حسين العبد الله (الصياح)

حسين العبد الله (الصياح)

قامة من قامات الشعر الفصيح والشعبي في دير الزور.. رسم الدير بقلم القلب ونهل الحبر من فراتها
يسر موقع “هنا دير الزور” اللقاء بالشاعر السوري ابن مدينة دير الزور .. حسين العبد الله (الصياح)

سؤال: بداية حدثنا عن البدايات ومتى بدأت تخط أولى خطواتك في درب الشعر والأدب

أشكركم بداية على هذه الاستضافة الكريمة وهذا الاهتمام بالشعر وأهله.
بدايتي مع الشعر كانت في المرحلة الابتدائية حيث نلت لقب (الرائد الطليعي) في الشعر والخطابة والفصاحة على مستوى ديرالزور وأنا في الصف الرابع. كنت حينها أحفظ الشعر وألقيه ثم بدأت أكتبه وأنا في المرحلة الثانوية. ولكني كنت مقلًّا وانشغلت عنه بعدها بهوايتي بالعزف ثم عدت إليه مع كثرة أسفاري وتنقلي بين أكثر من دولة لظروف عملي ثم وضع النزوح والهجرة في السنوات الأخيرة والتي لاشك كان له الدور الأكبر فيما فاض من القلب والروح.

سؤال: ما نصيب الدير مما كتبت
أنا ابنُ الديرِ من ذاكَ الفراتِ دمي // وفي ساحاتِها نُسجت شراييني
عباءةُ أميَّ السوداءُ لي شرفٌ // وزندُ أبي بلونِ القمحِ والطينِ
لعل لديرالزور والفرات وأمي رحمها الله النصيب الأكبر مما كتبت، وهم أكثر الذين أعطوني ومهما كتبت بهم لن أفيهم حقهم. فالشعر إحساس وعاطفة وصفاء وعمق إنساني، وقد نهلنا من هذا الكثير من فراتنا وأمهاتنا الفراتيات الشامخات وعاطفتهن الجياشة.

سؤال: في المهجر تقتات حنينك وشوقك لوطنك وفراتك.. هل كتبت في ذلك
وهل المهجر والبعد عن الوطن والفرات إلا طاحونة تعصر هذه الروح فلا يخرج منها إلا حنين وشوق وآلام على هيئة حروف وكلمات!
مما قلت في لحظة حنين:

أسرجتُ روحي، خُذْ بِطرفِ قيادي
نحوَ الأحبَّةِ سِــرْ بنا يا حادي

أَوَما رأيتَ إذا أُغرِّبُ شَـــرَّقَــتْ
رُوحي تُرَفرفُ في سَما مِيلادي

يسري الفؤادُ إذا غفوتُ لِـحُضنِها
وإذا صـَـحَوتُ وجــدتُها بفُــؤادي

يا حُضنَ عُمريْ ياوسادةَ أدمُعي
كيف الرُّقـادُ وليسَ فيكِ رقـادي؟!

أُمســـي وأُصـــبحُ والفؤادُ مسافرٌ
بيني وبينكِ رائـِـحٌ أو غــــادي

ياقِـبلتي قَــبلَ الصـــــلاةِ وبعـدَها
أنا ماسَرجْتُ سِـوى إليكِ جَوادي

ماكنتِ غيرَ عروســـةٍ في خِدرِها
من ألبسَ الحسناءَ ثوبَ سَــوادِ؟!

أشتاقُ – بعدَ العَصرِ – صوتَ فُراتِنا
كانَ الكَمَنجةَ صــوتُهُ والشَّـــادي

أشــــتاقُ بيتًا لـيسَ يُغـلقُ بـابُـــهُ
فيهِ العَـريشُ وشــــجـرةُ الكـــبَّادِ

أشتاقُ شمسًا ضاحَكتْ أمي وكَمْ
أشتاقُ خُبزًا فيه طعمُ رمــــــادِ

أشتاقُ للبدرِ الذي يمشي معي
وأخـــالُ أني خِـيـــــرةُ الأولادِ

أشتاقُ يا مَن كنتِ وحدكِ مَسكني
وغدوتِ اِســمًا ســـاكنًا أورادي!

لا ظلَّ لي في غُربتي يمشي معي
هل قد غدا بعضي لبعضيَ زادي؟!

والعيشُ موتٌ في صَحاري غُربتي
والموتُ عيشٌ في ثراكِ بـــلادي

مَـن منكُمُ ذاقَ الـنَّـوى عن أرضِــهِ
حـتمًا كَــــواهُ بجَـمــرِهِ الــوقَّــــادِ

فإذا سمــــعتُمْ أنَّـةً في أضـلُـعـي
فلتِلكَ روحي يا فُـراتُ تُـــنــادي

وإنِ احترقتُ من النَّوى فوصيَّتي
أنْ تَـنثـروا فوقَ الفُـراتِ رَمــادي

سؤال: هل وجدت حاضنة لإبداعك في المهجر، وهل هناك ديوان للطباعة مستقبلاً.
لعل ما يميز تركيا عن غيرها من بلاد المهجر هو اهتمام الحكومة والكثير من الشعب التركي باللغة العربية وذلك مرتبط بداية باهتمامهم بالإسلام والقرآن الكريم. هذا الاهتمام نراه في انفتاح ملحوظ وكبير نحو تعلم اللغة العربية وذلك في المدارس الحكومية وغيرها. ومن الأمثلة التي شهدتها وأسعدني شخصيا متابعتها هذا العام هو المسابقة الدولية للغة العربية في دورتها العاشرة والتي تقيمها الحكومة التركية وتهتم بها اهتماما كبيرا. فيكفي أن نعلم أن عدد المشاركين من الطلاب الأتراك في هذه المسابقة لهذا العام قد بلغ 127 ألفا شاركوا في عدة مجالات منها الشعر والمسرح والخط والمناظرة وكلها باللغة العربية، وشارك في التنظيم والتحكيم قرابة 1000 شخصية من المختصين والأكاديميين والإعلاميين وغيرهم. وكان لي الشرف أن قامت مديرية التربية التركية بترجمة إحدى قصائدي عن الأم حيث كانت واحدة من القصائد التي حفظها الطلاب وتنافسوا في إلقائها ثم بفضل الله فازت قصيدتي بالمرتبة الأولى بإلقاء طالبة في الثانوية من مدينة أورفا. وقد دُعيت حينها إلى المسرح للمشاركة في تكريم الفائزين مع ممثلي الجهات الرسمية من الأتراك. كما شعرت بالفخر وأنا أتابع فعاليات الاحتفال الرسمي الذي أقامته جامعة مرمرة التركية في يوم اللغة العربية، وقد دُعيت للمشاركة فيه، وأجمل فقرة حضرتها للطلاب الأتراك كانت بعنوان (بالعربية تسمو لغتنا) فتأمل أنهم يفتخرون بالمفردات العربية التي في لغتهم التركية! مع هذا المقدمة التي ربما أسهبت فيها أقول: ما زالت هناك مشكلة في وجود حاضنة رسمية للشعراء والأدباء العرب في بلاد المهجر – وأتحدث عن تركيا كوني فيها – ولازلنا بحاجة إلى تظافر جهود لنضع بصمتنا نحن كعرب ونثبت أننا ورثة حضارة عظيمة وأننا أرباب أدب وشعر بل نحن رواد الشعر على مستوى العالم. وهنا دعني أشير إلى أننا قمنا كمجموعة من الشعراء الفلسطينيين والسوريين في تركيا بمهرجان الشعر العربي الأول في العام الماضي، والذي أقيم على مسرح كلية الإلهيات في جامعة مرمرة، وكان هو انطلاقة الجمعية الدولية للشعراء العرب والتي يسعدني أنني أحد مؤسسيها والمدير التنفيذي فيها، وهي في المراحل النهائية اليوم من الترخيص الرسمي وعلى أعتاب إقامة المهرجان الثاني لهذا العام بعد عدة فعاليات أخرى قامت بها فيما سبق.
أما الديوان الأول لي فما زلت أتمهل بطباعته وإصداره وذلك لعدة أسباب ولكني أرجو الله أن يوفقني لهذا في الأشهر القليلة القادمة مع أن في القلب غصة ألا يكون إصداره وحفل توقيعه على أرض سوريا الحبيبة وبين الأهل وعلى ضفاف فراتنا الغالي.


سؤال: إنجازاتك ومشاركاتك على المستوى العربي هل زادت بعد مغادرتك سوريا … حدثنا عن ذلك
في الواقع أنا أعمل خارج سوريا منذ عشرين سنة تقريبا وقد عدت إليها قبل 12 سنة لفترة وجيزة ثم غادرت للعمل في الخارج. ولم يكن لي نشاط ملحوظ في الفعاليات الأدبية داخل سوريا حيث لم أهتم وأنكب على كتابة الشعر كما ذكرت أعلاه إلا في العقد الأخير من الزمن. وبالطبع زادت مشاركاتي في الفترة الأخيرة حيث شاركت بعدة مهرجانات دولية وتعذرت مشاركتي في مهرجانات أخرى لبعض الظروف كما كان لي العديد من اللقاءات عبر قنوات تلفزيونية وإذاعية عربية. ولعل أهم إنجاز يحققه الشاعر هو أن يكون لسان أهله وأن ينال محبتهم وأسأل الله أن يكرمني بهذا.

سؤال: حدثنا حديث القلب للقلب.. عن حسين العبد الله.. اليوم
إذن هو حديث الموجوع لموجوع! فكل قلوبنا اليوم مليئة بالألم … الألم على وطن مكلوم بل أوطان مكلومة .. الألم على أهل مشردين .. على شهداء … على معتقلين … على من ضاقت بهم الأرض بما رحبت به! الألم على ذكرياتنا ونسمات فراتنا وطيب أهلنا!
حسين العبدالله اليوم كما الملايين من أهلنا، واحد ممن فقدوا الكثير ويواجهون الكثير من التحديات التي نسأل الله أن يعيننا عليها وأن يثبتنا على طاعته وأن يفرج كرباتنا برحمته. وليس هناك ما أقوله خير من الدعوة إلى أن نعود إلى التمسك بما جاءنا من الله سبحانه ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فلا نجاة لنا إلا بهذه العودة.
الكره الذي يستشري بيننا ليس إلا شرخ كبير يتغلغل من خلاله أعداء هذه الأمة ليهدموا ما تبقى منها.
وأما للمهاجرين خاصة فأقول: في الوطن كل منا يمثل نفسه أما في المهجر فكل منا يمثل وطنه. فلنكن خير رسل لوطن يستحق أن يعرف العالم عن مجده وجماله وعزة وشموخ أهله.

سؤال: نختمها بمسك ما تختار لنا من قصائدك
أختم بالشكر مجددا لكم وبالدعاء لكم بالتوفيق لما فيه الخير والجمال ثم أهديكم آخر ما كتبت من قصائدي وهي بعنوان (سفير من قلب أمي)، أقول فيها:

أحبو
وتسبقني الدروبُ
تسيرُ
ومضى من العمر القصير كثير

ما كنتُ مَن فوق الدروبِ يسيرُ
لكني الذي فوقي الدروبُ تسيرُ

وعَلامَ أُسرعُ والطريقُ معبدٌ بالموتِ
والرصفانُ فيهِ قبورُ ؟!

أين المسيرُ
وكلُّ أحلامي التي شَيدتُها …
خلفي
فأين أسيرُ ؟!

نحو الحبيبةِ؟!
أيُّهنَّ؟!
فإنني – في ظَنهنَّ – بكلِّهنَّ أسيرُ

نحو السرابِ؟!
إذن سأحبو
فالسرابُ إذا بلغتُ رحابَهُ …
سيغورُ!

نحو المدينةِ حيثُ أُمي؟!
لا تُذكِّرني
فقد يغتالني التذكيرُ

أمي
تعالَ بذكرِها ننسَ الهمومَ
فذكرُ أمي – يا سميرُ – سميرُ

للشمس ِكرسيٌّ هناك ببيتِنا
فرفاقُ أمي الشمسُ والتنورُ

وحصيرُها في الحَيِّ كان حَرَملكًا
وتغارُ من ذاكَ الحصيرِ قصورُ

وبكفِّها مسكٌ
و سَلْ حبلَ الغسيلِ
فلم يزلْ يبكي ..
وفيه عبيرُ

وبَخورُها من دَخنةِ التنورِ
يا باريسُ ..
هل مِن مثلِ ذاك عطورُ ؟!

ووَضوءُ أمي
حفنتانِ من الفراتِ
لذاكَ يسكنُ وجهَ أمي النورُ

وإذا حكت
فكأنما نطقَ الفراتُ
فصوتُها عذبٌ …
وفيه خَريرُ

وبعينِها حَوَرٌ وألفُ قصيدةٍ
ما الـ (مونَلِيزا) حين تُذكرُ حُورُ ؟!

أحتاجُ بحرًا يا خليلُ لأجلها
لم تُوفِ أمي يا خليلُ بحورُ

فأراه ينقصُ كاملٌ في وصفِها
وبوصفِها إن الطويلَ قصيرُ

أمي التي للجارِ نِصفُ رغيفِها
والضيفُ يأكلُ نِصفَهُ وطيورُ

سلطانةً كانت لأعظمِ دولةٍ
فيها تساوى حاجبٌ ووزيرُ

في قلبِ أمي دولةُ الحُبِّ التي
منها أنا للعالمينَ ســـــــــــفيرُ

شَيَّعتُها
والشمسُ خلفَ غمامةٍ تبكي
وشيَّعها معي العُصفورُ

والبابُ أمسكَ نعشَها: لا ترحلوا
رُدُّوا (الحنونةً)
ثم ناحَ الدُّورُ

وعلامَ يا حفَّارُ تحفرُ قبرَها ؟!
أمي لها كل الصدورِ قبورُ

وحثوتُ ..
لم أحثُ الترابَ وإنما
روحي حثوتُ …
وفي الضلوعِ زئيرُ

ورجعتُ …
والدربُ الذي سِرنا به
نبتَت عليه قصيدةٌ وسطورُ

حتَّامَ أبقى يا دروبِ مهاجرًا
ومتى لأمي يا دروبُ أحورُ ؟!

شاهد أيضاً

لقاء متفوقة.. الطالبة كاذي أيهم الرداوي

الاسم والشهرة كاذي أيهم الرداوي   المواليد 2007   المدرسة ثانوية المتفوقين   لمن تهدين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *