يسحب جثتها بعد مقتلها بأسبوع وأثناء سحبها سقط جنينها من بطنها بين يدي … أتعبني كثيرا هذا المشهد الدامي ..

خرجت من مدينة دير الزور وقد كانت تعاني من حصارين حصار “داعش” و”حصار النظام ..

خرجت باتجاه مدينة الرقة التي كانت تحت سلطة اللا إسلاميين “داعش” وتمكنت من الفرار باتجاه تركيا

عبر الجبال لمدة أربعة ايام استطعت حينها أن أعبر الحدود باتجاه تركيا … وبدأت المعاناة بشكلها الجديد ..” الغربة والحنين” لا أملك سوى أفكاراً وأنامل .. واجبي كنحات أن أوثق معاناة شعبي ..

 

دير الزور هي معشوقتي..

جميلتي التي لا تكبر ..

فراتها شريان قلبي النابض..

كان لدي يقين أن البعد ربما يطول لذلك حملت معي بعضا” من ترابها لأتنفس عطرها حين يفض القلب إليها …

بعدي عنها موت الأم ..

دير الزور علمتني الكثير

 

++++++++++++++++

 

أنهى حواره بهذه المعزوفة :

 

حين تلتقي الكلمة بالطين والتراب…

يورق الشعر..

وينطق الطين والحجر…

حين تزلزل الأرض زلزالها…

وتلتقي السماء بأثقالها…

وتخلع الإنسانية أخلاقها…

وتتعرى البشرية وتلتقي أوزارها…

عندها يصيح الإنسان ما بها…

يصبح العدم خيارها…

حينها…تظهر المعادن أنواعها …

وتصرخ الأنانية… أنا ها هنا …

في حمأة هذا الدمار.. يبحث الحب عن خلاص وحياة…

حقيقة الكون .. صراع في صراع 

والحتمية هي انتصار الحب وفوز البقاء

من فكرة ورؤية لمستقبل أكثر إشراقاً..

يفعل الفن والإزميل بالحجر ما يفعله..

يبث له الروح والحياة …

وقرع المطرقة ناقوس عودة الحياة.

وقيامة انسان جديد..

يتحول الجماد حياة وأمل …

يحكي سفرا بشريا مر ومات ..

يعود للحياة القها 

وللبشرية الحب

تورق الأرض بحياة جديدة

وتعيد للحياة ألقها وقيمتها

كحتمية وقدر…

قدرنا أن نعيش.. لا أن ننتظر الموت…..

 

وأهدى لموقعنا صوراً لبعض أعماله

شاهد أيضاً

جمعة سليمان.. صياد الفرات الأعزل

      من الصعب أن تتحدث عن فن التصوير الضوئي دون أن تقف عند …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *